كان هو الحاضر الغائب في فرح صغري كريماته « رضوي».. صورة تملأ المكان، يُطل علي الحضور ببسمته وصفائه وروحه الوثّابة. ولكنه كان هناك بجسده خلف أسوار السجن في مزرعة طره بعنبر (2) المئات الذين توافدوا من كل مكان في مصر، وفي مقدمتهم المرشدان (السابق والحالي) ورموز مصر السياسية وكبار الإخوان وشبابهم وأطفالهم، حضروا جميعاً ليشاركوه وأسرته وأسرة العريس (د.عبد الرحمن علي عبد المبدي) فرحتهم التي شابها كدر الغياب القسري الظالم، بحكم ظالم قاسٍ. لو شارك آل الشاطر أفراحهم هؤلاء الذين قضوا مع المهندس «خيرت الشاطر» شطراً من حياتهم في سجون مصر، حيث جمعتهم الأسوار العالية، وصهرتهم المحن المتتالية، فصاروا أسرة واحدة لضاق بهم المكان، فقد توالت علي الأخ خيرت الاعتقالات ثم المحاكمات العسكرية، وكان باستمرار أحد المطلوبين بإلحاح من أجهزة الأمن. بدأت بقضية «سلسبيل » عام 1992، ثم وفد علينا عام 1995، بعد ستة شهور قضيناها في السجن مع نخبة من الإخوان الكبار لنحاكم جميعاً في أول محاكمة عسكرية في أواخر عام 1995، قبيل الانتخابات البرلمانية، لتصدر علينا الأحكام قبل يوم الانتخابات بأيام قليلة لتكون الرسالة واضحة لجميع الإخوان، ولم ينجح أحد ( سوي علي فتح الباب) واستمرت مسيرة الإخوان ليفاجأ الجميع بعدها ب 5 أعوام بالنجاح عام 2000 ثم النجاح المدوي عام 2005م. قضينا معاً معظم السنوات الخمس التي قضت بها المحكمة العسكرية، فكان نعم الأخ ونعم الصاحب في السجن، لا تفارق البسمة شفتاه وعندما حان اتخاذ القرار الصعب بزواج كبري كريماته «الزهراء» تشاورنا جميعاً، وقد سبقها - فيما أذكر - ابن أحد الإخوان لعله الشيخ عاشور غانم من المنوفية، فكان التوجه هو أن تمضي الحياة بأفراحها وأتراحها رغم صعوبة السجن وقسوة السجان، وألا يتم تأجيل الأفراح إلي ما بعد الإفراج، فشهدنا عشرات الزيجات التي زادت أواصر المودة بين أسر وعائلات الإخوان. وخلال تلك السنوات الخمس زوّج « خيرت الشاطر» 3 من بناته الزهراء، وخديجة، وعائشة. وأفراح السجون لها طعم خاص، فهناك حفلتان، حفلة عادية في العرس الطبيعي خارج السجن، حيث العروسين والأهل والأحباب، وحفلة لها طعم خاص داخل الأسوار، يغيب عنها العروسان لأنها تكون بعد غلق الأبواب، ويتسابق فيها الخطباء من النزلاء لتقديم التهاني للوالد المحبوس. لم أعش هذه اللحظة كأب، فقد قدّر الله لأسرتي أن يتم زواج أولادي جميعاً بين فترات الحبس وبعيداً عن ظلمات السجون. لذلك عندما فكرت في عنوان هذا المقال تحيرت كثيراً، بين : لا تحزن وتهانينا، فكان أن أقدّم التهنئة لأخي الحبيب عبر صفحات الجريدة بعد أن قدمت التهنئة لولديه «سعد وحسن، وشقيقيه هاني وبهاء». هذه الدعوة : دعوة الإخوان المسلمين، لن تموت، ولن ترهبنا السجون ولا المحاكمات، ولن يقطع وصال الحب بين أبنائها وبناتها قسوة الظلم وإرهاب الخصوم. لقد رأيت في «فرح رضوي وعبد الرحمن» رموزاً من أطياف شتي، يضيق المقام عن عدّهم وتكرار أسمائهم، لهم منا جميعاً كل التقدير والاحترام، لعلهم شاهدوا في بعض هذه المناسبات، وجهاً آخر من وجوه الإخوان المسلمين، إن دعوة الإخوان دعوة شاملة محيطة بكل مظاهر الحياة، والأخ المسلم يريد في حياته كلها ومسيرته أن يلتزم بشرع الله،، هنا الوجه الإنساني والاجتماعي للإخوان المسلمين يغيب عن كثير من المراقبين، وهو من أهم أسباب قوة الإخوان المسلمين، لأن ما وصله الله بالحب والتراحم لن يستطيع بشر مهما أوتي من سلطان أن يفصمه أو يقطعه، وما يربط بين الإخوان