المنيا تبدأ تنفيذ خطة ترشيد الكهرباء والوقود    نتنياهو عن رفض ترامب اغتيال خامنئي: تقارير كاذبة ونعرف ما علينا القيام به    3 مساهمات في 25 دقيقة.. كومان يتألق بانطلاقة مونديال الأندية    جالاتا سراي يستهدف التعاقد مع لاعب وسط مانشستر سيتي    ينتظره حسم ملف المدير الرياضي والمدرب.. مصدر ليلا كورة: حسين لبيب يعود لمباشرة عمله في الزمالك    قبول اعتذار المراقبين المصابين في حادث سوهاج وصرف تعويضات عاجلة (صور)    كندة علوش تستعد لتصوير كواليس مسلسل ابن النصابة"    رضوى الشربيني توجه رسالة ل شام الذهبي بعد افتتاح عيادتها الجديدة    خاص| حقيقة وجود شبهة جنائية بوفاة شقيق لطيفة    إيران تمتلك ورقة خطيرة.. مصطفى بكري: إسرائيل في حالة انهيار والملايين ينتظرون الموت بالملاجئ    جلسة برلمانية موسعة لمناقشة قانون ملكية الدولة وخطة التنمية بالإسكندرية    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    التعليم: تدريب مجاني لمعلمي الإنجليزية بالتنسيق مع السفارة الأمريكية -(مستند)    تعرف على تكلفة استخراج أو تجديد جواز السفر المصري    «جزار الوراق» ينكر التعدي على تلميذة: «ردت علىَّ بقلة ذوق فضربتها بس» (خاص)    صراع مع آلة لا تعرف الرحمة.. «نيويورك تايمز»: الذكاء الاصطناعي يدفع البشر للجنون    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وإلقاء جثته بمقابر أسوان    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    «أيام صعبة وخطيرة».. أحمد موسى يطالب بنزع القدرات النووية الإيرانية والإسرائيلية    بسبب عدوان إسرائيل على إيران.. حجاج سوريون يعودون عبر تركيا    عرض «صورة الكوكب» و«الطينة» على مسرح قصر ثقافة قنا الليلة    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    10 سلوكيات خاطئة ابتعدى عنهم مع أطفالك حفاظا على صحتهم    «التخطيط» تتعاون مع اتحاد بنوك مصر لتعظيم الاستفادة من منصة «حافز»    رابطة الدوري الإنجليزي تعلن موعد الكشف عن جدول مباريات موسم 2025-2026    مصطفى البرغوثي: إسرائيل تستغل الانشغال بحرب إيران لتغطية جرائمها بفلسطين    التنظيم والإدارة يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف بالجهاز الإداري للدولة    محافظ المنيا يؤكد: خطة ترشيد الكهرباء مسئولية وطنية تتطلب تعاون الجميع    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    دعاء دخول امتحان الثانوية العامة لراحة القلب وتيسير الإجابة    "أنا إنت" أول أغنية لمحمد رمضان بتقنيات الذكاء الاصطناعي    احذر عند التعامل معهم.. أكثر 3 أبراج غضبًا    مكتبة الإسكندرية تطلق أحدث جوائزها للمبدعين الشباب    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    محافظ الغربية يجرى جولة مفاجئة داخل مبنى الوحدة المحلية بسبرباى بمركز طنطا    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    طريقة عمل فطيرة السكر باللبن في خطوات بسيطة    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    توتنهام يضم