آه يابوي.. صرخت المرأة السودانية والسوط ينزل علي جسدها فتتلوي وتستغيث وتتفادي دون فائدة! آه يابوي.. صرخت أنا والسوط ينزل علي جسد السودان فتتلوي وتستغيث وتتفادي دون فائدة! الحقيقة الواقعية أن السوط «الكرباج» الذي مزق جسد المرأة السودانية هو نفسه السوط الذي مزق السودان وقسمه وفصله. عقوبة الجلد الجائر التي طبقت علي المرأة وهي رمز الأرض هي نفسها العقوبة التي قسمت الأرض.. أرض السودان. حكومات السودان ورجال سياستها ومعارضتها شاركوا في تمزيق جسدها بالإصرار والترصد والتواطؤ والصمت وقبل كل ذلك بتغليب المصلحة الخاصة علي مصلحة البلاد. لم يعد الوطن هو همهم وهدفهم وإنما «كرسي» الحكم و«دور» المعارض هو المقصد الذي أعمي عيونهم عن تمزيق الوطن وتدفق الدماء التي ستغطي عليهم وتخرجهم.. والتي سيدفع ثمنها المواطن الإنسان في الشمال والجنوب، ولن أبالغ إن قلت المواطن العربي من المحيط إلي الخليج. سنوات وسنوات وحكومات وانقلابات واعتراضات ومؤامرات ومؤتمرات ومنظمات وقرارات والسودان الوطن يضيع أمام أعيننا والكل يمارس الصمت الرهيب.. لعل وعسي! استبدل نظام الحكم في السودان تنمية الفرد وتقديم خدمات ضرورية مثل الغذاء والتعليم والصحة والعمل، بسحق الحقوق الإنسانية والإصرار علي القضاء علي حرية الإنسان وكرامته بالجلد في مكان عام بقانون مجحف يقضي بعقوبة الجلد 40 جلدة عقابا علي الإخلال بالآداب العامة والسلوك غير المحتشم واللباس غير المحتشم علي جميع سكان السودان سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو وثنيين وأصر علي الجلد وتعامي عن التسامح وترصد بالفرض الأحادي عن التنوع الذي هو مصدر قوة. وبدلا من التفهم السياسي الاستراتيجي لوضع السودان الذي يجمع بين العروبة الأفرقة واستيعاب الأجناس المتنوعة بدستور يعتمد علي المواطنة والعدالة، تسلح الجميع وقامت الحروب التي حصدت أرواح أكثر من مليوني سوداني، وظهرت المجاعات في الأرض الخصبة وتحول البلد الذي أطلقنا عليه في كتابتنا الكلاسيكية سلة الغذاء للوطن العربي إلي بلد فقير ووصل إلي الرقم 154 في دليل التنمية الذي أصدره البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة هذا العام من بين 169 دولة، وانتشرت أخلاق الفقر من اغتصاب وسرقة وعنف منظم وجاءت معها أمراض بدأت من الملاريا ومرت علي الكوليرا وانتهت بالإيدز الذي أصيب به 3 في المائة من عدد السكان. ومع انتشار المجاعات وقلة الإمكانيات الطبية زادت معدلات الوفاة للأطفال والأمهات والكبار، فانتشرت منظمات دولية إنسانية وأخري مشبوهة كان غرضها تمزيق جسد الوطن بدعوي الإنسانية ونجحت بمساعدة التقارير الصحفية والواقع المتدني الحقيقي. وعندما أصبح ثمن الانفصال هو الإعفاء من العقوبات الدولية والإبقاء علي الحكم حتي وإن كان في القصر الجمهوري وعدة شوارع حوله، قبل حكام الشمال واستمروا في جلد النساء بسبب بنطلون جينز أو سرقة أو دعارة لإطعام الصغار الجوعي. وهكذا أمسك رجال شرطة النظام العام بالكرباج ليمزقوا جسد امرأة ضعيفة تستجير من الرماد بالنار، وأمسك رجال النظام بكرباج الجوع والحرب والدمار ليمزقوا جسد وطن ضعيف استجار بالعالم عن العروبة والإسلام. والكل يعلم أن الانفصال القادم في يناير لن يكون الانفصال الوحيد وإنما هو الأول، وأن السلام والأمن سيتلاشي في ظل حروب أهلية قادمة لا محالة، ورغم ذلك يمضون فيه بلا هوادة ولا ضمير. قليلون مثلي من يرون السودان علي الخارطة يمثل قلبا، إذا انشق إلي نصفين أو أكثر يموت الجسد وتصعد الروح وتتوقف الحياة ويبدأ الفناء!