عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نهى الزيني: الجرائم الطائفية ستزداد إذا لم يتم القصاص من المجرم الحقيقي
نشر في الدستور الأصلي يوم 29 - 01 - 2010

أحد الأقباط قال لي: «الحكومة اختارت مجدي أيوب حتي لا نطالب بمحافظ قبطي مرة أخري»
نهى الزيني
عقب الأحداث التي وقعت بنجع حمادي ليلة عيد الميلاد بأيام قليلة، اتجهت المستشارة الدكتورة نهي الزيني إلي هناك قاصدة الكشف عن الحقيقة وراء الدوافع لارتكاب الجريمة لأنها - كما قالت - لم تقتنع بما تم ترويجه والإصرار عليه من الربط الشديد بين هذا الحادث وحادث اغتصاب طفلة فرشوط ورأت أنه ربط غير منطقي وأن الحادث لم يكن بهدف الثأر، وأن هناك شيئًا تحاول الجهات الأمنية إخفاءه فقررت الذهاب إلي مكان الحادث بمفردها ودون أي ترتيبات مسبقة وتتحدث مع جميع الأطراف سواء أهالي الضحايا أو الكنيسة أو المسلمين أو الأقباط في الشارع، «الدستور» التقت الزيني لسماع شهادتها حول ما رأته بنجع حمادي وما أبلغه لها أسقف مطرانية نجع حمادي الأنبا كيرلس والأهالي بنجع حمادي.
ذهبتِ إلي نجع حمادي عقب الأحداث الأخيرة، حدثينا عن هذه الزيارة: ما أسبابها ومن الذين التقيتهم؟
- شعرت بعد أحداث نجع حمادي الأخيرة بأن هناك نقلة نوعية في حوادث الفتنة أو الاحتقان الموجود بين المسلمين والأقباط منذ فترة طويلة، لأن القتل كان هذه المرة علي الهوية أي أن هناك مجرمًا استهدف الأقباط بشكل عشوائي لمجرد أنهم أقباط بصرف النظر عن شخصياتهم أو وجود علاقة مباشرة أو خلافات بينه وبينهم، يعني المسألة هذه المرة مختلفة وخطيرة جدًا وكان من الصعب تفسيرها كما حدث في المرات السابقة بأن هناك خلافات عادية بين مواطنين تصادف أن بعضهم مسلم والبعض الآخر مسيحي، ولكن تطور الأمر بسرعة كبيرة ففوجئنا بأنه يتم القبض علي المتهمين بالقتل وأنهم مجرد بلطجية مأجورين وقبل أن تنتهي النيابة من تحقيقاتها بل حتي قبل أن تبدأ فيها كان الخطاب الرسمي يؤكد ويصر بطريقة غريبة من خلال البيانات شبه الرسمية ومناقشات مجلس الشعب والتسريبات الحكومية للإعلام ومقالات الكتاب الأمنيين أن الجريمة فردية وأنه لا يوجد محرض عليها وأن هذا القتل العشوائي لأقباط نجع حمادي كان للانتقام من جريمة اغتصاب شاب قبطي لطفلة مسلمة في فرشوط وهو ما أكد لي أن المسألة وراءها سر يحاول النظام إخفاءه خاصة بعدما ترددت أسماء من أعضاء الحزب الوطني علي علاقة وطيدة بالمتهم الكموني وعلي خلاف مع مطرانية نجع حمادي، وكذلك فإن الإصرار الشديد علي ربط جريمة نجع حمادي بجريمة اغتصاب الطفلة في فرشوط غير منطقي فالثأر في الصعيد خاصة في جرائم الشرف لا يتم أخذه من خارج عائلة الجاني ناهيك عن أن يكون في مدينة أخري ولا يتم أخذه أبداً عن طريق قتلة مأجورين وبهذه الطريقة العشوائية لأن صاحب الثأر هناك يفتخر بأنه اقتص من المجرم بنفسه وغسل عاره بيده، إذاً فالمسألة لا يمكن أن تكون كما حاولت الجهات الأمنية وأعضاء الحزب الوطني وإعلامه تصويرها وإنما هناك بُعد آخر سوف تؤدي التغطية عليه إلي إشعال مزيد من الفتنة التي تهدد بحرق البلد لذلك قررت أن أذهب إلي مكان الحادث بمفردي ودون أي ترتيبات مسبقة وأن أتحدث مع جميع الأطراف سواء أهالي الضحايا أو الكنيسة أو المسلمين والأقباط في الشارع وفي كل مكان وأترك عقلي وحده يحكم علي الأمور.
