مع الأعطال والحوادث المتكررة فى مترو الأنفاق مؤخرا لا يسعنا سوى الربط على الفور بين ما يحدث فى مصر كلها من "أعطال" أخلاقية وسياسية وبين ما يحدث فى محطات المترو من أعطال فنية يحاول كل مسئول فى شركة مترو الأنفاق أن يسفه منها لدرجة اتهام الشبورة بالتسبب فى الحوادث والأعطال المتكررة على الرغم من أنه "مترو أنفاق"، ومن أنه يمشى على قضبان وليس طريق صحراوى سريع. ولكن دعنا – بدون أى فذلكة كما قد يتهمنى البعض – نلتفت الى الجانب السياسى فى مسألة أعطال مترو الأنفاق، فالثابت لدينا ولدى معظم المصريين أن هذا المشروع الضخم أحد انجازات عصر الرئيس مبارك، وربما يعتبره الكثيرون أهمها، ولكن ماذا يقول هؤلاء اذا علموا أن أكبر انجازات الرئيس لم يكن سوى عملية نصب من المسئولين عن المشروع منذ بدايته بالتواطؤ مع شركة فرنسية كانت مسئولة عن توريد أنظمة تشغيل مترو أنفاق القاهرة لمصر؟!! ففى نهايات عام 2005 ومطلع العام 2006 كانت شركة "Thale sa" الفرنسية متهمة بمحاولة تقديم الرشوة لاحدى حكومات منطقة الشرق الأوسط مقابل تمرير مشاريع من نوع ما، وبالطبع لم تمر المسألة على القضاء الفرنسى مرور الكرام، فقد فتح القضاة الفرنسيين تحقيقا على الفور بدأوه بمراجعة كافة المستندات عن التعاملات المالية للشركة – الصادر والوارد فى سجلاتها- فيما يخص المشاريع التى قامت الشركة بتنفيذها وحدها أو بالشراكة مع مؤسسات أخرى. وكانت المفاجأة أن الشركة الفرنسية قدمت رشاوى كبيرة لعدد من المسئولين فى وزارة النقل المصرية للتغاضى عن تقديم الشركة أنظمة تشغيل كمبودية الصنع لاستخدامها فى مترو الأنفاق كانت على وشك اعدامها فى فرنسا نظرا لعدم صلاحيتها للتشغيل ووجود الكثير من الأخطاء الفنية تم اكتشافها قد تؤدى الى أعطال وحوادث كثيرة، وبالفعل دفعت المبالغ للمسئولين المصريين الذين قبلوا أنظمة التشغيل التى افتتح بها مشروع المترو الذى مازال مبارك ورجاله يعتبرونه أبرز انجازات القرن العشرين فى مصر بعد مشروع السد العالى وثالث أكبر مصدر للدخل بعد السياحة وقناة السويس. ولذلك عندما أقول الآن أن أزمة المترو أزمة سياسية من الدرجة الأولى، ببساطة لأنها نتاج لفساد من داخل نظام الحكم الذى عز عليه أن ينجز مشروعا قوميا ضخما دون أن يترك فيه احدى علاماته المميزة "الرشوة والفساد"، وعندما أقول أن المصريين الذين احتجزوا لساعات داخل عربات المترو والذين تكدسوا بالألاف على أرصفة محطات مترو الأنفاق لم يكونوا ضحايا لأعطال فنية وانما كانوا ضحايا لعملية سرقة ونهب من جانب النظام الذى يحكمهم لأموال الشعب، فإننى لا اكون متفذلكا على الاطلاق ولا أكون ممن يلبسون الحق بالباطل. ما يثيرنى و"يحرق دمى" بالفعل أن الواقعة التى سردتها توا كشفت منذ خمس سنوات ونشرتها بعض الصحف الفرنسية والألمانية والأمريكية أيضا، وحازت على صدى واسع فى الأوساط السياسية فى الخارج الا أنها لم يكن لها أى مردود فى الداخل ولا حتى تعليق هزيل من تلك التعليقات التى اعتدنا عليها من حكامنا المبجلين الذين قضوا نصف أعمارهم يعلنون للشعب المصرى استعدادهم للضرب على يد الفاسدين "بقبضة من حديد".