رغم أنك لم تكن أبدا من جند سليمان عليه السلام الذين يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل، ورغم أنك لم تعصي أمره ولم تكابد غضبه وتتلقي عقابه، وبرغم أن خبرتك بعالم العفاريت والجن لا يتعدي المحاذير من الدندنة في الحمام والنظر كثيرا في المرآة ومكوثك غير بعيد تستمع مرتجفا لحواديت الجدات التي دائما ما تنتهي ب (قصدك رجل معزة زي دي)..!! ألا أنك تأبي إلا أن تحيا بداخل مخدعك (القمقم).. تكوع علي أرضه اللزجة الباردة، جامعا ذيلك بين ساقيك، مقتصدا في تنفسك لخيط الهواء الرفيع الذي يأتيك عبر (البزبوز). تغوص في ظلام دامس وكأنما من وضع القمقم الذي تحيا بداخله في القبو الموجود به تحت سبع أراضين هو الوزير (حسن يونس).. يتمدد جسدك داخل القمقم لكنه - القمقم - لا يتمدد أبدا.. يظل يعصر جسدك ويطبق علي مراوحك.. فتسمع طقطقة عظامك بأذنيك.. نعم ربما ترثي لحالك قليلا. تعزيها وتعدها بأن (المخلص) لابد يقطع الأرض شرقاً وغرباً ويبحث عنك في سلقط وفي ملقط وحتما سيجدك.. وسيدعك الفانوس بعصبية كما فعل عبد السلام النابلسي من قبل.. ويخلصك من الأسر ويحررك للأبد. يداخلك شعور سيئ أحيانا، أنك لن تحب الخارج ربما لأنك تشعر بالتوحد مع المكان الذي لم تكن أبدا منتميا لغيره.. ستضربك أمواج النوستاليجا العاتية وستتبدد علي شواطئ الغربة والوحشة .. تقرصك من (لباليبك) هواجس مفادها أنك بعدما ستخرج من هذا الجب سيضربك الضوء بسياطه علي عينيك ويصيبك بالعمي.. سيسخر الناس من هيئتك وستجد حدقاتهم المتسعة أفواه بنادق مصوبة نحوك.. وما يدريك ربما يضعوك في متحف عالم الأحياء البشرية.. ويعتبرونك مثبتا لنظرية التطور لدارون بل وأحد أطوارها قبل التطور. يزيد استهلاكك لخيط الهواء المتسرب عبر (البزبوز).. استجابة لسرعة خفقان قلبك المرتعب.. تهدئ من روعك.. مم تخاف؟ ما يدريك فعيناك لم تر نورا قط.. لربما ولدت أكمه، ثم أين ذلك المغفل الدءوب في البحث عنك إن كنت لا تمتلك أوبشن تحقيق الأحلام والأمنيات، ويا (داهية دقي) إن وجدت أن عفريت ابن عفريتة هو من حررك.. ليحتل مكانك بدعوي أن (يقيل له ساعتين).. وساعتها ولن تستطيع إخراجه ولا بالطبل البلدي.. القانون واضح وصريح (القمقم من حق العفريت) ثم فلتحمد الله أيها الجاحد انك لم تحبس في خاتم أو داخل برطمان (أبو فاس).. ويا أيها الأحمق لما كل تلك الدونية التي تشعر بها.. أتعتقد أنك الوحيد الذي يحيا بداخل قمقم؟ لابد أنهم كثر وعلي أقفية من يشيل.. ولا تستبعد يوما ما ونحن في عصر التكنولوجيا والسماوات المفتوحة.. أن تربطكم شبكة اتصالات .. ويصبح كوكب الأرض (قمقم) صغير..!! بعيدا عن تلك المرارة التي تشعر بها في حلقك علي الدوام.. والشيب الذي بدأ يغزوك من الداخل..ثق بي فكل ما تحتاجه الآن، أن تبعث لك العناية الإلهية.. قمقم (بفيونكة حمرا) يحط رحاله بجانبك ليؤنس وحدتك.. (وصباع نفتالين بلية) حتي لا تأكلك العتة في تلك الملهاة.. واغفروا لي أعزائي البني آدمين (الاتكاليين) العالقين داخل القماقم النحاسية الصدئة.. إن كنت قليت راحتكم.. وأقضيت مضاجعكم.. لكن وربنا ما يجعلنا من قطاعين الأرزاق.. أحب أن أبشركم أنه لن يأتي أبدا من يحرركم.. لذا إن أردتم فتبخروا من (البزبوز) والله أعلم.. ونتقابل بره يا معلمين.