«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الدستور الأصلي" ينفرد بنشر مقدمة الترجمة العربية ل"جلد أسود أقنعة بيضاء"
نشر في الدستور الأصلي يوم 28 - 11 - 2010


تأليف: فرانتز فانون
ترجمة: نوارة نجم
التعريف بالكاتب:
الدكتور فرانتز فانون. يطلق عليه العرب: فيلسوف الثورة الجزائرية.
ولد في 20 يوليو 1925، وتوفي بالجزائر في 6 ديسمبر 1961، عن عمر يناهز السادسة والثلاثين.
ولد فرانتز فانون في منطقة الفور دي فرانس، جزر المارتينيك (وهي من مجموعة جزر الأنتيل التي تقع في شرق الكاريبي، وتعتبر أحد الأقاليم الستة وعشرين المكونة للأراضي الفرنسية). نشأ فانون في أسرة تنتمي للطبقة المتوسطة، فكان والده، والذي ينحدر من سلالة العبيد، يعمل طبيبا، بينما كانت والدته مهجنة (فرنسية/ إفريقية).
شارك في الحرب العالمية الثانية في الجيش الفرنسي. درس الطب النفسي في جامعة ليون، ثم خدم كطبيب نفسي في مستشفى بليدة، وهي إحدى المستشفيات العسكرية التابعة للجيش الفرنسي بالجزائر آنذاك، وهناك تعرف على عناصر المقاومة الجزائرية، وانضم إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية. عمل كمحرر في صحيفة "المجاهد" الناطقة باسم المقاومة.
شغل منصب سفير الحكومة الجزائرية المؤقتة في عام 1960. ثم توفي بمرض سرطان الدم في عام 1961 وهو الآن مدفون في مقبرة "مقاتلو الحرية" بالجزائر.
من مؤلفاته:
- جلد أسود أقنعة بيضاء
- الاستعمار الميت
- معذبو الأرض
- نحو ثورة إفريقية
الكتاب الذي بين أيدينا، هو أول ما كتب فانون، "جلد أسود أقنعة بيضاء". كتب فانون هذا الكتاب وهو في السابعة والعشرين من عمره أثناء إقامته في فرنسا، وهو دراسة تحليلية، لتشريح نفسية المضطهد، سواء كان واقعا تحت احتلال، أو اضطهاد عرقي، أو ديني، من خلال التشريح النفسي المسهب لنفسية الأسود الواقع تحت سيطرة الرجل الأبيض، وقد اعتبر فانون أن هذا النموذج هو الأمثل لدراسة النفسية المضطهدة، إذ أن الأفارقة يعانون من كل أشكال الاضطهاد: الاحتلال، والعنصرية، والاضطهاد الديني (حيث يعتبرها الرجل الأبيض ديانات وثنية ومتخلفة).
يعتبر فانون أن أخطر الأمراض التي تواجهها الشعوب الواقعة تحت الاحتلال هو التماهي مع المحتل، والشعور بالدونية، والرغبة في الانتماء للأقوى والتخلص من الجذور، إذ أن تلك الجذور هي التي جلبت الاضطهاد ضد الشعوب المستضعفة، ويؤكد أن ذلك هو النوع الأخطر للعبودية، لأنها عبودية الروح والنفس، وهي أمضى من عبودية الأغلال المادية.
يحاول فانون في هذا الكتاب أن يشخص الآثار النفسية التي تنشأ من الاضطهاد والاحتلال والعنصرية، كأول خطوات العلاج، وقد أفنى فانون حياته في علاج هذه الظاهرة، حيث أنه يشخص أمراض المحتل والمعتدي في كتابه "الاحتلال الميت"، ثم يضع الطرفين في مواجهة ومقارنة في كتاب "معذبو الأرض"، وأخيرا يقدم حلوله في كتاب "نحو ثورة إفريقية".
في هذا الكتاب هناك بعض الإشارات السريعة للشعوب الأخرى التي تعاني من الاضطهاد.