كيف وجدتي الحال هناك عقب الأحداث وماذا دار بينك وبين الناس في الشارع أو الكنيسة؟
- الحال هناك كان لا يسر إلا الأعداء الذين لا يريدون لهذا البلد أي خير، تصوري أن يتم إطلاق نار عشوائي علي مجموعة من الشباب القبطي بعد خروجهم من قداس عيد الميلاد، هذه جريمة مرعبة ومؤامرة مدبرة وحقيرة بكل المقاييس، المسلم الوحيد الذي قتل في المذبحة لم يكن القتلة يعلمون أنه مسلم بل كانوا يعتقدون أنه مسيحي ولذلك قتلوه، هذا ليس كلام الأقباط وحدهم ولكني سمعته من المسلمين أيضاً وهو ما أكدته الملابسات التي أحاطت بالحادث، أنا تجولت في الشارع القناوي وتحدثت مع الجميع مسلمين وأقباطًا وذهبت إلي المطرانية لأقدم العزاء إلي الأنبا كيرلس وباقي الكهنة ثم مررت علي بيوت أسر القتلي وجلست في معازيهم ومنحت نفسي الوقت الكافي لأستمع إلي الجميع وكانت هناك رغم الأحزان روح ثقة ومحبة بيني وبينهم، هم وثقوا بي وفي أنني لم أحضر في مهمة تهدئة شكلية ولم أحضر لأمثل عليهم - كما قالوا لي - ولكني حضرت من أجلهم هم وهذا كان حقيقيًا ووصل إليهم، الجميع هناك مسلمين وأقباطًا يسخرون بمرارة من الرواية الرسمية ولأنهم صعايدة حقيقيون وليسوا صعايدة مسلسلات فإنهم يعلمون أن ثأر طفلة فرشوط لا يمكن أن يؤخذ بهذه الطريقة وأن هذا ثأر آخر بين الكنيسة والحزب الوطني دفع ثمنه هؤلاء المساكين من الشعب الذي لا ناقة له ولا جمل ولا مكسب له من اتفاق الكنيسة والحزب وإنما هو يسدد دائماً فاتورة الخلاف بينهما حتي من دماء أبنائه.
وماذا بشأن ما تردد من أن هناك محرضًا وراء الحادث بخلاف المتهمين الثلاثة؟
- هذا أمر واضح كالشمس، ففي أي جريمة لابد من التفتيش عن صاحب المصلحة في ارتكابها، أما حمام الكموني المتهم الرئيسي فهو معروف في قنا بأنه مجرد بلطجي يقوم بتهديد المسلمين والمسيحيين للحصول علي إتاوات منهم كما يقوم مرشحو الحزب الحاكم بتأجيره لمساندتهم في الانتخابات ومن أجل ذلك من الممكن أن يرتكب جميع أنواع الجرائم المعروفة للأسف في الانتخابات المصرية ثم إنه مسجل خطر وكان معتقلاً وأفرج عنه بتدخل من أحد أعضاء مجلس الشعب الذي تردد أنه تربطه به صلة وثيقة وعندما التقيت الأنبا كيرلس دار بيني وبينه حديث طويل أمام الكهنة ثم جلسنا منفردين لفترة ذكر لي فيها أسماء ووقائع محددة لن أذكرها لأنه هو وحده حر في أن يبوح بها للإعلام أو لا، وأعرف أن الكنيسة لديها حسابات معينة مع النظام وما يعنيني هو هؤلاء الضحايا الأبرياء ومحاولة البعض إشعال حريق بين المسلمين والمسيحيين وتصوير المذبحة علي أنها جريمة إسلامية وهي في الحقيقة جريمة نظام مستعد في سبيل البقاء في الحكم للتضحية بالبلد كله، أؤكد لك أن هذا هو ما يدور في الشارع القناوي وأهالي الضحايا يعلمون جيداً أن الكموني ورفاقه مجرد أدوات استخدمها المجرم الحقيقي لقتلهم، المشكلة أن الناس خائفة من الحديث بصراحة وهؤلاء المساكين ضحايا لضغوط النظام والكنيسة وللقهر الأمني لكن السكوت لن يكون في صالح مصر فالنار مشتعلة تحت الرماد وما لم تتم مواجهة الحقائق وكشفها دون مداراة وما لم يؤخذ القصاص من المجرم الحقيقي فإني أبشركم بمزيد من الأحداث المشابهة وبمزيد من التصعيد الذي يؤدي لا قدر الله إلي تقسيم وطن ظل موحداً منذ آلاف السنين.
