الملحوظة التي لفتت نظري في مسلسلات رمضان – وقد تكون خاطئة - أن هناك محاولات لتحسين صورة ضباط الشرطة عند الناس، فما بين ضباط أمن الدولة الملائكة الذين قدمهم الأستاذ وحيد حامد في الجماعة (بالمناسبة هو أستاذ مهما اختلفنا معه)، وأخطأ المخرج محمد ياسين خطأه الكبير في المسلسل بعدم تركيبه لأجنحة لهم، ربما خوفاً من أن يتعامل معهم البعض بوصفهم (ظباط بالأجنحة) ويقارنوهم بمنتجات أخرى بالأجنحة (راجع الفقرة الإعلانية)، وما بين كمية الضباط والقيادات الأمنية التي ظهرت في أهل كايرو (لاحظ أن بطل المسلسل نفسه ضابط مباحث) ومحاولة بلال فضل تقديم صورة أكثر واقعية للضباط بعرض نماذج مختلفة لهم مع خلفياتهم الإنسانية وضغوط العمل، وهي المحاولة الأكثر توفيقاً، مروراً بضابط الكمين الذي يتعرف على (كابتن عفت) ويتعاطف معها فيحميها من الغرامة في أكثر من موقف(وإن كنت أعتقد أن أي كائن حي سيتعاطف حتماً مع ليلى علوي)، وصولاً لضابط أمن الدولة الذي أداه خالد سرحان في قصة حب والذي يتولى ملف الجماعات الإسلامية تلاحظ أن كل هؤلاء بشر يخطئون ويصيبون، بعيداً عن الصورة السائدة عند العديد من الناس في مصر والتي ترفض الداخلية الاعتراف بها وهي أن ضابط الشرطة في مصر مكروه..، ومكروه بشدة كمان. طبعاً حين تردد العبارة الأخيرة تجد ميليشيات منظمة تهاجمك وتتهمك بالتحامل على ضباط الشرطة الذين هم بمثابة الأبناء والأخوة، والذين يسهرون لراحتنا، ويتحملون الأذى من أجلنا إلى آخر الاسطوانة المشروخة اياها التي مللنا من سماعها ولم يطور أصحابها من أدواتهم ولا أساليبهم في ترديدها. الموضوع وما فيه أن هناك ثقة مفقودة بين الناس والشرطة في مصر (وهذه حقيقة علمية مثلها مثل الانتحار الجماعي للبطاريق لا تستطيع الداخلية إثبات عكسها) تصل بهم – بالناس يعني - لدرجة كره الضباط وعدم تصديقهم في أي شئ والتعامل معهم على اعتبار أنهم كائنات مخيفة، وهي الصورة الذهنية المحفورة في أذهان أي بني آدم مصري. وإذا كان الاعتراف بالمرض هو أول طرق العلاج فمشكلة وزارة الداخلية أصلاً أنها لا تعترف بوجود هذا المرض من أساسه بل (تستعمينا) وتتعامل بمبدأ إحنا كويسين بس انتو اللي مش واخدين بالكم. بالطبع احنا مش واخدين بالنا من المعاملة غير المحترمة التي يلقاها أي مواطن مصري يدخل قسم الشرطة ولو لتقديم بلاغ، ومش واخدين بالنا من التعذيب وقضاياه، ومش واخدين بالنا من تعامل الضباط وأمناء الشرطة غير المحترم مع الناس والشتيمة بالأب والأم، ومش واخدين بالنا من الفصام الرهيب الذي يعانيه بعض ضباط الشرطة الذين لا يتورع بعضهم عن سب الدين وفي يده سبحة قبل أن يدخل ليصلي الفرض الذي فاته (قسماً بالله حدث ذلك أمام عيني).