مقدمة الكاتب
"إنني أخاطب الملايين من البشر، الذين تم حقنهم بمهارة بالخوف، وعقدة الدونية، والهلع، والخنوع، واليأس، وتحقير الذات"
آمي سيزير، خطاب حول الاستعمار
(آمي سيزير: شاعر وكاتب سياسي من جزر المارتينيك)
"لن يحدث الانفجار اليوم. سيحدث قريبا.. أو متأخرا
لا أحمل حقائق سرمدية
لا أنير وعيي بإشعاع لا متناه
إلا أنني، وبكامل رباطة الجأش، أعتقد أنه من المفيد قول بعض الأشياء
سأقولها.. لن أصرخ بها
فقد هجرت الصراخ منذ وقت طويل..
منذ وقت طويل جدا..."
لماذا أكتب هذا الكتاب؟ لم يطلب أحد مني أن أكتبه، بالتحديد، أولئك الذين أوجه لهم خطابي.
حسنا؟ حسنا، سأجيب بهدوء بأن هناك بلهاء كثر في هذا العالم، وبما أنني قلت ذلك، فعلي أن أثبته.
أكتب كتابي للسعي نحو إنسانية جديدة..
لتحقيق تفاهم بين البشر..
بين أخوتنا الملونين..
لفهم الإنسانية التي أومن بها..
لفهم التعصب العنصري..
لفهم الحب..
لفهم مئات من الصفحات التي أبحرت فيها، وحاولت أن تفرض إرادتها علي، بينما سطر واحد منها كان يكفي، إجابة واحدة تكفي لحل مشكلة العنصرية. إجابة واحدة للأسئلة: ماذا يريد الإنسان؟ ماذا يريد الإنسان الأسود؟
سأخاطر باستفزاز أخوتي وأقول: الأسود ليس إنسانا.
هناك مساحة من اللا وجود، منطقة إجداب وإقفار تؤدي إلى منحدر يولد ثورة ذات مصداقية، لكن في معظم الوقت، يعجز الإنسان الأسود عن تحويل تلك المعطيات للهب حقيقي. فالإنسان ليس مجرد وليد احتمالية تؤكد وجوده أو تنفيه. لو صدق القول بأن الوعي هو عبارة عملية ارتقاء، فعلينا أن نعي بأن هذه العملية مسكونة بمشاكل تتعلق بالحب والفهم. فالإنسان هو الإجابة التي تتناغم مع التجانس الكوني. لكنه مقتلع من جذوره، مطارد، حائر، مكتوب عليه أن يرى بعينيه كل ما كان يظنه "حقائق"، تتحلل الواحدة تلو الأخرى، وعليه الآن أن يكف عن إسقاط تناقضاته على قوانين العالم.
الأسود هو إنسان أسود، هذه نتيجة توصل لها الأسود عبر سلسلة من المؤثرات الخارجية المنحرفة، فهو لا يعلم أنه جرد تماما من الإنسانية، وجهله بهذه الحقيقة، يضعه في إطار عالمي، يشعر فيه بالسجن، ويتوق دوما لأن يجد من ينتزعه.
المشكلة جد حقيقة وخطيرة، ولا أقدم اقتراحات قصيرة الأمد لتحرير الأسود، على العكس تماما، سنسير ببطء نحو معسكرين، أحدهما للأبيض، والآخر للأسود. وبعناد سنحلل العالمين، وسنجد أنهما متداخلين، لن نتحلى بالرحمة، خاصة تجاه الحكام المحليين والإرساليات التي خدمت المستعمر. بالنسبة لنا، أولئك الذين "يعشقون" الأفارقة، هم أناس مرضى، تماما كالذين يمقتونهم.