الفرنسي ماتيل تيل بشكل نهائي من بايرن ميونخ    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    تعليم الأقصر: غرفة العمليات لم تتلقَ أي شكاوى بشأن امتحاني مادتي التربية الوطنية والدين للثانوية العامة    ظهور باهت لزيزو مع الأهلي رغم أرقامه الجيدة    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    5 جوائز ل قرية قرب الجنة بمسابقة الفيلم النمساوي بڤيينا    سعادة بين طلاب الثانوية العامة في أول أيام مارثون الامتحانات بالقليوبية    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    استمرار استقبال محصول القمح المحلي للمواقع التخزينية بالشرقية    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    104 لجان عامة بالقليوبية تستقبل 50213 طالبا فى امتحانات الثانوية العامة    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    تعليق ساخر من مجدي عبد الغني على مدرب الأهلي قبل مواجهة إنتر ميامي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا في الزنزانة يا ماما

في العاشرة مساء يوم الخميس الموافق 1/12/2010 كانت ابنتي سلمي ذات العشرين عامًا تستعد للسفر إلي نجع حمادي ضمن مجموعة لا تتجاوز الثلاثين فرداً من شباب الناشطين السياسيين والمدونين لتقديم العزاء لكنيسة نجع حمادي في ضحايا المذبحة الأخيرة التي راح ضحيتها ستة من المسيحيين ومسلم، كان فخري أنا ووالدها الذي يعمل في الخارج بإيجابيتها وحرصها علي المشاركة أكبر من أن ننحني أمام موجة اللوم والتحذير التي حاصرتنا من قبل الأهل والأصدقاء، إذ كيف لنا أن نأمن عليها في هذه الرحلة المرهقة، ناهيك عن كونها فتاة لا يجب أن تنخرط في نشاط عام يعرضها لمتاعب هي في غني عنها واحنا مش وش بهدلة وغيرها من المفاهيم السائدة في مجتمع أدمن الانعزال واتخذ منه بابًا يسد به كل ريح أو حتي نسمة عابرة!
ذهبت سلمي وقد تم التأكيد عليها بضرورة طمأنتنا علي سلامة وصولها، بلغ النهار المنتصف ولم تف سلمي بوعدها كان هاتفها المحمول مغلقاً، أخذنا نبحث عن هاتف واحد من زملائها حتي جاء صوت أحدهم يخبرنا بأنه قد تم القبض عليها هي وزملاؤها بمجرد نزولهم من القطار! طوقتهم قوات الأمن المركزي بصيحاتها المهيبة، ترج المكان رجًّا يشي بأن خطبًا جللاً قد لحق بالمدينة الصغيرة! وبسرعة ومهارة وقبل أن يكمل الشباب سؤالهم عما يحدث سحبوا هواتفهم المحمولة ماعدا واحد من حسن الحظ لم ينتبهوا إليه، كل ذلك تم بأدب جم وترحيب بوصولهم بالسلامة، ولم تدرك صغيرتي أنها في قبضة الأمن إلا حينما انقلبت لهجة ضابط المباحث التي كانت منذ لحظات قليلة عامرة بالترحاب إلي غلظة وفجاجة حينما رفض طلب بعضهم دخول حمام استراحة المحطة! ثم دفعوا بهم في سيارتي بوكس إلي قسم شرطة قنا وهناك احتجزوهم في زنزانتين إحداهما للرجال والأخري للنساء لتتعرف ابنتي ذات العشرين عامًا علي مكان لم تتخيل يومًا أن يكون من نصيبها! وبصعوبة استطعت أن أكلمها عبر المحمول الذي فلت من قبضتهم، تكلمنا جملتين صعب أن تمحيهما الذاكرة : آلو سلمي أنت فين ياحبيبتي.
