من أين بشخص يتعامل برفق مع قصاصتهم الصغيرة التي تركوها علي مكاتبهم بنوايا طيبة دون أن يعلموا أن سارقاً ما سوف يأتي؟ من سيلمس بحنان مقابض أبوابهم التي سقطت عليها دموعهم ونبتت فوقها أحلام وقصص حب ومواقف حقيقية...هم يدفعون ثمنها الآن عن طيب خاطر؟، تلك الحجرات التي عايشت معهم لحظات ضعفهم هل ستبقي علي قيد ولائها لهم مثلما سيبقون هم علي قيد محبتها؟، أم سيتَسلم مفتاحيها آخرين يدهسون خطواتهم وذاكرتهم؟ هل الجدران ستحفظ أسرارهم أم ستُطلع هؤلاء الآخرين علي توتراتهم السرية وأنفاسهم المختنقة وسخطهم الدائم؟ زوايا الطرقة التي كانوا ينظرون إليها بتأفف ويشيحون بوجوههم عنها..هم في شوق عاصف إليها الآن..كيف يمكن لنا نحن محرري الدستور أن نفسر هذا؟..الصخب الذي كان يزيد من عصبيتنا وغضبنا أصبح بعيداً جداً، لكن تري لماذا أصبح جميلا إلي تلك الدرجة؟ ولماذا هناك حنينا جارفا إلي أشياء كنا نظنها تعذبنا؟ مثل تلك الكلمات العصبية التي كانت تتردد منذ الصباح وحتي موعد تقفيل العدد: "فين الموضوع..أتأخرنا..مش معقول كده"؟ "أنا حميدة أبوهميلة..صحفية في الدستور كنت بكلم حضرتك.." هل أنا حرمت من تلك الجملة إلي الآبد؟، "لا أصدق"..أتسائل ماهي الكلمة التي يمكنني أن أضعها بديلا ل"الدستور"؟، لو كان هناك بديلاً لذلك الكيان الذي علمنّا وصنعنا وصنعناه وأحببناه وغضبنا منه وأبكانا وبكينا عليه لما كنا هنا الآن. هل هو اختبار عاطفي؟ لو كان..فلمن وضعوه نطمئنكم إنه اختبار ثقيل جدا، قاتل، ومرعب، وغير مرحب به...هل تجوز المساومة هنا؟ لو كان فخذوا أسمائنا لانملك سواها خذوها وأعيدوه لمن ينتظروه، أعيدوه أو أغلقوه طويلا لكن لاتعذبونا به هكذا لاتعذبونا بصفحاته المشوهة التي تقول لنا ببجاحة أن إنجازانا طوال سنوات مضت تحوّل إلي صفر كبير..كبير جداً لن نقوي علي حمله.