استنفرت الحكومة كل ما تملك من وسائل لخلق مناخ يجعل الرأي العام مهيأ لتقبل قرارات وممارسات تنوي الحكومة اتخاذها للالتفاف علي الحكم النهائي الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا ببطلان عقد مدينتي، وليس هذا الكلام رجما بالغيب أو استنتاجا يعتمد علي «سوابق» الحكومة في تجاهل أحكام القضاء أو الالتفاف عليها، لكنه نتيجة لمتابعة النشاط المحموم لبعض الوزراء والتصريحات التي أدلي بها رئيس الوزراء. الحملة من الحكومة ومافيا الفساد تحاول خلق حالة من الذعر والخوف بدعوي أن هذا الحكم سيلحق ضررا فادحا بالمواطنين الذين تعاقدوا علي شراء وحدات بمشروع مدينتي، وأن مائة وخمسين ألفا من العاملين بالمشروع سوف يتشردون وهؤلاء يحصلون علي أجور شهرية قيمتها خمسين مليون جنيه، ويضاف إلي هؤلاء حاملو أسهم الشركة المالكة لمشروع مدينتي وبينهم أجانب يهددون باللجوء إلي التحكيم الدولي وسوف يحصلون علي أحكام بتعويضات بعدة مليارات من الدولارات تتحملها الحكومة، ويضاف إلي هؤلاء جميعاً الشركات والجهات التي حصلت علي عقود مشابهة من وزارة الإسكان وستكون هذه الشركات مهددة بتطبيق نفس الحكم علي عقودها. وأخيراً فإن المحصلة النهائية لتنفيذ حكم بطلان عقد مدينتي ستكون كارثة علي الشعب المصري!! وهذه الكارثة حددها مروجو هذه المغالطات علي النحو التالي: أ- ربع مليون مواطن لا ذنب لهم تعاقدوا علي شراء وحدات من مدينتي ومئات الملايين التي دفعوها مهددة بالضياع! وهذا الادعاء كذب صريح لأن منطوق الحكم ضمن جميع الحقوق المكتسبة للمواطنين الذين تعاقدوا علي شراء وحدات بالمشروع سواء منهم من تسلم وحدته أو من لم يتسلم الوحدة. ب- تشريد مائة وخمسين ألفا من العاملين بالمشروع.. وهذه مغالطة كبري وغريبة فالمشروع لن يتوقف، وتوجد بدائل عديدة منها حصول الدولة علي حقها في مزاد علني تدفعه الشركة الحالية وتواصل تنفيذ المشروع، أو تتولي شركة أخري يرسو عليها المزاد وستقوم باستكمال المشروع وبطبيعة الحال فسوف تستعين بالعاملين في المشروع أو بآخرين لهم نفس الخبرات، أي أن أي حديث عن تشريد المائة وخمسين ألف عامل مغالطة مفضوحة. ج- الادعاء بأن أجور العاملين ومقدارها خمسمائة مليون جنيه شهرياً لا تستطيع أي شركة أو حتي الحكومة تحملها.. وهذه كذبة كبري ومضحكة في الوقت نفسه.. فهل شركة طلعت مصطفي هي الشركة الوحيدة القادرة علي دفع هذه الأجور؟! هذه الأجور مضمونة بالتدفقات النقدية لأي شركة تنفذ المشروع وهي تدفقات نقدية يدفعها المتعاقدون علي امتلاك الوحدات السكنية والتجارية. وهذه التدفقات تغطي بسهولة كل النفقات سواء مستلزمات البناء أو أجور العاملين وفي حالة نقص هذه التدفقات تقوم البنوك بتغطية العجز بضمان أصول المدينة. أي أن أي حديث عن تشريد العاملين حديث كاذب ومضحك في آن. د- يلوح قادة الحملة الشرسة علي حكم محكمة القضاء الإداري بأن حاملي أسهم شركة طلعت مصطفي «الأجانب» سوف يلجأون إلي التحكيم الدولي وسيحصلون علي عدة مليارات كتعويض عن هبوط سهم الشركة في البورصة، وفي هذا السياق يشيرون إلي قضايا تحكيم تكبدت فيها الحكومة المصرية مئات الملايين من الدولارات مثل قضية «سياج» الشهيرة وهذه كذبة كبري ومغالطة مفضوحة. القياس هنا لا محل له علي الإطلاق فقضية سياج سحبت فيها الحكومة «أرضاً» اشتراها سياج بالفعل، أما حملة الأسهم فأمرهم مختلف تماماً. فمن يشتري أسهما لأي شركة يتخذ قراره بالشراء وهو يعلم أن الأسهم معرضة للصعود والهبوط فهذا هو الوضع الطبيعي لحاملي أسهم الشركات المساهمة