أيوة يا ماما أنا في الزنزانة ما تخافيش أنا كويسة! نعم أدركت أنها بالفعل كويسة وأفضل مما كانت وأنضج مما كنا نتصور، حين بدأت أحداث الفتنة الطائفية تتصاعد، كان الوجع كبيرًا في بيتنا الذي ينتمي لعائلة عميدها الراحل كان أزهريًّا كاتبًا وباحثًا إسلاميًّا علاَّمة، نصف أصدقائه مسيحيون، كانت تحيته العابرة صباح الخير ومساء الخير وسعيدة، المسيحيون في حينا شبرا الذي نشأنا فيه كانوا الجيرة الحلوة وموضع الثقة الدائمة والعشرة التي لا تهون إلا علي أمن الدولة!، في حي شبرا كنا صغارًا ننتظر بشغف أعيادهم كما أعيادنا، نصنع الميدليات من زعف النخيل التي يهدوننا بعضًا منها وهم قادمون من قداس كنيسة سانت تريزا في أحد الزعف، نتبادل أطباق الكعك ونفرح بأكياس الحلوي يحملونها إلينا حين عودتهم من مولد ماري جرجس ويطهون طعامًا شهيًا من نصيبهم في خروف العيد الكبير، وتحفظ أمي عن ظهر قلب مواقيت صيام العذراء والصيام الكبير والندر بالصيام بالماء والملح ونسعد حين تمطر السماء في عيد الغطاس، هذه ذكرياتنا وحكايانا لأولادنا فكيف لا تتحمس ابنتي لأن تشارك زملاءها الذهاب لنجع حمادي للعزاء، ولكن دعونا من حديث الشجون فلا نهاية له وتعالوا نتأمل الثلاثة أيام التي مرت علي هؤلاء الشباب الذين ذهبوا في مهمة نبيلة تقع علي عاتق عقلاء ومثقفي هذا الوطن علي حد تعبيرالرئيس مبارك!! وعقلاء هذا الوطن كانوا في الحقيقة مجانين هذا الوطن إذ كيف يتجاسرون علي الخروج عن نسق القطيع ويحاولون أن يفهموا ويعترضوا ويشاركوا وُيسمعوا صوتهم لمن به صمم؟! كانت تجربة قاسية لابنتي وزملائها وهي تلتقي بالواقع المفجع وجهًا لوجه، لقد تصورت أنهم سيستقبلونهم بالترحاب لقيامهم بهذا المجهود التطوعي الذي يجسد وعيًا وإحساسًا بالمسئولية تجاه وطن تتهدده أخطار الفتن لا نراه إلا قليلاً، فكان أن وجُهت لهم تهم التجمهر وإحداث البلبلة وتوزيع منشورات تحض علي الكراهية! وظلت المفاوضات جارية بين أفراد من المجتمع المدني ورجالات الشرطة الهمام لاستبدال النوم في الزنزانة للفتيات بالنوم في المستشفي العام حيث الأسرة القذرة تحيطها الحشرات والقاذورات من كل جانب! وتنتهي الرحلة بإصرار الأمن علي أن يعود الشباب إلي بيوتهم بعد أن أخلوا سبيلهم في عربتي ميكروباص ويقضون حوالي الثماني ساعات في الليل لتتسلمهم أسرهم في الثانية بعد منتصف الليل! هكذا يُعامل عقلاء الوطن! المدهش أن الناس من حولنا يعتبروننا محظوظين لأن الشرطة عاملتهم معاملة جيدة علي أساس أنه في الأصل هو الإهانة للمواطن أي لكل من يحمل الجنسية المصرية، وعلينا أن نستوعب الدرس ونمنع البنت من التورط في مثل هذه الأنشطة ونجعلها تتوب وتمشي بجوار الحائط سالمة مسالمة! ولأن الأرض الخصبة لا يأتيها البوار، فالدرس الذي أرادته حكومة الطوارئ وصل إلي العنوان الخطأ وأدركت ابنتنا وزملاؤها من يحكم ويتحكم في هذا الوطن، وأدركت لماذا لم يوجه أمن الدولة تهمة التجمهر حين خرج جموع المضللين في ماتش كورة يريدون النيل من عدو مختلق من دمنا وتاريخنا، بينما عدونا الحقيقي في الداخل يخرب العقول ويقضي علي الآمال ويمنع الأحلام، يريد أن يحيلنا إلي قطعان تتوه عن طريقها حتي يبقي ويستمر، يرثنا ويورثنا، أدركت سلمي ما لم تدركه من قبل فشكرًا لأمن الحكومة عبيدًا وسوطًا وأداة!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.