ربما كان الرئيس حسنى مبارك في حاجة ماسة إلى أن يستقطع من وقته ليدعو فورا إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن القومي لدراسة كيفية التعامل مع طبول الحرب التي عاود رئيس الوزراء الأثيوبي ميلس زيناوى إطلاقها ضد مصر بشكل مفاجئ, بعدما أعلن بثقة مثيرة للدهشة والقلق أن مصر لا يمكنها أن تكسب حربا مع أثيوبيا على مياه نهر النيل كما اتهمنا بدعم جماعات متمردة في محاولة لزعزعة استقرار أثيوبيا. التصريحات التي أدلى بها زيناوى لوكالة أنباء رويترز على هامش ترؤسه لقمة زعماء دول الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا (منظمة دول الإيقاد) في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا ولم يصدر أي تكذيب لها من الحكومة الأثيوبية, تمثل انتكاسة كبيرة لمحاولات مصر السرية والمعلنة لاستبعاد خيار الحرب والمواجهة العسكرية مع أي من دول حوض نهر النيل وعلى رأسها أثيوبيا بسبب الخلافات المزمنة حول كيفية اقتسام مياه النيل المصدر الرئيسي للمياه للشعب المصري. الخطير فيما قاله زيناوى أنه جاء بدون مناسبة حيث لم تكن هناك مؤخرا على الأقل أية مشاكل معلنة في العلاقات المصرية الأثيوبية باستثناء ملف النيل, وهو مايعنى أن زيناوى أرد إرسال رسالة تحذير مباشرة إلى الرئيس مبارك تتضمن بالضرورة تلويحا بالحرب. مواقف زيناوى العدائية تجاه مصر وشعبها ليست جديدة على الإطلاق فهو سبق وأن اتهمنا قبل سنوات قليلة بتشكيل فرقة عسكرية خاصة ومدربة على حرب الأدغال. يومها قال رئيس الحكومة الأثيوبية بالنص:" «انه سر معلن أن السلطات المصرية لديها قوات خاصة مدربة على حرب الأدغال ومصر ليست معروفة بالأدغال، لذلك إذا كان للمصريين قوات خاصة مدربة في هذا الإطار فانه من المحتمل أن تكون مدربة للحرب في أدغال دول أفريقيا الشرقية». واليوم فقط عاد زيناوى ليكرر نفس العبارات بشكل مختلف حيث أبلغ وكالة رويترز انه غير راض عن تصريحات المصريين لكنه هَوَن من شأن زعم بعض المحللين أن حربا قد تندلع في نهاية المطاف. وأضاف "لا أخشى أن يغزو المصريون إثيوبيا فجأة فلم يعش أحد ممن حاولوا ذلك قبلا ليحكي نتيجة فعلته ولا أعتقد أن المصريين سيختلفون عمن سبقهم وأعتقد أنهم يعلمون ذلك." وأشار ملس إلى أن الاتفاقية الأصلية لتقاسم مياه نهر النيل بين دوله وقعت في عهد الاستعمار قائلا "على المصريين أن يحسموا أمرهم أيريدون العيش في القرن الحادي والعشرين أم في القرن التاسع عشر."وقال "ولذلك تبدو العملية معطلة." ما قاله زيناوى يعنى باختصار أن كل محاولات الحكومة لاكتساب هذا الرجل إلى جانب مصر أو تحييد خطره على مياه النيل قد باءت بالفشل, كما تعنى أيضا أنه بات يتعين على الرئيس مبارك أن يجرى وبسرعة كبيرة وبشكل عاجل وملح مراجعة لكل ما يتعلق بالعلاقات الأثيوبية المصرية. طبول الحرب التي يدقها زيناوى ليست جديدة على الإطلاق كما أوضحنا , لكنها مع ذلك تظل الأخطر كون الرجل يتحدث بثقة منفرطة في خيار الحرب بعدما أعلن اتهاما يستوجب ردا مصريا قاطعا بشأن علاقات مصر مع جماعات عسكرية مناوئة لحكمه وحكومته. في السابق كان السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري حريصا على تأكيد حسن العلاقات مع أثيوبيا حتى بدا أنه مشغولا بفكرة نفى تدهور العلاقات أكثر من العمل على معالجتها بشكل صحيح وواقعي. لقد