الأسود الذي يريد أن يدفع بني جلدته لتبني الهوية البيضاء، هو شخص تعيس تماما كالذي يحرض على كراهية الإنسان الأبيض. بالمطلق، نحن لا نحب الأسود أكثر مما نحب التشيكي مثلا، وما علينا فعله هو إطلاق سراح الإنسانية وتحريرها. كان علي أن أكتب هذا الكتاب منذ ثلاث سنوات، لكن هذه الحقائق وقتها كانت تشعل قلبي لهبا. الآن أستطيع أن أقولها دون أن أحترق. يجب ألا نقذف بهذه الحقائق في وجه البشر، فنحن لا نسعى لإلهاب الحماسة، فتفجير هذه الحقائق بشكل عصبي في وجه الناس سيتمخض عما حدث من قبل: نار ومجاعات وتعاسة... واحتقار للإنسانية بالتبعية. التهور هو سلاح العاجز، سلاح أولئك الذين يسخنون الحديد لإعادة تشكيله في الحال، لكنني أفضل تدفئة العقل على إلهابه، وعلينا بعد تدفئته أن نتركه ليقرر مصيره.
ربما نصل للاستنتاج الآتي: الإنسانية تحتفظ بلهيبها من خلال استهلاك ذاتها.
تحرر الإنسانية لا يحدث إلا بالتحرر من المحاولات البهلوانية للفظ الآخر، والبدء في التعمق في الذات للوصول إلى معنى للحياة. القليل من قراء الكتاب سيشعرون بحجم المعاناة التي مررت بها وأنا أكتب هذا المؤلف. فنحن في زمن استشرى فيه الشك حتى وصل للجذور، وقد سيطر على العالم منطق مجموعة من الأوباش، الأمر الذي جعل البحث عن المنطق واللا منطق - خاصة في القضايا غير المطروقة - مهمة شاقة.
الإنسان الأسود يريد أن يصبح أبيض، يريد العبد أن يصل للإنسانية، وفي هذا المؤلف، سنرى تطور الجهد المبذول لفهم علاقة الأسود والأبيض. فالهوية البيضاء تغلف الإنسان الأبيض، بينما ينغلق الأسود بداخل سواده، ومهمتنا تتبع اتجاه هذه النرجسية المتبادلة ودوافعها. ويبدو أنه من الخطأ عرض النتائج التي وصل إليها البحث في المقدمة، لكنني فضلت ذلك حتى أتجنب استهلاك القارئ في حلقة مفرغة.
هناك حقيقة واقعية: الأبيض يعتبر نفسه متفوق على الأسود. وهناك حقيقة أخرى: الأسود يريد أن يثبت للأبيض، بأي ثمن، أنه صاحب فكر ثري وعقل متساو مع العقل الأبيض. فكيف ننتشل أنفسنا؟
تحدثت آنفا عن النرجسية. حقا، إنني أؤمن بأن التحليل النفسي للمشكلة الإنسان الأسود هو الوحيد القادر على كشف موطن الشذوذ المسئول عن تشكل العقدة. لذا، فسأقوم بتحليل العقدة التي تكمن في ذاك الجسد المنهك، وأعتقد أن الأفراد يمكن أن يشكلوا عينة لتحليل المشكلة الإنسانية المتوارثة عبر التاريخ. حين أقول ذلك، أفكر في رجال مثل جوبينو، ونساء مثل مايوت كابيسيا. (جوزيف أرتور كونت دي جوبينو، 1816- 1882، روائي وكاتب فرنسي، أحد منظري العنصرية وتفوق الرجل الأبيض/ مايوت كابيسيا، 1916 - 1955، كاتبة من المارتينيك، وسوف يستفيض فانون في تحليل مؤلفاتها لاحقا. المترجمة).
إلا أننا كي نصل لهذه النتيجة، فإنه من الحتمي إضاءة كل مواطن الخلل التي ترسبت من الطفولة.
يقول نيتشه أن مأساة الإنسان تكمن في أنه كان طفلا في يوم من الأيام. لكننا في كل الأحوال لا نستطيع تجاهل هذه الحقيقة، وكما أثبت لنا شارل أوديير، فإن مصير العصابي يظل في يده وحده. (شارل أوديير، أو تشارلز أوديير، 1886 - 1954، محلل نفسي سويسري، كان جل عمله هو تطوير نظريات فرويد).
