[email protected] سامحه الله، أفسد عليّ متعة الفرجة علي السيرك ببراءة خالية البال، فما كاد يعرف بذهابي إلي السيرك حتي ضحك متمنيا لي سهرة طيبة مع »التدجين«!! كان السيرك ممتعا بحق، أعادني للطفولة والدهشة.. مهارات اللاعبين، فقرات السيرك الروسي المبهرة.. تلك البهجة الممتزجة بالترقب والإثارة. في الاستراحة بين الجزء الأول من برنامج الحفل والجزء الثاني كان الباعة يتجولون وسط الحضور بزجاجات المياه وأنواع المشروبات والحلوي المختلفة وكان رجلان يسرحان بينهما أحدهما يحمل ثعبانا ضخما يمسك رأسه بقوة، بينما الآخر يحمل نمرا صغيرا لا يتحرك. الاثنان يصاحبهما مصور يدعو الصغار للتصوير مع النمر أو الثعبان! بدا المشهد مزعجا.. النمر الصغير أشبه بالجثة الهامدة، لا يقوي علي الحركة، ولا حتي الخوف ولا الذعر مما حوله.. لاشك انه مخدر.. يضعه الحارس بين يدي الطفل أو فوق كتفيه الصغيرتين ليلتقط المصور الصورة الزائفة.. استعراض القوة والانتصار الوهمي علي النمر والثعبان! نفس القصة الافريقية الشهيرة حول مجموعة من النمور وقفت أمام صورة ضخمة لصياد يمسك ببندقيته مزهوا، واضعا إحدي قدميه فوق جسد النمر الملقي أمامه علي الأرض، عندئذ هتفت النمور »آه لو ان النمور تعرف الرسم«! ثمة شئ زائف أو شئ تم تزويره لتتبدل الصورة.. هذا هو (التدجين) وهو ما يعرف علميا باعادة التشكيل الوراثي لبعض الكائنات لجعلها تتأقلم مع الإنسان ومع بيئتها المتغيرة. في فقرة ترويض الأسود والنمور للمدرب الشهير »مدحت كوتة« ليس بالإمكان مفارقة الصورة، فالسوط الذي يطلقه المدرب امام الحيوان هو احدي أدوات الترويض والتدريب وتنفيذ الأوامر والطلبات المحددة.. السوط ليس أداة عقاب فالحيوانات لا يتم ترويضها بالعنف ولكن »بالتجويع«.. إعادة انتاج للمثل العربي القديم »جوع كلبك يتبعك«.. وبالفعل الكلب هو أول حيوان قام الإنسان بترويضه منذ أكثر من 12 ألف سنة. »التجويع« سلاح لا يخص الحيوان فقط، هو أكثر استخداما مع الإنسان لضبط سلوكه واخضاعه وفقا للصورة المطلوبة.. في كتاب »جغرافيا الجوع« يري المؤلف »ان الإنسان إذا تسلط عليه الجوع صار سلوكه من العنف مثل سلوك الحيوانات المتوحشة تماما.. فالجوع يهدم الشخصية ويقضي علي تجاوب الإنسان مع البيئة«.. من أجل ذلك كان تمرد الإنسان بالاضراب عن الطعام وتجويع نفسه بنفسه، دون ان يتركها مادة بين أيدي الآخرين لتشكيله بالجوع! في مسرحية »الرجل الذي صار كلبا« لازوالد دراغون.. يقبل الرجل الفقير العمل في حراسة أحد السادة بدلا من كلب الحراسة الذي مات.. يعيش وينام في كوخ الكلب بالحديقة وهو ما يضطره إلي النزول إلي أربع كي يستطيع الدخول إلي الكوخ.. ولكي يتقن الرجل عمله ويرضي صاحب العمل ويحافظ علي مورد رزقه الوحيد، يتعلم النباح، ثم يتعلم السير علي أربعة.. ذات يوم حين هم بتقبيل زوجته، نفرت منه وخافت، وخشيت ان »يعضها«.. لقد أصبح كلبا بالفعل!