برهنت أقوال زيناوى على أن سياسة القاهرة المعتادة في الإسراع بنفي أي تدهور للعلاقات الثنائية مع نظام الحكم في أديس أبابا وتطييب الخواطر والدبلوماسية الناعمة,هي سياسة فاشلة بكل المقاييس وإلا لكنا قد رأينا أثرها على تصريحات زيناوى العدائية وغير المبررة. ليس جديدا أن تحدث عن إخفاق السياسة الخارجية المصرية في ظل نظام انكفأ على ذاته في الداخل وانشغل بفكرة توريث السلطة وتمهيد الخلافة من الأب إلى الابن, لكن الجديد أن تتحول مصر بقامتها العظيمة المفترضة إلى حائط يبول عليه الكلاب من كل حدب وصوب. على أن دعوتي للرئيس مبارك لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي لا يعنى بالضرورة أننا نشجع أو نحرض على إعلان حرب عسكرية ضد أثيوبيا, ذلك أن المواجهات التي تتسم بالعداء بين الدول لها العديد من الطرق والوسائل المعلنة وغير المعلنة لتسويتها بهدوء. ربما تصور رئيس الحكومة الإثيوبية أن النظام المصري المشغول بمشاكله الداخلية وانتخاباته التشريعية ثم الرئاسية لاحقا, ليس في وضع يؤهله للرد على تهديداته المعلنة, لكن الخطورة الحقيقة هي أن تمر تصريحاته بدون وقفة أو عقاب فوري حتى لا تتكرر. مصر ليست بكل تأكيد هي فقط الرئيس مبارك أو حكومة رئيس الوزراء احمد نظيف, مصر الشعب والدولة يجب أن تبقى قوية وقادرة وفاعلة في كل وقت وزمان. لذلك يتعين على الرئيس مبارك أن يبادر فور عودته من رحلته الخليجية الراهنة إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن القومي لتوجيه رسالة شديدة اللهجة إلى زيناوى في أديس أبابا بأنه يتعين عليه عدم تكرار مثل هذه التصريحات التي تقلق الشعب المصري وتثير غضبه وحساسيته بشان مياه النيل. ينبغي أن تتخذ الدولة المصرية وعلى الفور سلسلة من الإجراءات البعيدة عن الدبلوماسية الناعمة التي ثبت بالتجربة أنها لم تكن نافعة أو رادعة. أتصور أن نطلب أولا توضيحا للتصريحات النارية لزيناوى مرفوقة بطلب استدعاء لسفيرنا المقيم في أثيوبيا لبعض الوقت, كما يتعين أن نتخذ قرارا جريئا بوقف العلاقات الاقتصادية والتجارية مع أثيوبيا بشكل متزامن. في المقابل على الرئيس مبارك أن يكتب رسالة غاضبة إلى زيناوى تحذره من تبعات الأمر وأن مصر لن تسكت على ماحدث ولن تسمح به, ولربما يكون مفيدا لو سأل الرئيس مبارك رئيس الحكومة الأثيوبية عن ماهية الأطراف الخارجية التي دفعته إلى إطلاق هذه التصريحات في مثل هذا التوقيت. في أزمات أقل أهمية من هذا اجتماع مجلس الأمن القومي الذي نص الدستور المصري في مادته رقم 182 على إنشائه تحت اسم (مجلس الدفاع الوطني) ويتولى رئيس الجمهورية رئاسته ويختص بالنظر في الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد، وسلامتها ويبين القانون اختصاصاته الأخرى. وربما يكون الرئيس حسنى مبارك هو أكثر رؤساء الجمهورية ولعا بفكرة استخدام مصطلح أو تعبير الأمن القومي في معظم خطاباته الرسمية, ذلك أن تلك العبارة الرنانة تثير ولا شك الشجن وتلهب الحماسة الوطنية والأهم أنها تضفى هالة على مقام الرئاسة. لكن المدهش مع ذلك, أنه من النادر أن يجتمع مجلس الأمن القومي الذي أزعم أن قطاعا كبيرا من الشعب المصري لا يعرف حتى بوجوده ولا طبيعته ولا تشكيله وكأنه تنظيم سرى يراد لحكمة لا نعلمها أن يظل بعيدا عن التناول الاعلامى أو متاحا لعموم الشعب رغم أن هذا حق مفروض.