أعتقد إن معظمنا أصبح يدرك إن فزاعة الفوضى هي آلة العزف الأساسية في اوركسترا إرهاب الدولة لفرقة مبارك الدكتاتورية، لدرجة إن الرئيس المخلوع، في أول خطاب ليه بعد إندلاع الثورة، صرح بشكل مباشر بإن "على الشعب أن يختار ما بين الفوضى أو الإستقرار" ، و أطلق هذا التصريح في وقت تزامن مع الإنسحاب المخطط لقوات الأمن، و إطلاق بلطجية النظام في الشوارع تأكيداً لكلام سيادته و عقاباً للشعب على ثورته على سيده الفرعون! و طبعاً علشان فرقة "حسب الله النظام" ماشية ورا المايسترو بتاعها في إنسجام عمياني تام، فحتى بعد ما سيادته خلع فضلت الفرقة مشغلة لينا نفس الدرابكة، و ده مش من منطلق الولاء ليه و لكن لأنها ببساطة ما بتعرفش تلعب غيرها، و بالتالي أصبحت جميع حفلات الثورة المضادة، بالرغم من غياب بعض كبار الآلاتية، برده مشغلة نفس المزيكا الركيكة. السؤال بقى ما دام اللحن مفقوس كده زي ما أنا بأدعي، طب ليه أصداءه أحدثت أثار في نفوس عدد لا بأس بيه من الشعب المصري؟! أقول لك يا سيدي، لأن النغمة دي متجربة من قديم الأزل و شبه مضمونة مع الشعب المصري، الذي يعشق الإستقرار إلى درجة العبادة. و دي صفة ممكن حتى نزعم إنها محمولة في الصفات الوراثية المصرية و تجري في دماء الإنسان المصري جريان النيل في الوادي الخصيب، و لا بد أن نعترف أن حب الإستقرار يعتبر من أجمل الصفات في أي شعب بس إحنا مع الأسف عندنا بزيادة شوية و إللي يزيد عن حده ينقلب ضده، و لا بد أيضاً أن لا ننسى أن عشق المصريين للإستقرار أدى إلى قيام الحضارة المصرية أصلا على مبدأ المركزية و حكم الفرد المطلق، و هو ما يجعل المجتمع المصري مناخاً خصباً لتكاثر "الفرعنة" و إزدهارها، بحيث يجد فيها كل طاغية ضالته لو إدعى أنه من يمنح الإسقرار و يمنع الفوضى. و في هذه الحالة تتحول هذه الميزة في الشعب المصري إذا إستغلها الطاغية إلى عيب جسيم و يسجل القرآن الكريم هذه الظاهرة في قوله تعالى عن فرعون: "فإستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين" (سورة الزخرف آية 54). أي أن من صنع الفرعون هم من أطاعوه بالرغم من إستهانته بهم، و لم يولد هو هكذا أصلاً. و طبعاً بما إن أشبال الثورة المضادة من نفس الأسد الفرعوني المتنحي، فاكيد هما فاهمين نقطة ضعف الشعب المصري دي كويس، و شغالين لنا عليها عل و عسى يقدرو يردو الروح في نظام "الإستقرار الفوضوي" بتاعهم إللي بيحتضر، و يرجعو يعيشو أزهى عصور الفساد الإنساني مرة أخرى و لو حتى "بنيو لوك". في تلك الأثناء إستمعت جموع الشعب المصري لمجموعة لا بأس بها من معزوفات الفوضى الممنهجة، كان أعلاها صوتاً مقطوعة الفتنة الطائفية إللي إتذاعت كتحية إستقبال للدكتور عصام شرف، و إللي بسببها إتأكدت أكتر إنه راجل محترم لأنه لو كان تبعهم ما كانوش حيحاولو يروقوه بالتحية الكبيرة دي. المهم بدأت ألحان آلاتية الثورة المضادة