ومهما كان الأمر مؤلم بالنسبة لي، فإنني مضطر للقول بأن مشكلة الأسود لها حل واحد، وهو، للأسف، حل أبيض.
قبل أن أشرع في المضي قدما، يجب أن أؤكد على بعض النقاط: التحليل الذي اتبعه هو تحليل نفسي، وبالرغم من ذلك، فإن القضاء على حالة الاغتراب الأسود، تستلزم حلولا عاجلة للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية. ذلك لأن عقدة الدونية تنبع من عملية مزدوجة:
- أولا: اقتصادية.
- وبالتبعية: التنمية الداخلية، أو بالأحرى الاستشراء الداخلي، للشعور بالدونية. يصر فرويد على أن الفرد يتم معرفة خصائصه عبر التحليل النفسي، وذلك كرد فعل مضاد لانتشار المدرسة البنيوية في نهاية القرن التاسع عشر. فهو يستبدل المنظور التخلقي النفسي، ويحل محله نظرية النشوء والتطور النفسية. وسوف نرى أن مشكلة الإنسان الأسود ليست مسألة فردية. إلى جانب النشوء والتطور، والتخلق، هناك المجتمعية. ولنقل إذن، أننا نتفق مع وجهة نظر ليكونت ودامي، ونقوم بتشخيص اجتماعي، لنعرف مكمن الخطر. (م. ليكونت وأ. دامي، مقال نقد علم تصنيف الأمراض النفسية).
إلا أن المجتمع، على عكس العملية الكيميائية، لا يستطيع الهروب من التأثير الإنساني، الإنسان هو الذي يوجد المجتمع، والعلاج في أيدي أولئك الذي يسعون إلى التخلص من الجذور المتآكلة في بناء المجتمع.
حرب الإنسان الأسود يجب أن يشنها على الجانبين، الأسود والأبيض، حيث أنهما، تاريخيا، يتبادلان التأثير، كل منهما على الآخر. لذا، فإن أي تحرر أحادي الجانب سيكون غير كامل، ومن الخطأ الاعتقاد بأن تحرر جانب واحد سيؤدي إلى تحرر الجانب الآخر بشكل أوتوماتيكي. هذا بخلاف أن الميل إلى التحرر أحادي الجانب يتناقض مع الواقع، وسنثبت ذلك.
الحقيقة تستلزم فهما متكاملا، على الجانب الذاتي والموضوعي، ومن ثم يمكننا أن نجد حلا.
أما عن تحميل الذات كل الأخطاء، فهو أمر لن يحقق الخلاص، ولا يدعو للجهد. فالقضاء على الاغتراب الحقيقي، يستوجب أن نعيد الأشياء مرة أخرى لنصابها الطبيعي، وحين أقول "الأشياء" أعني بذلك كل ما تحمله هذه الكلمة من معان مادية.
من الجيد استهلال كتاب عن علم النفس باستعراض المنهجية التي سيتبعها. سأكون أقرب للعفوية. سأترك المنهجية للمتخصصين في علم النبات والرياضيين، إذ أن في مستوى معين تلتهم المناهج بعضها البعض ولا يبقى منها شيئا.
سأبدأ من هنا، سأحاول الكشف عن السلوكيات التي يتبناها الإفريقي في مواجهة الحضارة البيضاء، ولا أقصد من يطلق عليه الرجل الأبيض "همجي الأدغال"، ذلك لأن هذا النموذج لم يتعرض بعد على العناصر التي تشكل المرض.
أعتقد أن توازي التواجد بين الأبيض والأسود قد خلق شكلا مكثفا من العقد السيكو-وجودية، وآمل أن أحطمها من خلال تحليلها. ربما لن يجد بعض الأفارقة أنفسهم في هذا الكتاب، كذا بعض البيض. لكن حقيقة أنني أشعر باغتراب في عوالم الفصاميين والشلل الجنسي لن يقلل من وطأة الواقع. السلوكيات التي سأشرع في وصفها واقعية، وقد واجهتها بما لا يعد ولا يحصى، وسط الطلبة، والعمال، وسط القوادين في بيجال أو مارسيل، وقد تمكنت من استخلاص نفس العناصر - في كل هذه الأوساط - التي تؤدي للعدوانية والسلبية.