مش واخدين بالنا من العديد من التصرفات الغبية والممارسات الأكثر غباء التي تحدث ضد المتظاهرين والمعتصمين رغم أن نسبة ذكاء قليلة لو توافرت لانقلب السحر على الساحر بدلاً من أسلوب عصابات شيكاغو وتحطيم الكاميرات والشرطة النسائية وضرب المتظاهرين وفرق الكاراتيه وعسكري الأمن المركزي الغبي الذي أصبح مضرب المثل في غبائه العقلي قبل البدني. سيقول السفهاء من الناس أنه سلوك فردي وأن التعميم خطيئة، وهو ما يثبت (بالتجربة) كم هم سفهاء في هذه النقطة، فالسلوك ليس فردياً ونراه في قطاعات عديدة من الشرطة خاصة العاملين في المباحث والذين يتعاملون دائماً مع المجرمين والمسجلين الخطر وغيرهم من قطاع طرق السعادة والأمان وهو ما يجعلهم – حسب قول بعضهم – يتحدثون بلغتهم للدرجة التي يحتاجون معها حتماً لطبيب نفسي لأن أي منصف سيرى أن كثير منهم (وليس كلهم عشان التعميم) أصبحوا يتعاملون مع الناس البسطاء أنفسهم على أنهم مجرمين!! نموذج ضابط الشرطة المحترم الذي أعرفه موجود بالتأكيد، وتعاملت مع بعضهم، لكن الانطباع العام انه غير موجود فهل يعرف أحد لماذا رغم محاسبة العديد من ضباط الشرطة المتجاوزين، ومحاكمة بعض الضباط في قضايا تعذيب؟ الإجابة هي أن هناك مستفيد من بقاء هذه الصورة كما هي.هناك مستفيد من تخويف الشعب المصري من الشرطة ووضعها في صورة البعبع بعد أن كانت قديماً في خدمة الشعب لتصبح هي والشعب في خدمة الوطن الذي سيطر عليه الحرامية والفاسدين. الداخلية نفسها تعرف العرض والمرض والعلاج لكنها لا تريد أن تصرفه.الداخلية تعرف أن أغلب أمناء الشرطة والمخبرين أصبحوا مثل قطاع الطرق، كما تعرف أسلوب تلفيق القضايا وتقفيل المحاضر كل عام، وتعرف عن الضباط الذين يقلبون عيشهم في كمائن المرور أو الأمناء الذين يحصلون الكارتة من سائقي الميكروباصات أو الذين يستخرجون رخص القيادة مقابل مبالغ معروفة أو الذين يقومون بتحريز المخدرات والبانجو وإعادة استخدامهم أو بيعهم، كما تعرف أن المرشدين الذين تستعين بهم هم أصلاً مسجلين خطر وسوابق ولهم مزايا في الاقسام وصداقات مع الضباط.الداخلية تعرف كل ذلك.والداخلية أيضاً ترغي دائماً فيما يخص مرتبات ضباطها الشحيحة وتعبهم الدائم.
صحيح هناك ضباط في غاية الاحترام ويعرفون أن الله منتقم جبار، وهناك ضباط في غاية الشياكة والأدب والأخلاق في التعامل مع الناس دون واسطة. هؤلاء نراهم في المطارات وفي الإطفاء وفي شرطة السياحة وفي الجوازات وفي عدد كبير من قطاعات الشرطة.بل في كل قطاعات الشرطة حتى نكون منصفين لكن لا يصلنا منهم ولا من أخبارهم وعلاقتهم الطيبة والسوية بالناس سوى شذرات نقرأ عنها في مطاردة ضابط لأشخاص حاولوا خطف فتاة أو مساعدة ضابط لمريضة أو غيرها من الحوادث التي نقرأ عنها ونستغرب وجودها رغم أن وجودها من المفترض أن يكون هو الأساس. الداخلية حتى الآن مستمرة في (تسويئ) صورتها لأنها جعلت من ضباطها فوق الجميع، مع أن تسويق إنجازات الضباط اللي بجد والذين يستحقوا كل إشادة يجب أن يكون في مقدمة أولوياتهم بدلاً من الضباط اللامؤاخذة الذين يختبر الله إيماننا بهم ويكفر عنا سيئاتنا بالتعامل معهم.