رد فعل الأقباط هذه المرة كان مختلفًا، اتضح ذلك من خلال نوع الهتافات في تظاهرهم الأمر الذي يؤكد بالفعل دخول مصر في أحداث طائفية كبيرة، ما رأيك؟
- نعم هناك نقلة نوعية كما قلت لك وهناك تغير في رد فعل الأقباط حتي تجاه الكنيسة نفسها، فبعض الأقباط ثاروا علي الأنبا كيرلس عندما تراجع عن تصريحاته الأولي ولكن تظل السلطة الروحية للكنيسة مسيطرة علي الشعب القبطي ومن يعرف طبيعة المذهب الأرثوذكسي يعرف ماذا تمثل الكنيسة بالنسبة لأقباط مصر وهو ما جعل الأنظمة تحاول دائماً كسب ولائهم ليس بتوفير احتياجاتهم أو بمعاملتهم معاملة آدمية ومنحهم حقوقهم وإنما بعقد الصفقات مع الكنيسة وهو ما يؤدي إلي بقاء نيران الغضب مشتعلة تحت رماد الوعود البراقة غير القابلة للتنفيذ أو بعض المكاسب الوقتية وما يترتب عليها من تهدئة كنسية لا تغير في قليل أو كثير من الأحوال المتردية لمعظم الشعب القبطي، أما التغير الواضح هذه المرة فكان في ثورة الأقباط علي النظام وشعورهم بأنه يخدعهم ويتاجر بقضاياهم ويضطهدهم وهذا تطور كبير، ففي الوقت الذي يحاول فيه كتاب ودعاة الفتنة من اللادينيين وبعض أقباط المهجر رسم صورة مزيفة لصدام بين مسلمي وأقباط مصر بدت ثورة الأقباط الحقيقيين في اتجاه النظام ويده الأمنية التي ظهر دورها في أحداث نجع حمادي بوضوح ولذلك كانت الهتافات هذه المرة ضد النظام ورجاله ولأول مرة جاءت مطالب الأقباط واضحة ومحددة في إقالة محافظ قنا ومدير الأمن ومحاسبة المتورطين والمحرضين علي جريمة ليلة عيد الميلاد وتوابعها.
ماذا تقصدين بتوابع الجريمة؟
- ما حدث في اليوم الثالث للمذبحة أي يوم الجمعة وبعد دفن الضحايا يوم الخميس كان أبشع مما يمكن تصوره فقد دخلت مدينة نجع حمادي مجموعات غير معروفة للأهالي تحرق وتنهب محلات الأقباط وتدمر ممتلكاتهم بطريقة وحشية، أنا رأيت آثار ذلك بنفسي فمتاجر المسلمين والأقباط في المدينة متلاصقة فتجدين متجر القبطي محروقًا وقد سرقت بضاعته أو حطمت، بينما متجر المسلم بجواره مفتوح ومملوء بالبضاعة، لقد سألت بعض المسلمين الذين شهدوا حوادث الجمعة ومنهم أسرة عريف الشرطة الذي قتل خطأ مع الأقباط فأكدوا لي ما حدث وعبروا عن أسفهم الشديد لذلك، أما من هم هؤلاء الأشخاص الذين فعلوا هذه الفعلة الشنيعة ومن أين جاءوا وأين كان الأمن الذي انتشر في المدينة بكثافة منذ مساء الأربعاء؟ لا أحد يعلم، لقد كانت الأحداث تتسارع بصورة خطيرة وكلها تحقق الهدف نفسه أن يظهر المشهد وكأن هناك فتنة طائفية تشتعل في مصر وأن هناك اضطهادًا لأقباطها وأن من يقوم به هم المسلمون، لذلك سمعت من البعض أن هذه العصابات كانت تردد عند نهبها وتخريبها عبارة «الله أكبر» وهذا طبعاً إخراج ساذج وعبيط للمشهد كما أن هناك بعض الأدلة التي استرعت انتباهي وهي تدل علي عكس الرسالة التي أراد هؤلاء توصيلها ولكني لن أكشف عنها إلا في الوقت المناسب.