ويتحمل هؤلاء مخاطر هبوط قيمة السهم كما يحصلون علي المكاسب إذا صعدت قيمته. وليس للحكومة أي صلة بحملة الأسهم هؤلاء فالعلاقة محصورة بين الشركة وحاملي الأسهم. ه - يحاول قادة التخويف وإثارة الذعر حشد كل من تعاقد مع الحكومة علي شراء أرض للبناء ليقفوا ضد تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا بحجة أن هذا الحكم سوف ينطبق علي جميع التعاقدات. وهذا ادعاء كاذب لأن الكثير من هذه العقود تم بطريقة سليمة، ولم يتم بطريقة مخالفة للقوانين وبوسائل فاسدة كما وصف الحكم عقد مدينتي. أما الحالات المشابهة والتي تمت بطريقة يشوبها الفساد فهذه الحالات تمت لصالح كبار رجال الأعمال وأصحاب النفوذ وهؤلاء عليهم أن يبادروا - إذا أرادوا أن يثبتوا حسن النية - بإعادة الأرض التي سلبوها بأبخس الأثمان ويعيدوها لشعب مصر صاحبها الحقيقي والأحق حق بأن يحصل علي قيمتها الحقيقية. ز- يزعم هؤلاء أن تنفيذ هذا الحكم سيؤثر سلباً في مناخ الاستثمار!! وأن المستثمرين سوف يحجمون عن الاستثمار في مصر «خوفاً» من ضياع أموالهم بمثل هذه الأحكام! وهذا الزعم ليس من المغالطات السخيفة فحسب بل إنه دعوة شاذة وغريبة لحماية الفساد، ويجافي تماماً المنطق السليم الذي يؤكد أن حالات الفساد الفجة التي تشبه حالة عقد مدينتي هي التي تؤثر سلبا في مناخ الاستثمار وأن المستثمرين الجادين والشرفاء يترددون ألف مرة قبل المغامرة بالاستثمار في بلد ينتشر فيه الفساد، خاصة الفساد الذي يمنع التعامل بشفافية مع الجميع، والذي يمنع المستثمرين من التنافس في ظل ظروف تضمن الفرص المتكافلة للجميع. هذه هي الحجج التي حاولت بها الحكومة عبر المتحدثين باسمها وأولهم وزير الإسكان ومحامي شركة طلعت مصطفي، أن تثير مخاوف الرأي العام من تنفيذ حكم الإدارية العليا. وقد استخدم هؤلاء الصحف والفضائيات لنشر هذه الحجج بكثافة والتباكي علي مئات المليارات التي سوف تخسرها شرائح من الشعب والحكومة في حالة تنفيذ الحكم النهائي لمحكمة القضاء الإداري ببطلان عقد مدينتي. وهذا الاستنفار الحكومي والإعلامي يقصد به إثارة مخاوف الرأي العام من تنفيذ هذا الحكم حتي تتمكن الحكومة من إعلان خطتها للالتفاف حول هذا الحكم بأساليب تفرغه تماماً من مضمونه، وتسمح لعملية الفساد الكبري التي جسدها العقد الباطل بالاستمرار في نهب المليارات من أموال الشعب. تريد الحكومة أن تعلن قراراتها تلك في مناخ يتقبل فيه الرأي العام أي ممارسات وقرارات تتحايل علي حكم البطلان أو تلتف حوله لمنع التنفيذ الطبيعي للحكم بحجة أن تنفيذ الحكم بأمانة سوف يكلف مصر خسائر بمئات المليارات! يبقي أن أهمس في أذن الوزير المغربي وزير الإسكان أنه لم يكن موفقاً في المشاركة في حملة التخويف هذه عبر حواره علي قناة المحور يوم السبت 18/9/2010، كما أن وضعه كأحد المساهمين في شركة حصلت علي عقد مماثل لعقد مدينتي كان يحتم عليه أن يبتعد عن المشاركة في الدفاع عن مواقف لها علاقة بإحدي الشركات التي يسهم فيها، خاصة أن حديثاً يتردد بقوة عن دعوي مماثلة سوف يتم رفعها ضد الشركة التي يسهم فيها وزير الإسكان والتي تتشابه ظروف تعاقدها مع عقد مدينتي. يا سيادة وزير الإسكان الأولي بك أن تبتعد عن كل ما له علاقة بشركات تساهم فيها عندما يتعلق الأمر بعلاقة هذه الشركات مع الحكومة مهما كانت نسبة مشاركتك في هذه الشركات. انتبهوا أيها المواطنون.. فالحكومة يبدو أنها علي وشك الإعلان عن قرارات تجهض تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا النهائي ببطلان عقد مدينتي.