تعتمد هندسة هذا الكتاب على الجذور الزمنية، فكل مشكلة إنسانية يجب أن تفهم في سياقها الزمني. فالحاضر دائما ما يبني المستقبل. هذا المستقبل هو مستقبل القرن الذي نعيش فيه، مستقبل بلادي، مستقبل وجودي، أكثر مما هو مستقبل كوني، فلست أطمح في تشكيل العوالم المستقبلية، أنا ملك لزمني، ولزمني أعيش، وللمستقبل رجال يصنعوه، لكن مستقبلهم متصل بالحاضر بدرجة تجعلني أقيم الحاضر في إطار أوسع.
تتعامل أول ثلاثة فصول مع الإفريقي الحديث، حيث أقوم بدراسة الإفريقي اليوم، وسلوكياته في العالم الأبيض. أما عن آخر فصلين، فقد خصصتهما للتشخيص النفسي والفلسفي لحالة "أن تكون إفريقيا". وسيكون تحليلي في الفصلين ارتداديا (بأثر رجعي للفصول السابقة. المترجمة).
يعتمد الفصلان الرابع والخامس على قاعدة مختلفة، ففي الفصل الرابع سأتعرض بالدراسة والتحليل لكتاب أظنه في منتهى الخطورة، مؤلفه هو أومانوني، والذي كتب كتابه وهو يعني تماما الغموض الذي يعتريه، وأعتبر أن وعيه بغموض موقفه هذا هو أحد فضائله التي ستساعدنا في دراسته. فهو يعرض وجهة نظره في حالة ما (الحالة الاستعمارية. المترجمة) ومن حقنا أن نعلن عدم رضانا عن نتائجه، ومن واجبنا أن نبين للكاتب أوجه اختلافنا معه.
بالنسبة للفصل الخامس، والذي أعطيته عنوان "حقيقة السواد"، فأعتقد أنه هام لعدة أسباب، فهو يرسم صورة للإفريقي حين يواجه بعرقيته، وسنلاحظ أننا لن نجد قاسما مشتركا بين هذا الإفريقي، والإفريقي الذي يتوق للذهاب إلى الفراش مع امرأة بيضاء، فالأخير يبدو جليا أنه يتوق لأن يصبح أبيض، ولديه الرغبة في الانتقام في كل الأحوال، أما الأول، فعلى العكس تماما، سنلاحظ في هذا النموذج، الصراع الشديد للإفريقي الذي يرغب في اكتشاف معنى الهوية السوداء. فرضت الحضارة البيضاء والثقافة الأوروبية انحرافا وجوديا على الإفريقي، وسأتعرض في مجال آخر لما يسمى بالروح السوداء في إبداعات الإنسان الأبيض.
يشعر الإفريقي المتعلم، والذي تأثر بالأسطورة الكونية عن "الإفريقي التلقائي"، بأن بني جلدته لا يستطيعون فهمه، أو أنه لا يمكنه فهمهم، ثم يهنئ نفسه على ذلك، بل ويوسع هوة الفرق وعدم الفهم أو التجانس معهم، مما يشعره بأنه "إنسان حقيقي". وأحيانا، في حالات نادرة، يجد بداخله الرغبة في الانتماء لبني جنسه، فيحمل نفسه على الغضب ليلقي بنفسه في الهاوية السوداء، قد يظن البعض أن هذا هو المسلك البطولي، حيث تتخلى عن الحاضر والمستقبل في سبيل دفن الذات في الماضي الذي كان مزدهرا.
بما أنني كنت قد ولدت في جزر الأنتيل، فإن ملاحظاتي تنطبق أكثر على الإفريقي في الأنتيل، وربما أخصص كتابا آخر عن الفرق بين إفريقي الأنتيل وإفريقي إفريقيا في المستقبل، وربما لا أحتاج لذلك، وأهنئ نفسي على عدم حاجتي لإعادة كتابة ما سبق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.