وما رأيك في سبب حملة الأقباط علي محافظ قنا؟
لقد ذكرني سؤالك بشيء مهم فأنا ذهبت إلي نجع حمادي عن طريق الأقصر وتجولت في قراها وفي مدينة قنا وكنت أعتقد أن الإعلام قد بالغ في إظهار إنجازات المحافظ السابق اللواء عادل لبيب ولكن الحقائق التي لا نعلمها إلا من أفواه البسطاء كشفت لي عن محبة الشارع القناوي الحقيقية له والفخر بإنجازاته، أما اللواء مجدي أيوب فأنا أشهد أنني لم أقابل أي شخص سواء كان مسلماً أو قبطياً يثني عليه، أنا لا أعرفه ولا أعرف عادل لبيب ولست مؤيدة أو معارضة لأيهما ولكني أذكر الحقائق التي رأيتها وسمعتها فكلما سألت أي شخص عن المحافظ الحالي ذكر لي مآثر السابق وهذا أعطاني مؤشرًا غير نهائي بالطبع علي مدي شعبيته، صحيح أنني أعلم أن انعدام شعبية المسئول أصبحت حالياً إحدي نقاط قوته وسببًا من أسباب بقائه في منصبه، ولكن لا مفر من ذكر الحقيقة وكما قال لي أحد الأقباط هناك إن النظام جاء بهذا المحافظ لكي لا نطالب بمحافظ قبطي مرة أخري، ربما يكون في هذا الكلام شيء من الحقيقة وإلا فكيف نفسر الحملة المؤيدة والمدافعة عن المحافظ الحالي سواء في مجلس الشعب أو في الإعلام الحكومي رغم أن كارثة مثل كارثة نجع حمادي كانت كفيلة بالإطاحة به وبمدير الأمن دون حتي أي مطالبات شعبية.
ما رأيك في السبب وراء تكرار مثل هذه الحوادث وبصفة خاصة في صعيد مصر؟
- ليس صعيد مصر وحده فقد بدأت أحداث الفتنة في القاهرة منذ أيام السادات ومنذ أن بدأ لعبته الخطيرة بضرب فئات الشعب ببعضها ولا ننسي أحداث الخانكة أو الزاوية الحمراء كما أن هناك بعض الأحداث التي أشعلت مدينة الإسكندرية أكثر من مرة، ربما يكون التركيز أكثر علي الصعيد لأن فيه الكتلة السكانية الأكبر من أقباط مصر، كما أنه يعاني بصورة مضاعفة من مشاكل الجهل والفقر والبطالة والعصبيات القبلية التي قد تلبس عند الضرورة مسوح الانتصار لدين علي دين، هذا بالنسبة للأحداث العادية التي يكون أطرافها مسلمين وأقباطًا أما حادثة نجع حمادي فأنا أري أنها نسيج وحدها وأنها تؤرخ لمرحلة جديدة في تاريخ مصر التي أجرؤ لأول مرة علي أن أسميها الفتنة الطائفية فقد كنت حتي ما قبل هذه الأحداث أرفض هذا التعبير وأصر علي أن مصر لا توجد بها طوائف وأن شعبها واحد تختلف اعتقادات أفراده، أما اليوم فأنا أري بالفعل فتنة في الشارع المصري.. حقيقة أن الأغلبية المسلمة من الشعب بريئة من جريمة نجع حمادي وتوابعها لكنها ليست بريئة من عدم إبداء التعاطف الكافي مع الضحايا والوقوف إلي جانبهم ولا من الانسياق وراء الادعاء أن هذه الجريمة فردية وأنها ثأر لاغتصاب طفلة مسلمة وغير ذلك مما يجافي المنطق وطبيعة الأمور، لقد سمعت من يقول إن الأغلبية لا يمكن أن تمارس اضطهاداً ضد الأقلية وإنما تأتي الفتن من تحرش الأقلية بالأغلبية وهذا صحيح من بعض الوجوه ولكني مع ذلك أقول إن الأغلبية هي المسئولة عن وجود نظام يضطهد شعبه وأن الأغلبية السلبية المتخاذلة هي التي أفرزت الاستبداد والفساد الذي تعاني منه الأقلية بشكل أكبر.
