المهمة لم تكتمل.. ولن تكتمل في كل الأحوال.. ولن تصبح أبدا (ميشين أكامبليشد).. فقد تحولت العملية الاستخباراتية من ما يشبه جراحة خاطفة بالليزر لم تكن لتستغرق 45 دقيقة، إلى عملية شق بطن مفتوحة الأمد وغير محسوبة العواقب تنطوي على مخاض عسير تحول بدوره إلى ما يشبه حرب الاستنزاف.. لقد نسي الدكتور الماهر "الفوطة" في بطن المريض!!.. لا لا.. لقد شخص الدكتور الحالة باستغباء واستعلاء.. صحفيو الدستور المعتصمين على بلاط نقابة الصحفيين باتوا يمثلون حالة فريدة من نوعها، ليس فقط في مصر بل في كل بلاد العالم المتحضر والمتحرر من قيود الخوف والإنهزام والانصياع لمشيئة النظام.. وفي هذا الزمن الأغبر، يأتي هذا المشهد في توقيت مهم جدا لكل مواطن مصري شريف لا يزال يتذكر أن هناك مفردات وكلمات ومرادفات للشرف والأمانة والعفة والرجولة.. لماذا نستكثر على بلد ال80 مليون بني أدم أن يكون فيه "أحرارا"؟!!.. "أحرارا" بمعنى الكلمة.. أناس سيكتب عنهم التاريخ، لا، بل هم أنفسهم يحركون التاريخ ويصنعون التاريخ ويسطرون حاليا سيناريو يعيد لسينما الواقع رونقها وبريقها المفقود، سيناريو لو تلقفه المخرج الراحل يوسف شاهين لجسده في ملحمة وطنية تستنهض ذكريات أكتوبر المجيد.. نعم.. هؤلاء المستمسكون بعروة "الدستور" أناس غير عاديين.. أناس - ليس مثل الكاتب يخشى على "أكل عيشه" – وإنما هم أناس يؤمنون بقضيتهم ويتحصنون بمهنيتهم ويقبضون على مبدأ لا يحيدون عنه مهما كانت العواقب والمغريات، وهم يعلمون أن الرزق في السماء وما يوعدون، والمواقف الرجولية والبطولية لا يصنعها إلا الرجال.. الأشداء.. رجال حتى لو خسروا رواتبهم فستنتصر لهم في نهاية المطاف قضيتهم ورسالتهم.. رجال عاشوا وتعايشوا في أحضان تجربة خالدة اسمها "الدستور".. لقد ظلت "الدستور" مرادفا للمهابة والمهنية والشرف المنقوع في عبق الوطنية.. وظل أي منتسب لهذا الصرح الصحفي الذي اهترم بالعرق والجهد يشعر بالفخر والإعتزاز، ولما لا وهؤلاء المؤمنون بقضية أمة خلفوا إرثا مهنيا لا يعرف قيمته إلا أشراف هذا البلد، وهؤلاء في واقع الأمر قليلون قليلون ومتناقصون.. لقد انكشف هؤلاء إن لم يكن أمام مرآة ذاتهم، فأمام الناس من حولهم، وتحولوا من أقزام تتخفى وراء قناع من الحياء، إلى أقزام تعربد بدون استحياء، تحولوا إلى دميات وقطع شطرنج يحركها النظام كيف يشاء وقتما يشاء.. لكنهم وبعد أن تجاهلوا خيانتهم لأنفسهم، فشلوا حتى أمام النظام، ولم تكتمل (الميشين) التي كانوا قد تشدقوا بقدرتهم وبراعتهم على تنفيذها في الزمن المحدد ووفق الخطة الموضوعة.. وفي النهاية، ومهما تكون النهاية، لن يموت الجنين.. ولن يجدي نفعا استعلاء الدكتور.. بل سيسقط الدكتور.. وستبقى الدستور..