رحم الله الدكتورة مني أبو النصر.. لقد تمكنت هذه السيدة من تغيير النظرة التي كان ينظر بها الناس إلي أعمال الأطفال؛ فبعد أن كانت هذه الأعمال تواجه بشيء من التعالي والاستخفاف، وبعد محاولات متواضعة تمت من قبل آخرين لتنفيذ أفلام كارتون قصيرة.. استطاعت الدكتورة مني أن تحقق نجاحات مذهلة متتالية.. وتمكنت بأقل الإمكانات وفي أصعب الظروف من تنفيذ مسلسل «كاني وماني»، ثم السندباد البحري ثم بكار- والذي بلغت أعداد المتابعين له في إحدي السنوات إلي أربعين مليون مشاهد، وهو رقم عملاق لم يتوفر للعديد من المسلسلات العالمية الشهيرة ويمثل 97%من إجمالي مشاهدي التليفزيون في مصر في ذلك الوقت -.. وبالإضافة إلي ذلك استطاعت الدكتورة مني أن تقدم العديد من الكوادر في مجالات الأداء الصوتي والموسيقي.. وصار - بفضلها - قسم الرسوم المتحركة بكلية الفنون الجميلة هو أحد أكثر الأقسام شعبية بين الطلاب وراغبي الالتحاق بالكلية. التقيت بها منذ خمسة عشر عاما في مثل هذه الأيام، وهو اللقاء الذي كان نقطة التحول الحقيقية في حياتي.. ليس فقط بسبب النجاح الذي تحقق مع الأعمال التي قمت بكتابتها وقامت هي بإخراجها، ولكن أيضا لأنها كانت شخصية استثنائية من الطراز الأول تعلمت منها الكثير، فقد كانت الدكتورة مني أستاذة جامعة وفنانة ومخرجة ومديرة ماهرة وقائدة، وفي نفس الوقت زوجه وأم.. وكان كل شيء ينال نصيبه الكافي من اهتمامها لدرجة أنك تظن أنها لا تفعل شيئًا آخر غيره.. كانت تمتلك إرادة فولاذية وتصميما هائلا علي النجاح والتفوق بالرغم من صعوبة تحقيق ذلك في مجال كان يعج وقتها بالفاشلين والمدعين والحاقدين.. تعلمت منها أن أشياء كثيرة ممكنة.. وأن منح الفرص للشباب الكفؤ يؤدي إلي تحقيق معجزات.. لقد بدأت العمل في مكتب صغير أسفل منزلها كان يضم سبعة رسامين وعندما انتقلت إلي رحمة الله كان عدد العاملين في مكتبها قد وصل إلي مائة وعشرين رساما من كل التخصصات.. ولم ألتق في حياتي بمن هو أقدر منها علي الإدارة أو أحرص منها علي الاهتمام بأدق تفاصيل العمل أو أكثر منها تفانيًا وإخلاصًا وإيمانًا بأهمية ما تفعل. ما أحوجنا إلي أمثال هذه الشخصيات القوية العظيمة.. الشخصيات التي تضع أهدافها نصب أعينها ولا تحيد عنها أو ترضي عنها بديلا؛ فهذه الشخصيات وحدها القادرة علي أحداث طفرة أو تغيير أو إنجازات حقيقية.. وهي وحدها القادرة علي تحويل الفوضي إلي نظام والفشل إلي نجاح بعد أن قادنا أنصاف الموهوبين وعديمو الكفاءة إلي التردي في هوة الفشل والبؤس للدرجة التي صارت معها أكبر أمانينا أن نجد مسئولا قادر فقط علي تنظيف الشوارع من القمامة أو إيقاف حريق قش الأرز.