احتفلنا بعيد العلم في بلد يوشك أن يصبح بلا تعليم أصلا.. تعليم بائس يطلق الرصاص علي الموهوبين.. ومن يصدق أن نظاماً يقيم عيداً للعلم تهزمه سحابة سوداء لأكثر من 11 سنة؟ عيد للعلم في عصر سيادة الجهل وسط أحزان مصر بضحايا ومنكوبي فساد وجهل إدارة ملف السيول وضحايا ظلم وإظلام تخلف الصعيد الذي مازالت تحكمه تقاليد قبلية كما كان منذ مائة عام ويعشش فيه الفقر والجهل وضحايا بلطجة وبلطجية تزوير الانتخابات في نجع حمادي وضحايا تخلف ملف النقل والسكك الحديدية وضحايا الإبادة اليومية لتلوث كل ما علي أرض مصر من هواء وماء وزرع وثروة حيوانية وسمكية وتفشي أخطر الأمراض وتوطن الأوبئة وإبادة الثروة الداجنة.. ووسط جهالة دينية واحتقان عنصري يمثل ذروة غياب العقل.. وسط نكبات يجمع بينها الفساد والجهل والتخلف احتفلنا بعيد العلم، وقد كنت شاهدة علي حجم الإهانة والاستهانة بالعلماء وكتبت مئات المقالات كاشفة وقائع العصف بمجموعات من الخبرات العلمية المحترمة وقدمت عشرات المشروعات والمناهج ومنها ما طبق علي الأرض وحقق نتائج باهرة قبل أن توقف المشروعات وتدمر وشاركت عددا منهم في دق أبواب مسئولين كبار منهم رئيس الوزراء السابق د. عاطف عبيد ووجهت نداءات للرئيس مبارك علي صفحات «الأهرام» وكتبت مقالات في صورة بلاغات مفتوحة للنائب العام وسمعنا من المسئولين معسول الوعود وحاصل الجمع دائما كان صفراً بل عوقب وطورد الكثير منهم وتعرضوا لاتهامات ظالمة وتحقيقات وإيقاف عن العمل وعايشت كيف أصاب الإحباط بعضهم وفر من فر منهم ليضع علمه في خدمة بلاد تحترم العلم ومن تحول منهم إلي كعب داير في المحاكم دفاعا عن علمه وحقه في أن يضعه في خدمة بلده.. وفشلت في اكتشاف نوع الفيروس أو الميكروب أو السرطان الذي يجعل نظاما يتعالي علي العلم ويرتمي في أحضان الجهل - ولم يكن كافيا أن يفسر الأمر فقط بمسئولين ضالعين في إدارة الحروب البيولوجية - فالمفروض أن هناك الأكبر منهم.. حتي سمعت الأكبر وأغرب تبرير في الخطاب الذي ألقاه الرئيس مبارك في عيد العلم وهو يشير إلي أن الفارق بين ما نحققه وبين ما نتمناه لتطوير التعليم والبحث العلمي يعكس الفارق بين طموحاتنا ومحدودية مواردنا - مع إضافة الشماعة التي نعلق عليها دائما كوارث الفشل والعجز وهي المشكلة السكانية - ولن أشير إلي إنجازات ونجاحات الشعوب المليارية مثل الصين والهند وما حققتاه في سباقات النمو والتقدم ولأن مشكلتنا السكانية في مقدمة عوائد التخلف والجهل وغياب الوعي وعجز تعظيم واستثمار الثروة البشرية - إنما كان الأولي بكاتب الخطاب أن يملك شجاعة الاعتراف بأن الفارق بين ما نحققه وما نحتاج إليه من موارد تطوير التعليم والبحث العلمي هو الفارق بين ما نهب وما يتواصل نهبه من ثروات طبيعية وبين ما يتبقي من موارد للإنفاق علي الخدمات والاحتياجات الأصيلة للشعب - ورغم هذا النهب العظيم وعجز برامج التنمية وسياساتها عن تعظيم موارد الإنفاق ضاعف النظام ميزانيات أجهزة ومؤسسات أمنه، بينما ازداد