(1) وتفتحت الزهور لم نستطع أن نوفر لشباب مصر الحياة الكريمة... فانطلقوا يحلمون بالعيش والحرية والكرامة والإنسانية... حلموا بالعدل والمساواة... حلموا برقى السلوك ونظافة اليد ونزاهة الضمير...كان لهم فضل السبق فى إبداع الثورة والتضحية فى سبيل مصر بدمائهم الغالية....أعطونا مثلا نبيلا وأملا جميلا فى استعادة مصر مكانتها كأم للدنيا وحقها كسيدة للحضارة...علمونا كيف نحب مصر حبا حقيقيا وليس حبا سطحيا فى مباريات كرة القدم فقط . وانطلقت الغيلان الشيطانية والوحوش الأسطورية تريد أن تقتل الثورة وتغتال الحلم. إن خفافيش الفساد تدافع بشراسة عن استمرار نهبها للوطن غير عابئة بما يصيبه من نتائج، فلم تهمهم مصلحته يوما ما... لايهمهم أن تذبل زهور الأمل لكن شجرة الأمل مدت جذورها فى نسيج المجتمع وتفتحت زهورها ونشرت بذورها فى تربة الشباب الطاهرة، و لن تعود الساعة إلى الوراء....لقد ذقنا طعم الحرية ولن نرضى بها بديلا، ولن يعود أبدا عهد الظلم والفساد والاستبداد. (2) واستجاب القدر طوال ثلاثين عاما وأنا أعانى وأتألم حتى كدت أصاب بالفصام.... أقرأ عن مصر العظيمة الرائدة القائدة وأرى أثارها الشامخة... وأرى مصرا أخرى تقزمت حتى سبقتها الدول والمجتمعات حتى تلك التى يصفها نقيب الصحفيين ساخرا بأنها مثل ( الحق)... لم يعد لنا وجود فى طوابير العلم والتقدم والتنمية.... اكتفينا بطوابير الخبز والبوتاجاز ثم عشت ثلاثين ساعة أعادت لى الحلم وأيقظت فى نفسى الأمل بأن الذهب النفيس مازال كامنا، يحتاج فقط إلى أن ننفض عنه غبار الظلم والفساد والاستبداد.. عشت فى ميدان التحرير، ميدان الثورة، ميدان الشهداء....رأيت وجه مصر الحقيقى..رأيت الحب والاحترام...رأيت النظافة والنظام... رأيت التعاون والفداء... نسمع نداء فى إذاعة الثورة بأن شخصا فقد موبايل (بلاك بيرى)... وبعد ثوان يعلن عن العثور عليه...لا شخص يدرى أن نقوده سقطت منه أثناء نومه على الأسفلت حتى يفاجأ بالإذاعة تعلن عن العثور على مبلغ من المال.... يقف المئات فى طابور للدخول إلى دورة المياه... و يسأل الشاب القائم عن النظام: هل يوجد من يعانى بشدة و يحتاج إلى دخول دورة المياه فورا، فلا يتقدم أحد.... رأيت مئات الألوف من الشباب والفتيات يقضين الليل معا فلا يخدش أحدهم شعورهن بكلمة أو نظرة... رأيت الفتاة تشترى زجاجة مياه وتتناول منها رشفة واحدة ثم تناولها لمن بجوارها و هكذا حتى تفرغ الزجاجة بعد مئات الأمتار....رأيت مليونى شخص يتحركون فى نظام و انضباط ... رأيت الأمل فى العيون والعزم فى القلوب....رأيت مصر التى أرادو خنق إرادتها وإجهاض حلمها... لكن هيهات، فقد أراد الشعب الحياة، وقد انجلى الظلم و انكسر القيد... لقد استجاب القدر. (3) لم يكن يعلم ياقوم: اسمعوا وعوا لقد تحالف أبو جهل وأبو لهب وأتباعهما فى دار الندوة على الفتك بالفتية الذين آمنوا بوطنهم ، وهجموا على المعتصمين فى ميدان التحرير بقافلة من الخيل والإبل، يدهسون الشباب ويفعصون البنات تحت الحوافر والسنابك، تماما كما دخل نابليون بونابرت ساحة الأزهر بخيوله منذ مائتى عام... وفى جوف الليل أعاد المغول الكرّة عندما لم يفلحوا فى قتل جميع الشباب فى الظهيرة فأطلقوا عليهم كرات اللهب كأننا عدنا لعصر المنجنيق، واستخدموا البارود كأنهم المماليك الذين ساموا الشعب ألوان الظلم و الاستبداد.. لكن العجيب أن النصر كان حليف الشباب الذى قدم عشرات الشهداء ومئات المصابين ، ذلك الشباب الذى لم يمسك فى يده سلاحا، بل رفع راية مصر وهو يحلم بوطن حر كريم يحترم أدميته ويحفظ حقوقه.. لقد انتصرت فأرة الكمبيوتر على حيوانات الغابة. ثم خرج رئيس وزراء مصر يعلن بهدوء الدبلوماسيين أنه لم يكن يعلم بالهجوم البدائى... كيف لم يكن يعلم والدنيا كلها كانت تتابع فى بث مباشر فريد معركة الجاهلية الأولى؟ كيف لم يعلم بالهجوم الليلى والأستاذ (بلال فضل ) أخذ يطوف على كل القنوات الفضائية يحذر من الهجوم الذى سوف يبدأ قبيل الفجر؟ حتى إننى نمت فى الثانية والنصف صباحا وقلت لزوجتى: أيقظينى عندما يبدأ الهجوم! وعندما بدأ الهجوم فى الوقت الذى حدده الأستاذ بلال فضل اتصلت به زوجتى باكية فوجدته صاحيا صاخبا متألما، و قال لها : أيقظى كل من تعرفيه فى مصر حتى يشاهد المجزرة الوحشية.... الحق على زوجتى... سامحوها أيها الشباب فهى لم تكن تعرف رقم تليفون رئيس الوزراء ، لذلك لم تتصل به كى توقظه.