تجاوزت ثورة الجياع في سيدي بو زيد يومها العاشر، والتي اندلعت على إثر إضرام محمد بو عزيزي، شاب تونسي، النار في نفسه احتجاجا على الفقر ومرارة البطالة. القصة تبدأ بأن محمد بو عزيزي - عاطل عن العمل - اختار أن يعمل كبائع متجول، بدلا من اللجوء للجريمة مثلا، فأبلغه "عون تراتيب"، بعدم قانونية عمله، فأضرم الشاب النار في نفسه. (ملحوظة: عون تراتيب: موظف صغير بالبلدية.. طبعا هذا غير "الاتحاد الجهوي للشغل"، و"إحداثيات الشغل" التي تحدث عنها بن علي.. ده احنا حنسمع أحلى كلام). لا أعلم إن كان كل من محمد بو عزيزي وعدد آخر من الشباب التونسي الذين أضرموا النار في أجسادهم، قد قرأوا رواية "مقتل الرجل الكبير" للأستاذ إبراهيم عيسى، الصادرة في عام 1998، والتي تحدث فيها عن "جماعة المولعين بجاز"، متنبئا بأن الجوع سيصل بالمواطن المصري لإضرام النار في نفسه. على كل الأحوال، لقد تحققت نبوءته في تونس، ونسأل الله ألا تتحقق في مصر، أقصد نبوءة إشعال المواطن النار في نفسه، أما الجوع فقد تحقق أبشع مما ورد في الرواية. باااس يا سيدي.. أضرم بو عزيزي النار في نفسه، فخرج الناس غضبا لذاك الشاب الذي لا تحل له الدولة أزمة البطالة، ولا هي تتركه يرتزق من حلال، وعنها وعاديك: رصاص حي على المتظاهرين، اعتقالات بالجملة، تعذيب، حصار يضرب على المعتصمين كحصار غزة، وأخيرا خرج علينا الرئيس زين العابدين بن علي يتوعد "الأقلية المحرضة، التي تستغل الوضع استغلالا سياسيا"، ويقول للمواطنين من أهل البلاد أنهم بسلوكياتهم الهمجية و"غير الحضارية" يسببون إزعاجا للسائحين، ويشوهون سمعة تونس! أكثر من عشرة أيام والشعب التونسي يكتوي بالنار، والنظام التونسي القمعي يسحق المتظاهرين والمعتصمين سحقا، ولم نسمع نداء من الاتحاد الأوروبي الذي وقف على أشابيره، ونفرت عروق رقبته، واحمر وجهه غضبا وحزنا على قمع المتظاهرين في إيران. أكثر من عشرة أيام، اتخذت فيها الحكومة التونسية كل التدابير الوحشية، بما في ذلك التدخل في انتخابات المجالس العلمية، وقتل المتظاهرين في الشارع جهارا نهارا، واختطاف الأساتذة والمحامين والسياسيين من الشارع وتعذيبهم، وأوباما لا يعبر عن "بالغ قلقه وأسفه" الذي كان يعبر عنهما إبان الانتخابات الإيرانية. وبالمناسبة، النظام التونسي يحجب مواقع كثيرة على الشبكة الإلكترونية، بل إنه حجب كل ما يتصل بثورة سيدي بو زيد تماما. ترى.. لماذا يكتم أوباما قلقه وأسفه في قلبه يا كبدي ولا يعبر عنهما؟ هل لأنها ثورة جياع حقيقية وليست ثورة مطالبة بحساب على الفيس بوك؟ هل لأن المتظاهرين التونسيين يهتفون باللغة العربية لا بالإنجليزية؟ هل لأن الموساد ليس له يد في هذه الانتفاضة؟ هل لأن الرئيس زين العابدين بن علي، كما ورد في وثائق ويكيليكس، يتعاون مع الاستخبارات الأمريكية؟ ها هي إنجازات الزعيم المفدى الذي يزجر التونسيين لأنهم يعكرون على السياح صفو استجمامهم: - التعاون غير المشروط مع الولاياتالمتحدة في مكافحة الإرهاب بما في ذلك تمكين الولاياتالمتحدة من العمل على الأراضي التونسية والتعامل مع المعتقلين الذين تتحفظ عليهم السلطات التونسية. - القبول ببقاء عشرة تونسيين في سجن جوانتانامو وعدم المطالبة برجوعهم إلى أرض الوطن. - الترحيب بنتائح مؤتمر أنابوليس والتعاون في تطبيق توصياته. - التعاون مع الولاياتالمتحدة في الملفات التالية: العلاقات الليبية الأمريكية، العلاقات الليبية الجزائرية، الوضع في العراق، الخطر الإيراني. ولم ينس أن يهمس بن علي في أذن ديفيد ولش: لا تثقوا بالشيعة. (هااااا؟ مين اللي علمك الكلمة دي؟ أنا عارفك يا بتاع تانية تالت... مصر لها الريادة). - بخلاف التعاون الاقتصادي بين السيد المطيري زوج ابنة الرئيس مع الولاياتالمتحدة. المصدر: وثائق ويكيليكس، الوثيقتين السريتين من السفارة الأمريكيةبتونس، بتاريخ: 3-3-2008، و27-7-2009. ما حرك مشاعري، وكادت الدمعة أن تفط من مقلتي، هو ذلك التضامن الاستبدادي الذي تجلى في سرعة نجدة الرئيس معمر القذافي للرئيس بن علي، وتطوعه أن "يعزم" على التونسيين بوظائف شعبه، كي يحمي حبيبه وابن حبيبه... الشدة تظهر معدن الإنسان صحيح، وللمستبد على المستبد حقوق.. الحقيقة هم ثلاثة حقوق فقط.. هيييه، ما علينا. ليس كل ما يريده المجتمع الدولي المنافق هو قضاء وقدر. ليس كل مستبد مدعوم من الولاياتالمتحدة وإسرائيل مكتوب على شعبه لا يطيح به سوى عزرائيل. هناك اختراع اسمه إرادة الشعب، وفوقها، ومعها، ويساندها، إرادة الله. فدتكم نفسي يا ثوار تونس.