تراجع الميزانيات الهزيلة أصلا للصحة والتعليم والبحث العلمي - لا مجال لسؤال ساذج عمن بين يديه أمن مصر الحقيقي العلماء أم ميليشيات حماية النظام- وتكتمل العجائب والمفارقات والأكاذيب، فالتبرير بنقص الإمكانات يحدث أثناء نشر وقائع وأرقام واحدة من أكبر قضايا الفساد في الحكم والخاصة بوزير الإسكان السابق - أتمني علي محرر شاب أن يقوم بإحصاء ما ضيع من مليارات في هذه القضية وما كان يمكن أن توفره للبحث العلمي ولإسكان الفقراء والشباب بدلا من بيوت الطين التي أذابتها ومحتها سيول البحر الأحمر وسيناء وعشش العشوائيات التي انهار فوقها الجبل في الدويقة - يا سيادة الرئيس نحن لا نعاني محدودية مواردنا ولكن عدم محدودية لصوصية وفساد من بيدهم مفاتيح الكرار - أضف إلي هذا النهب 300 مليار دولار هربت للخارج - في دراسة للخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق أنه أتيح لمصر في الربع الأخير من القرن الماضي وحتي عام 2008 موارد هائلة لم تكن متاحة من قبل من البترول والسياحة وقناة السويس والتحويلات قدرت بنحو تريليون جنيه، أي ألف مليار، وأن تحويلات العمالة المصرية وحدها زادت علي 450 ملياراً.. هل هذه موارد محدودة أم أن النهب أعظم منها؟! احتفلنا بعيد العلم في بلد يوشك أن يصبح بلا تعليم إلا من استطاع أن يدفع الآلاف أو العملات الصعبة التي يتطلبها التعليم الخاص - أما التعليم البائس الذي تتلقاه جموع أبناء المصريين فهل يسمح برعاية أو اكتشاف نبوغ أو مواهب؟ إنه تعليم يطلق الرصاص علي الموهوبين .. ألم تكشف أكثر من دراسة كيف يولد أطفالنا بأعلي مستويات الذكاء ثم تبدأ هذه المستويات في التراجع والانهيار نتيجة ما يعيشه الطفل من تخلف وما يتلقاه من تعليم متدهور انضم إليهم ما تكشفه دراسات علمية حديثة جداً عن آثار ومخاطر أزمة نقص وغلاء أسعار المواد الغذائية علي أطفالنا والحرمان من المواد الضرورية لسلامة البناء العقلي والبدني وأن الطفل المصري لم يعد يحصل علي أدني المستويات التي يحتاجها تكوينه الصحي والنفسي والبدني، بالإضافة إلي تجاوز نسب الرصاص وتلوث الهواء لأعلي المعدلات المسموح بها عالميا.. من يصدق نظاماً يقيم للعلم عيداً ولأكثر من 11 سنة تهزمه سحابة سوداء تجعل المصريين يتنفسون هباباً أسود؟ وقد أعلن مركز السموم مؤخرا عن وفاة 5000 مصري سنويا بتلوث الهواء وأثق أنه رقم متواضع جدا قياسا إلي الحقيقة فأين الرصد والمتابعات العلمية للتدهور الصحي للمصريين وأسباب الموت المفاجئ الذي ينتشر بينهم الآن كجزء من آثار تلوث الهواء إلي جانب الانتشار المخيف للأمراض الصدرية والالتهاب الرئوي وأمراض القلب؟ إن العالم والباحث لا يعطي عمره لجهاد البحث ليحصل علي جائزة أو وسام وإنما لرسالة أعظم هي أن يضع ثمار العقل والعلم في خدمة المجتمع الإنساني وفي المقدمة من تنتمي إليهم.. ماذا فعلنا بعلم ونبوغ من عادوا من أبنائنا حاملين أرفع الدرجات العلمية يتوسلون أن يضعوا علمهم في خدمة بلدهم؟ أطلقنا عليهم مسئولين جهلة - إمكاناتهم المحدودة مروعة وخائفة من كل تفوق أو نبوغ - حملوا وأدوا ببراعة مهمات التطفيش ، وما حدث للدكتور زويل نموذج للمأساة وإجهاض مشروعه العلمي وجامعته واستبدالها بجامعة رئيس الوزراء وحفنة من أصدقائه.. لم يستطع أن يكرر المحاولة إلا بتكليف أمريكي وفي الأغلب لن تجدي مثل سائر مشروعات إدارة أوباما للشرق الأوسط. ماذا فعلنا مع د. النشائي الذي استجدي أن يضع ما أنجزه في النانوتكنولوجي لحل العديد من المشكلات التي تتعرض لها بلاده.. مثل جامعة د. زويل، فعل د. النشائي وثمار علمهم تجنيها بلاد عربية شقيقة .. مثل العالم المصري الذي يعد واحداً من أكبر عشرة علماء في العالم في هندسة صناعة محركات الطائرات د. هاني مصطفي الذي أنشأ مع 120 عالماً مصريا مركز أبحاث هندسة في قطر يعد من أكثر المراكز البحثية والتعليمية تقدما.. آلاف من الثروة البشرية من العلماء.. كيف استثمر كنوز علمهم من يحتفلون بعيد العلم؟ ما الإجراءات العملية التي يسارع إليها من يحترمون العلم إذا سمعوا عالماً مصرياً أصبح أصغر عالم في وكالة ناسا الأمريكية يقول إن الأقمار أكدت وجود كميات هائلة من المياه في الصحراء الغربية تحت نهر عرضه 6 كيلو مترات أي عشرات أضعاف النيل الحالي وأن للنهر الجوفي في الصحراء الغربية عدة فروع تكشفها الصور التي التقطتها الأقمار .. العالم د. عاصم حجي حصل علي ثلاثة إنذارات بالفصل من جامعة القاهرة قبل أن يستقيل وحصل علي أربع جوائز من «ناسا». تخصصه النادر في البحث عن المياه في الصحراء هل ليس له أي علاقة بدخولنا تحت خط الفقر المائي؟ ولتكتمل عجائب الذين يحتفلون بعيد العلم.. نشر منذ أيام أن إسرائيل تستنزف مياهنا الجوفية في سيناء، وسارع المسئولون بتأكيد أن هذا لن يؤثر في مخزوننا من المياه!! لدينا في مراكز أبحاثنا وجامعاتنا 98 ألف عالم وباحث يتفرغ منهم للبحث 48 ألفا فقط.. ما أشكال استثمار علمهم وماذا فعلنا بخمسين ألفا هل رميناهم في البحر؟.. هذه القوة البشرية الهائلة هل لو استثمر علمهم وخبراتهم وأبحاثهم وتوفر للعلم نصيب فيما يتم نهبه ولم يطلق عليهم المصورون والخائفون والمتآمرون والصغار لكنا نواجه ما نعيش من نكبات فقر وجوع وبطالة وفساد للأرض والزرع والمياه واستيراد حوالي 70% من احتياجاتنا الغذائية في الوقت الذي يستعد فيه العالم لمواجهة موجات موجعة قادمة من غلاء الأسعار وتراجع إنتاج الغذاء وتوضع مصر علي رأس الدول الأكثر تضررا بالتغيرات المناخية وتتهدد بغرق شواطئها ومدنها الشمالية وثلث مساحة الدلتا وفق الدراسة التي أجراها مركز الاستشعار عن بُعد في جامعة بوسطن بتكليف من المنتدي العربي للبيئة والتنمية. يقيمون للعلم عيداً ويغلقون آذانهم مما هو أقرب للمعجزات مما يستطيعه العلم إذا احترم وطبق. منذ شهر تقريبا نشرت خطة علمية متكاملة لأستاذ الزراعة د. زيدان السيد عبد العال لإزالة تلوث مياه النيل والمجاري المائية والأراضي الزراعية، هذا التلوث الذي يمثل أخطر وأول أسباب ما