وأجيالهم المتتالية ليس مجرد مشروع سياسي أو فكري، يمكن أن يتحطم عند أول خلاف أو اختلاف، كما يحدث في تجمعات أخري، ضعفت أو انتهت مع الأيام. لقد كانت أسرة «خيرت الشاطر» مثالاً مجسداً لتوالي المظالم عليها ولعلي لا أذكر أنه حضر عرس إحدي كريماته حراً طليقاً، وهن كثيرات، بارك الله فيهن وفي أسرهن وأولادهن، ولعله يحضر بإذن الله أفراح أبنائه الذين كان قدر الله أن يكونوا بعد البنات «سعد، وحسن» فنفرح معهم فرحة مضاعفة بمشيئة الله تعالي. أفراحنا حتي ونحن خلف الأسوار ينغصها القلق علي مستقبل هذا الوطن، فعندما أتأمل وجوه الأحفاد أتساءل : ماذا يخبئ لكم القدر؟ وماذا يخبئ لهذا البلد الذي تدهورت فيه الأحوال، ويعيش يومياً علي وقع الأزمات المتتالية؟ قلق لم يعد علي توفير الخدمات وتحسين أداء المرافق وحسب، بل علي النسيج الاجتماعي المتماسك المترابط علي مدار القرون، والذي بات مهدّداً من رموز لها ثقلها في أوساطها بتصريحات خطيرة، لم يتم الاعتذار عنها، ولا التراجع حتي الآن. قلق يسببه غياب الدولة وتراجعها وضعفها أمام طائفية بغيضة تطل برأسها بين الحين والآخر، ويتم إهدار الدستور نفسه بسهولة بعد أن تم إهدار أحكام القضاء واستخدام المحكمة الدستورية في غير موضعها لإرضاء الكنيسة. قلق بسبب التمييز بين المواطنين لصالح البعض علي حساب البعض الآخر الذي يتم انتهاك حقوقه الأساسية وتصادر أمواله ويمنع نشاطه لنفس السبب الذي يتم التغاضي عن كل أخطائه وخطايا الآخرين، فأين التشدق بالمواطنة والمساواة؟ وأين إعمال الدستور والقانون؟ وأين تلك الأصوات الزاعقة ضد غالبية المواطنين لصالح تمزيق الوطن الذي عاش أربعة عشر قرناً متماسكاً في ظل شريعة الإسلام الخالدة التي تُعلي من حقوق كل المواطنين تحت مبدأين راسخين هما: «لا إكراه في الدين» والمبدأ الثاني: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا » حفظت الشريعة تلك المبادئ الراسخة بينما ضيعتها الدساتير والقوانين الوضعية. قلق علي مصر التي تعيش في وسط عربي تتمزق بلاده، بلداً بعد بلدٍ، فها هو السودان يعيش في انتظار انفصال الجنوب والعراق يتمزق واليمن يتململ.. إلخ. أليس من حقنا أن نقلق بشدة علي مستقبل مصر وتماسكها في ظل تراجع الدولة البوليسية التي تسجن الشرفاء وتصادر أموالهم بينما تتراجع أمام آخرين ؟! أليس من حقنا أن ننزعج بشدة من أوصياء فرضوا أنفسهم علي البلاد دون سند من تأييد شعبي أو انتخابات حرة نزيهة، لا يهمهم إلا تأمين مصالحهم ومصالح أبنائهم وأسرهم ؟ القلق شديد ولكن الأمل لا ينقطع في صحوة ذلك الشعب يوماً ما لابد آت عن قريب. أخي خيرت: مهما اشتد الظلم، ففرج الله قريب ومهما اسود الليل، فانبلاج الفجر قريب ومهما كانت قسوة الظالم، فرحمة الله قريب من المحسنين ومهما كان غيابك، فحضورك كان طاغياً أخي خيرت: لقد رأيت أجيالاً من الإخوان، من كل البقاع، شيباً وشباناً حضروا أمس يحيطون بالأسرتين والعروسين، كانت البسمة علي كل الشفاة، ودموع الفرح تنسال أحياناً من بعض العيون، والجميع يلهجون بالدعاء إلي الله أن يعجل بالفرج لك ولإخوانك الأحباب. أخي خيرت: الأمل في الله تعالي يملأ قلوبنا بنصر من الله لدعوته وشريعته والأمل في الله تعالي يملأ قلوبنا برحمة من الله لهذا البلد المنكوب وسط هذه الأمواج المتلاطمة من المشاكل والقيود. أخي خيرت: عهدنا مع الله قائم وثابت، ورجاؤنا لا ينقطع في نصره ورحمته، تهانينا، وبارك الله للعروسين، وبارك عليهما وجمع بينهما في خير. والله أكبر ولله الحمد،،