زمان .. كنت أعتقد أن الكتابة العميقة هى الكتابة غير المفهومة .. و كنت أعتبر الكتابة التى لا تحتوى على كلمات من قطعية "فونومونولوجيا" و "أنطولوجيا" و "لازورد" و "ديالكتيك" و "ليلك" و "حداثة" و "أدونيس" كتابة سطحية لا ينبغى على البنى آدم منا أن يضيع وقته فى قراءتها .. و كان الكاتب العميق فى رأيى هو الكاتب الذى بعد أن تنتهى من روايته أو من قصيدته أو من مقاله تكتشف أنك لم تفهم شيئاً .. كنت أعلم وقتها أن تلك الكتابة أصلاً ليست موجهه لى و إنما للنخبة المثقفة التى من المؤكد أنها تفهم ما الذى يقصده هذا الكاتب العميق لدرجة عدم فهم كتابته من فرط عمقها .. و كونى تطفلت على تلك الكتابة التى لم تكتب لأجلى فإن هذا لا يعنى أبداً أننى ينبغى عليا أن أفهمها .. و دوماً ما كانت أفكارى تلك تنتهى بقرار الإستمرار فى قراءة تلك الكتابات العميقة و غير المفهومة من منطلق أن الزمن و الإستمرار فى القراءة كفيلان بجعلى أبدأ فى فهم هؤلاء الكتاب غيرالمفهومين .. و فى إحدى ليالى التحولات النفسية .. تلك الليالى التى يبدأ فيها إدراكك لحقيقة الأشياء فى التشكل .. إستيقظت منزعجاً إثر كابوس مخيف رأيت نفسى فيه أقف فى وسط أرض قاحلة و غير مأهولة بالسكان .. تحوطنى تكوينات صخرية حادة و مخيفة و صلدة .. و على مقربة منى يتصارع وحشان أسطوريان منقرضان لا يكادا يريانى من فرط كبر حجمهما و من فرط صغر حجمى .. كانا خلال قتالهما لا ينطقان سوى بزمجرات عنيفة على هيئة كلمات .. ينفث أحدهما ناراً من أنفه فى وجه الآخر وهو يصرخ فيه .. "فونومونولوجيا" .. فيفتح الآخر فمه الواسع كاشفاً عن صفين أنياب لولى ثم يهجم عليه و يمنحه عضه مميته فى رقبته عن طيب خاطر و هو يزمجر مثبتاً تفوقه .. "أنطولوجيا" .. يقوم الأول معاوداً هجومه و صارخاً .. "فونومونولوجيا" .. فيرد الثانى الهجوم العنيف بهجوم أعنف و هو يزمجر .. "أنطولوجيا" .. يستمر الوحشان المخيفان فى صراعهما حتى يظهر من خلف إحدى الصخور وحش ثالث واضح تماماً من دخلته عليهم أنه الأعنف .. يندفع تجاههما هما الجوز و هو يصرخ قافشاً .. "ديالكتيك" .. يتصاعد الصراع بينهم و تبدأ الأرض فى الإهتزاز بعنف من تحتى .. يلمحنى أحدهم بجانب عينه .. يهمس بشىء للوحوش زمايله .. يتوقف صراعهم فجأة .. و ينظروا ثلاثتهم تجاهى .. و يبدأوا فى التحرك نحوى بشكل منظم و بطىء و مرعب على خلفية صوت مخيف لسيدة عجوز تلقى إحدى قصائد أدونيس .. الآن الفزع لم يعد محتملاً .. أحاول التراجع إلى الخلف .. أرجلى مشلولة عن الحركة .. أحاول الصراخ .. صوتى مش عايز يطلع .. أهز رأسى فى محاولة للتخلص من تلك القيود الوهمية التى تمنعنى من الحركة أو الصراخ .. الوحوش تقترب منى أكثرفأكثر .. قصيدة أدونيس تتصاعد و تصبح مخيفة أكثر فأكثر .. ثم ....... أستيقظ فجأة و أنا أصرخ .. "لأاااااااااااا" .. أفرك عينى .. و أنظر إلى كل ذلك العبث الذى كنت أعتبره كتابة عميقة .. و أكتشف فجأة أنها كتابة عبيطة .. مش عميقة ولا حاجة .. الكتابة التى لا يفهمها سوى كاتبها فقط هى كتابة عبيطة .. الكتابة التى لا يتفاعل معها قارئها هى كتابة سطحية .. لهذا .. و بناءً على ما تقدم ذكره .. الرجاء عدم التركيز قوى مع أخبار إنتخابات مجلس الشعب القادمة .. فهى أشبه بقصيدة حداثية فونومونولوجية أنطولوجية تعتمد على الديالكتيك فى إيصال المفهوم التفكيكى للبنيوية الشعرية فى إطار تكعيبى حاد لا يعترف بالمرجعيه الهيجلية مستبدلاً إياها بديالكتيك آخر يعتمد فى الأساس على أنه الحزب الوطنى هو المؤلف الوحيد لقصيدة الإنتخابات القادمة .. و هى كما ترون حضراتكم بأنفسكم .. قصيدة ملتبسة و غير مفهومة .. و القصيدة الملتبسة و غير المفهومة و اللى مايفهمهاش إلا اللى كاتبها تبقى قصيدة إيه ؟ .. بالظبط كده .. تبقى قصيده عبيطه .. السؤال الآن هو .. و طالما هى قصيدة عبيطه .. شاغلين بالكو بيها أوى كده ليه ؟!