بالرغم من كراهيتي الشديدة لقناتي الناس والرحمة - مع الاحتفاظ باستمتاعي بفتيان الإعلانات اللذين كانا يظهران بالبذلة وزبيبة الصلاة واللحية ليعلنا عن دستة أكواب وطقم ملايات وأكياس مخدات - إلا أنني قررت، بعد أن عصرت غيطا من الليمون على نفسي، أن أتضامن معهما، وأحتج على منعهما من البث. ذلك لأن الأخلاق لا تتجزأ، ولا يجوز بحال من الأحوال أن تطالب بالحرية لفصيل، أو مجموعة، أو اتجاه، ثم تصمت على منع آخرين لأنك تكرههم، وترى أنهم تدميريون، وأنهم تسببوا في سريان موجة عارمة من الكراهية في الشارع المصري، وأنهم مصابون بلوثة عقلية، ويتحكمون في عقول الناس إما ليصيبوهم بعدوى الخبل، أو يخرجوهم من دينهم تماما. أنت تراهم كذلك، وربما هم كذلك بالفعل، لكن المنع ضعف، والمشاكل الناتجة عن الحرية، لا تعالج إلا بمزيد من الحرية، مع تحفظي الكامل على استخدام كلمة حرية في جملة واحدة مع دولة مصر. كما أن العدل أساس الملك، وأساس الحكم، وأساس الأخلاق، وشرط الإيمان لا يتحقق إلا بأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، ناهيك عن أن تكره له ما تكرهه لنفسك، فهذا شرط الإنسانية لا الإيمان، والناس إما أخ لك في الدين، أو أخ لك في الخَلْق. أهم بني آدمين في الآخر يعني. دفعت نفسي دفعا للتضامن مع قناتي الناس والرحمة، ثم انشغلت، أو تشاغلت، بأزمة الدستور، وعملت نفسي مش فاضية لهم دلوقت. حتى خرج علينا د. صفوت حجازي بتصريحاته اللوذعية، التي تحدث فيها عن اندهاشه من أن أجهزة الدولة - الذي اعترف بأنه يتلقى منها التوجيهات والأوامر - قد غيرت سياستها التحريرية هي راخرة، وقررت أن لا مساس بالشيعة والمسيحيين، بالرغم من أنها كانت قد أوصتهم بسباب الشيعة والمسيحيين منذ خمس سنوات (لا، ليس هجوما، بل سباب صراح)، وما زاد اندهاشه هو أن أمن الدولة منعهم، بالرغم من أنه يستطيع "بتليفون صغير تقولوا لنا نقول إيه وما نقولش إيه"، ثم أسهب في الحديث عن القعدة، لا مؤاخذة، على الحجر، وأكد أنهم على حجر الدولة الآن، "وما تخلوناش نروح لحجر تاني". حجر تاني؟ أنتم أدمنتم الحجور ولا إيه؟ يا رااااجل، ها؟ وإيه كمان؟ قول قول ده القعدة حتحلو.. يبدو أن الدكتوراه التي أعدها صفوت حجازي في التخطيط العمراني للمدينة المنورة، والتي لا تؤهله للإفتاء في الدين، لا تؤهله أيضا لفهم طبيعة العمل مع أجهزة النظام المصري. من يقبل بتلقي الأوامر والتوجيهات والتليفونات الصغيرة من أمن الدولة يا دوك، لا يتناقش فيما يملى عليه. قالوا لك سب الشيعة والمسيحيين وقبلت، فعليك أن تقبل بتغيير حديثك عن الشيعة والمسيحيين إذا ما أمرك أولياء نعمتك، ومن حق أمن الدولة أن يغير سياسته التحريرية وفقا لما يراه، ذلك لعدم توفر شرط الضمير، ولا الضمير نفسه، في إطار العمل مع أجهزة الدولة. هارش؟ نترك المتخصص في التخطيط العمراني للمدينة المنورة، والذي أفتى في الهاتف لامرأة بجواز الإجهاض حتى الشهر التاسع، لمجرد أن زوجها - صديقه - كان لا يريد الطفل، ثم خرج في اليوم التالي على إحدى الفضائيات يفتي بحرمة الإجهاض من اليوم الأول، ونلتفت لأولياء نعمته. أيوه يعني، لماذا أمرتوه بسباب الشيعة والمسيحيين أيها الأولياء؟ ألا ترون ما فعلتوه بالبلاد؟ أنتم مجرمو حرب، وتتحملون أمام الله، والشعب، والتاريخ مسئولية كل حادث طائفي في مصر، وكل أفعال مشينة، وسلوكيات بغيضة، نتجت عن التعصب الطائفي والمذهبي، ومن أقنعكم بأنكم ستفلتون من العقوبة هو واهم. سيأتي اليوم الذي تحاسبون فيه على كل هذا الخراب. الآن، لا يدمي قلبي، ولا يستحوذ على كل تضامني سوى هؤلاء المغفلون الذين أمضوا أعواما في تقديس وتبجيل مخبرين لمجرد أنهم يطلقون لحاهم. وبعدين إيه الدكاترة اللي كتروا في حياتنا وكلهم بيشتغلوا في غير تخصصهم دول؟