أكتب مباشرة بعد انتهاء مباراة مصر وغانا.. وتحقيق الإنجاز الأكبر في تاريخ الكرة المصرية.. سعيد جدا وفرحان جدا.. وهل هناك مصري ليس سعيدا بهذا الإنجاز الصعب الذي تحقق بالعرق والمجهود.. فالإنجازات الحقيقية -غير الورقية- لاتتحقق إلا بالتخطيط وبذل المجهود. حسن شحاتة وفريقه يجبرونني علي أن أكتب عنهم ثانية خلال يومين.. لأنهم يستحقون .. وهل هناك أفضل من الكتابة عن النجاح الدائم.. لست خبيرا كرويا.. كما أن هذه المساحة غير مخصصة للنقد الرياضي.. لكني أكتب هنا عن النجاح السهل الممتنع.. عندما يعمل الجميع بروح (الفريق الواحد) وليس بعقلية (الرجل الواحد). وإذا كنا قد حققنا هذا النجاح التاريخي في كرة القدم.. فالسؤال:لماذا عجزنا عن تحقيق إنجازات أخري مماثلة في الفنون والعلوم والاقتصاد وبقية المجالات؟!.. أليس من حققوا إنجاز كرة القدم مصريين يعيشون بيننا؟! فلماذا يكون هذا الإنجاز (لقيطا) أو أشبه بالفرع الذي ينمو في الصحراء دون انتماء إلي شجرة أكبر تضم بقية مجالات الحياة؟! ومع الاحترام والتقدير والانحناء لأبطال مصر في أنجولا.. إلا أن الإحساس السعيد بماحققوه لن يدوم طويلا.. لأن اللهاث علي لقمة العيش سيجعل الإنجاز يتواري شيئا فشيئا.. فهو أشبه بالمخدر اللذيذ الذي يسري في العروق فيصيب الأعصاب بالارتخاء.. ثم نستيقظ لنبحث عما تحقق في اقتصادنا.. ونتساءل: إلي متي تظل وارداتنا أكبر من صادراتنا.. ولماذا لاننتج حتي نصدر، رغم أن ثلثي سكان مصر دون الثلاثين عاما، أي أنهم في سن العمل لكنهم يعانون البطالة؟! ثم ماذا حققنا في حياتنا السياسية.. وكيف لا نطبق في السياسة قاعدة النجاح في كرة القدم وهي البقاء للأصلح.. فالملعب هو الفيصل في استمرار اللاعب.. ويتم تغييره فورا عند تقصيره، بل يتم إقالة الجهاز الفني بأكمله عند توالي الهزائم، وأحيانا عند أول هزيمة.. لكن هذه القاعدة لانطبقها علي قادة مؤسسات هذا البلد.. فنري الوزير يحقق الفشل تلو الآخر والحكومة لاتنجز شيئا.. ورغم ذلك فالكل باق في مكانه.. والنتيجة هي الانهيار التام بسبب مسئول فاشل لايعرف إلا خدمة من جاء به إلي هذا الكرسي. نتمسك جدا بتطبيق القوانين في اللعب ونحتكم إلي اللوائح.. رغم علمنا أنه أولا وأخيرا مجرد لعب.. بينما في الجد تغيب القوانين المنظمة، حيث يسود قانون واحد فقط وهو (شيلني وأشيلك).. في الأولي وهي الرياضة يستمر الناجح، أما في إدارة الأوطان فللبقاء معايير أخري يتذيلها النجاح.. فلماذا لاننقل قوانين اللعب إلي مجال الجد؟!.. وقتئذ سيختلف حالنا.. وسنحتفل كل يوم بإنجاز حقيقي يضيف لهذا الوطن. هل يمكن استنساخ حسن شحاتة في كل مؤسساتنا؟.. اسألوا العلم.. لكن كيف تسألون ما هو غائب عن بلدنا منذ زمن بعيد؟! رغم أن العلم هو الحل.. والرياضة للسعادة.. والأول سوف يدوم طويلا والثاني سيمضي سريعا.. انشروا العلم في كل مجالاتنا.. وطبقوا القانون بأعين عمياء.. وغيروا الجالسين علي الكراسي؛ لأن التغيير سر الحياة، وقيل هو النجاح. واعرفوا أن اللاعب (جدو) الذي استبدلناه مكان عمرو زكي وميدو وبركات هو الذي حقق هدف البطولة.. وأصبح هداف الدورة.. ابحثوا إذن عن (جدو) في كل شوارعنا وأعطوه الفرصة.. مثلما فعل شحاتة الذي ظل يبحث حتي وجد ضالته.. ولم يرتكن إلي عواجيز الفرح ويقول لنفسه: بقاء الحال هو أحسن حال.. ولو طبق شحاتة في الملعب مايفعله الحكم وإدارته بنا.. لخرجنا من الدور الأول في البطولة الأفريقية. ابحثوا عن جدو وقبله ابحثوا عن حسن شحاتة.. والمؤكد أن البلد مليان بمليون شحاتة ومليون جدو.. بس مين يدور!