يضرب أغلب المصريين من أمراض خطيرة ويجعلهم الأعلي علي قوائم الإصابة بين الشعوب في الوقت نفسه الذي تحقق فيه إزالة التلوث زيادة الكفاءة الإنتاجية بنسبة 50%!!!!! بلد مثل الهند حلق إلي الآفاق التي وصل إليها بجناحين أحدهما ديمقراطية حقيقية تأتي بها عملية انتخابية مستقلة وغير مزورة وخاصة لهيئة لا تخضع لجميع الأحزاب المتنافسة، وقد طالبنا بتطبيق النموذج الهندي علي الانتخابات المصرية، أما الجناح الثاني الذي حلقت به الهند فكان المنزلة الرفيعة والقيادة والسيادة التي أعطيت للعلم وللبحث العلمي وبما يعيدنا إلي أصل ومحور جميع نكبات مصر أن الجناحين مكسوران .. الديمقراطية والبحث العلمي.. وقد تذكر الرئيس المثقفين في عيد العلم وطالبهم بمحاصرة الفتنة الطائفية. يا سيادة الرئيس إن ما تطلقون عليه فتنة طائفية هو حصاد فتنة أعظم هي الجهل وتغييب العقل والوعي وفتنة الفقر والتخلف وانهيار العدالة والقانون وحقوق المواطنة التي يبدو أنها ستدخل موسم الفناء لها في الخطاب السياسي خلال الأيام المقبلة.. وفتنة تغييب الشعب وإقصائه وتزوير إرادته ومصادرة حرياته في اختيار النظام الذي يسترد به أجنحة القوة التي يحلق بها.. وأولهما الديمقراطية.. والبحث العلمي .. حقا وفعلا وممارسة تحميها القوانين ويجني ثمارها الناس لا مجرد شعارات واحتفالات تكذبها وقائع ونكبات حياتهم. .. في ظل سيادة الجهل والفساد ليس غريبا محاولات تحميل السيول وحدها مسئوليات التخريب والخسائر التي حدثت في البحر الأحمر وسيناء والصعيد.. التسليم مسئولية الكوارث الطبيعية يكون بعد الأخذ بجميع أسباب الاستعداد والمقاومة، هل السيول مسئولة عن الفقر الذي أسكن الناس بيوتاً من الطين؟ - نقل عن رئيس الوزراء أنه اعتبر أن بناء الناس بيوتهم من الطين كان من أسباب تفاقم الأزمة، يبدو أنه يعتقد أن الناس كانت تستطيع أن تسكن منتجعات وقصوراً مثل التي يسكنها السادة الحكام ولكن آثروا سكني الطين لأنهم يحبون الطبيعة وخامات البيئة.. من أعطي تصريحات البناء في مخرات السيول، من سمح بإنشاء الطرق خالية من الشروط الهندسية التي تمنع اجتياح السيول لها؟ ماذا تفعل ما يطلقون عليه اللجنة العليا لإدارة أزمات السيول لصيانة مخراتها التي لها خرائطها المعروفة وأين السدود التي تقرر بناؤها منذ عشرات السنين لتخزين مياه السيول وتحويلها من قوة تخريبية إلي ثروة ومصدر للزراعة والحياة؟.. لماذا ترك ما يطلقون عليه وحدات إسكان مبارك للشباب جاهزة ومغلقة والبشر يسكنون مخرات السيول وبيوت الطين؟ تماما كما حدث في الدويقة عندما كشفت الكارثة عن مشروعات الإسكان التي اكتملت وأغلقت فارغة، بينما سكن الناس شقوق الجبل.. المساعدات المتهافتة التي تحاول الحكومة الآن أن تستر بها جرائم تقصيرها لماذا لم تذهب في إطار خطط تنمية ليعيش الناس عند الحدود الدنيا للآدمية لن تستطيع أن تخفي أن الشقوق والفوالق الاجتماعية والإنسانية وافتقاد العدالة والحقوق الأصيلة في الحياة لن تجعل الزلزال بعيداً.