هي تعدت الثلاثين، لم تتزوج بعد علي الرغم من أنها مكتملة، مكتملة كما يري الناس الاكتمال، ولكن ينقصها الزواج... وهي لم تتزوج، وتقدم لها الكثيرون، ولا تتزوج، وترفض كل من يتقدم لخطبتها ولا تبرر ولا تفسر، وتحدث نفسها من حين لآخر ببيت شعر سمعته يوما فأحسته يصفها «كم أنا في الدنيا غريب بغربة نفسي بين قوم لا يفهمون أناشيد فؤادي ومعاني بؤسي». ويتساءل من حولها ويعاتبونها تارة ويحاولون إفاقتها تارة أخري، وهي لا تتحدث تستمع في صمت ولا تتحدث، وينتظر من حولها أن تكمل نفسها، أن تصير مكتملة فلا يجب أن تحيا بينهم ناقصة وهم مكتملون!!! العام الماضي تزوجت إحدي صديقاتها، هي الآن أم لطفلة، طفلة تحبها وتأنس بها .... وحين تسأل عن زوجها تبتسم نصف ابتسامة وتعود للابتسام لطفلتها «إن غاية الزواج هو إنجاب الأطفال» هكذا تري.. وتختفي الصديقات الواحدة تلو الأخري، ربما تري نفسها وحيدة ولكنها مازالت تستمع لصوت داخلي يعدها بأنها تفعل ما يجب عليها فعله، إنها تنتظره، ليس هلاميا ولا خارقا بل رجلا يراها ما يريد وتراه ما كان يجب انتظاره.. هي مازالت تفتح الباب كل صباح خلسة تري ربما تركت لها رسالة مجهولة المصدر، ولا تجد، وتغلق الباب وتتخيل صورة الرسالة التي ستأتيها بخط متردد وكلمات صادقة ولم تتنازل يوما عن الحلم ولا الرسالة... لازالت تري في مخيلتها صورة البيت والحياة التي تريدها، هي ليست خيالية، هي تريد أن تحيا كما تريد، حتي لو ناقصة وليست مكتملة كالآخرين! إنها لا تريد أن تتزوج لأنها يجب عليها ذلك ولكن لأنها تريد ذلك وعائلتها غاضبة ويذيلون كل الجمل بكلمات محبة (لا نريد إلا مصلحتك) والمجتمع يحاكمها لأنها ترفض الاكتمال وصديقاتها يضحكن علي تفكيرها والنساء يشفقون عليها ويتمتعون بإبراز هذا أمامها ومن لا تعرفهم ينصحونها دون أن تطلب هي كذلك ومن يتقدم لها ينتقد الرفض، فهو مكتمل ! ويأذنون في أذنها أن هذا حرام وستحاسب وهي تستمع وهي صامتة، وتتساءل أين (هي) من كل هذا؟ ولماذا يصرون علي اختيار (هو) رغما عنها ولم يحمل العالم كل هذا الاهتمام لها في حين أنها تريد أن تفكر جيدا وتبحث بروية عن (هو)... أنها تريد انتظار الرسالة والطفلة التي ستأنس بها وبأبيها، تريد ألا تبتسم نصف ابتسامة حين تسئل عن حياتها، تريد شعورا خالصا من الفرح أو الحزن، لا تدري لم عليها الركض وراء العمر كما يقولون لأنه يمضي وماذا سيفيد ركضها وهي ساخطة، هي أيضا تعرف أنه ربما لن يأتي ولا عيب في ذلك، لكن حينها ستظل تبتسم ابتسامة كاملة كما تري هي الاكتمال، لن تستيقظ يوما ما لتنظر بجانبها متسائلة إن كان هناك ما هو أفضل؟؟، من يملك قراره بيده يعرف أنه لا وجود للأفضل لأنه اختاره بالفعل كما يري فلن يضيع عمره لا في التساؤل ولا الشكوي... حينها فقط ستعرف الفرق بين الركض للحاق بالأيام التي تمضي والهرولة لتذوق تلك الأيام الجميلة.. التي لم تأتي بعد!