معني هذا أنك ترين أن هناك اضطهادًا للأقباط في مصر؟
- هناك في مصر اضطهاد للأقباط وللمسلمين معاً ولكن مسئولية الأغلبية تكون أكبر ومعاناة الأقلية تكون أكبر أيضاً لذلك يمكنني أن أعذر الأقباط في شعورهم بالتمييز وبالاضطهاد، هذا من ناحية علاقة النظام بالشعب، أما من ناحية الشارع المصري فدعينا نتحدث بصراحة عن تصاعد موجات كراهية متبادلة بين الطرفين ليس علي مستوي العلاقات الفردية وإنما علي المستوي الجماعي، هناك شحن مستمر تقوم به أطراف عديدة عن عمد أو عن جهل: مؤسسات دينية وتعليمية وإعلام، بضاعة الكراهية أصبحت رائجة وأصبح مكسبها مضمونا إن لم يكن بين مصر والجزائر فبين مصر وغزة أو في الداخل بين المسلمين والأقباط، شعب مضغوط مثقل بالمتاعب منسحق تحت قبضة أمنية غاشمة وجهل بالقيم الدينية الرفيعة وفضاء مهيأ لكل ناعق بالكراهية وكل مشعل للفتنة، دعيني أسألك بصراحة: أي عدل في أن يكون من حقي كمسلمة أن أرفع أصوات ميكروفونات المساجد لتدوي خمس مرات في اليوم غير صلاة الجمعة بينما يتم التهجم علي منزل أحد المواطنين لمجرد أن اجتمع به بعض الأقباط لأداء الصلاة؟ من الذي أعطانا حق حرمانهم من إقامة شعائرهم؟ من أعطانا حق إذلال الناس لمجرد أنهم أقلية عددية رغم أن الله خلقهم أحراراً؟ لقد بعث الله نبينا صلي الله عليه وسلم رحمة للعالمين فلماذا أصبحنا نحن أتباعه شقاء للعالمين؟ إن خيرية أمة الإسلام كانت دائماً لغيرها أي للناس جميعاً «كنتم خير أمة أخرجت للناس» وأمرنا الله بالعدل حتي مع أعدائنا فما بالك بأهلنا وناسنا وأرحامنا من الأقباط الطيبين الودعاء المسالمين الذين أوصي رسول الله صلي الله عليه وسلم بهم خيرا؟ أنا أعذر الأقلية حتي لو قامت ببعض الأخطاء وإذا كنا نحن الأغلبية العددية فهذا يضع علي عاتقنا مسئولية حماية الأقلية ومسئولية إحداث التغيير الذي يصب في النهاية لصالح الشعب كله مسلميه وأقباطه، وحتي لو تجاهلنا الحقائق وأدرنا ظهورنا لها فقد فضحتنا مأساة نجع حمادي التي كان القتل والنهب فيها علي الهوية فما الذي قدمته الأغلبية؟ لا شيء، بل إن كثيرين كانوا علي استعداد لتصديق أن هذه الجريمة كانت ثأراً لبنت فرشوط، أقول لك ما هو أكثر رغم أنه مؤلم بالنسبة لي ولكنه حقيقي: لقد فاحت رائحة الشماتة المستترة من بعض الأفواه الصالحة، فهل بعد هذا تسألينني عن وجود اضطهاد لأقباط مصر؟
من وجهة نظرك ماهي الحلول لعدم تكرار مثل هذه الحوادث؟
- علي عكس من ركبوا الموجة وبدأوا في التهجم علي الدين بعد الأحداث كوسيلة لتصفية حساباتهم الشخصية معه أو لتحقيق مكاسبهم المشبوهة حتي ردد بعضهم مطالب ساذجة ومكررة إلي درجة الملل بإلغاء مادة الدين من المدارس، فأنا أقول لك إن الحل في إعادة السلام بين المسلمين والأقباط هو أولاً في معرفة أن عدوهم واحد وهو الأنظمة والمؤسسات المستبدة والفاسدة التي يعاني منها الطرفان وهو ثانياً في تمسك كل طرف بدينه الحقيقي ومعرفة ما يأمر به من قيم العدالة والتسامح والمحبة والصدق مع النفس والتجرد لله وكلها قيم مشتركة لا خلاف عليها، ليس المطلوب من أي طرف أن ينافق الآخر علي حساب دينه، ليس المطلوب من أي طرف أن يضحي بشرائع دينه بدعوي أن هذا يحقق المواطنة، لقد أعجبني إصرار البابا شنودة علي التمسك بالشريعة الأرثوذكسية في مسألة الطلاق - رغم اختلافي معها - وقوله إننا لن نترك أحكام الإنجيل من أجل أحكام القضاء، لا لم أغضب للقضاء لأنني رأيت الحكم القضائي قد أخطأ بينما البابا علي صواب وفقاً للشرائع الكنسية، كنت أتمني أن أري للمؤسسات الإسلامية الرسمية ولو موقفا واحدا مماثلا، هكذا يكون التمسك بالعقيدة وهذا لن يغضب أحداً، لقد ذهبت إلي نجع حمادي ومازلت علي اتصال دائم بأهلها وسوف أقف إلي جانبهم وسوف أؤيد مطالبهم المشروعة بقدر استطاعتي لأنني مصرية مسلمة ولأن ديني أمرني بالعدل ولو علي حساب نفسي أو الأقربين وأمرني بمحاربة الظلم وأمرني بقول الحق ولو أغضب ذلك الناس جميعاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.