تلعلع و يلتف حولها مستمعين من النوع إللي بتجمعه الطبل، و بدأو يرددو إشاعات الخوف من الفوضى و إللي بالتالي لقت مرددين آخرين، و العدوى إنتشرت و الأعداد تضاعفت نتيجة ضعف مناعة الشعب المصري بالنسبة لهذا المرض، لغاية ما أصبحنا تقريباً مخترقين بناس مرعوبة من الفوضى و مستعدين يرضو بقليلهم ما دام "الكتير قوي" زي حق و كرامة الإنسان المصري حيكلفنا رصيد كبير من الإستقرار "المزعوم" بتاع نظام مبارك، بس إللي تعرفه بقى أحسن من إللي ما تعرفوش! مش كدة و لا إيه؟ من هنا ظهر الراجل "المرعوب" إللي واقف ورا كل واحد فينا، و إللي بعد ما سقط ضحية للثورة المضادة بدأ يدندن في ودانا نشيد الأمن والأستقرار "الوطني" إياه، و يعدي غيره بالذعر إللي تملك من نفسه و ده مش لأنه مع الثورة المضادة، و لكن لأنه إستسلم لتهديداتها. الراجل إللي واقف ورا كل واحد فينا بدأ يردد إن الشعب المصري فعلاً مش مستعد للديمقراطية! بيقول الكلام ده و هو مش عارف إن ما فيش شعب في التاريخ ثار على دكتاتورية كانت بتحكمه لأنه لقى نفسه جاهز للديمقراطية، بل و على العكس الشعب إللي بيثور بيعمل كده لكي يحصل على الديمقراطية، و يبدأ أولى خطواته في بناء التجربة الديمقراطية التي تناسبه، في أول خطوة في مشوار من آلاف الأميال بيتعلم فيها من تجارب من سبقوه بالإضافة إلى أخطاءه، وهي الأهم لأن تصحيح تلك الأخطاء هي إللي بترسم ملامح ديمقراطيته مع تراكم خبرات الأجيال المتعاقبة على هذا الدرب. الراجل إللي واقف ورا كل واحد فينا بيقول إن مش مهم نعمل دستور جديد ما دام التعديلات في الدستور القديم حتخلي حال البلد يمشي، وهو ما يعرفش إن الدساتير ما بتمشيش حال بلاد، و لو قصده يعني يمشي زي ما كان (واقف محلك سر)، فده وارد حتى و أنت بتعمل دستور جديد و ممكن يمشي كمان من غير دستور خالص، لأن الدساتير مش هي إللي بتمشي و تدور شؤون دول و لكنها هي إللي بيحدد ملامح الأمم. طاب ما إحنا كنا ماشين بالدستور المشوه إللي كان قلته أحسن بس الفرق إن كان شكلنا قبيح، و عملية التجميل إللي إتعملت للدستور ده عبارة عن تضييع وقت لأنه هو أصلاً منتهي إكلينيكياً، و التجميل في الميت حرام! و إذا كان على رجوع الجيش لثكناته فده ما لوش دعوة بالدستور و لكن بإستتباب الأمن، و دي مسؤولية وزارة الداخلية إللي لو حتى الدستور الجديد كان جاهز ما كانش حيقدر الجيش يسيب الشوارع برده إلا لما الشرطة ترجع تقوم بدورها. و ساعة لما الشرطة تقدر تقوم بمهمتها كاملة يقدر الجيش يتفضل مشكوراً يقوم بمهمته الأصلية و يسلم الدولة لمجلس رئاسي مدني و نضرب له تعظيم سلام. الراجل إللي واقف ورا كل واحد فينا قال لي حاجات تانية كتير، و للحديث بقية و حأعلق على كل ملحوظاته الأخرى في مقالتي الجاية، لأن ده حقه عليا مش فضل مني عليه. أنا بس مضطر اسيبكم دلوقت علشان أروح أقول و بعلو حسي للتعديلات الدستورية لأ!