كل عام وأنتم بخير، العيد فرحة، وكما عودنا النظام المصري، فإنه أشعل الفتنة الطائفية، وها هو يحتويها ويرتبها استعداداً للعيد، بينما سعدنا بيهه بيخليها ذكري جميلة لبعد العيد، وإنني أحمل إليكم مفاجأة، مش الدين فوق الجميع؟ هكذا يؤمن البعض حين يواجهوني إذ ذكرتهم بكلمات منصور الرحباني في مسرحية آخر أيام سقراط: «اسكتوا يا ولاد، اهدوا يا ولاد، عا كتر ما لعبتوا، وخربتوا البلاد». نذكر بأن الدين يأتي الآن فوق الجميع، بعد أن ربضت مصر علي قفص الجميع الصدري وأصبحت، وكان قد سبقها إلي ذلك الشرف النادي الأهلي. أحاول أن أميل برأسي يساراً ويميناً، ثم أنقلب رأساً علي عقب لأفهم شكل الهرم الذي يرزح تحته هذا الجميع، وكنت قد اعتدت علي تلك الفرة التي اجتاحت البلاد، فحولت الأهلي والمنتخب إلي اللات والعزي، بينما يظل هبل الأكبر هو «مصر»، وإن كنت لا أعلم ما المقصود بمصر الآن بعد أن سهتنا وأصبحت فوق الجميع، فلم تعد تعيش فينا ولا نعيش فيها، انظر باتجاه السهم، إما أن ينضم الدين إلي القائمة، ألا يا سي الأفندي دي جديدة، منذ نعومة أظافري وأنا أعلم أن الدين محله القلب ويصدقه العمل، فمتي انتقل من القلب والعقل ليتحالف ضدنا مع الأهلي والمنتخب ومصر؟، وأنا إذ أقول الدين ففي هذه الواقعة كان الطرفان، منتخب المسلمين ومنتخب المسيحيين، يظنان بأن الدين فوق الجميع، بل إن الدين فوق نفسه، فكما ظنت الكنيسة أن الدين فوق العدل، ظن المتظاهرون في المساجد أن الدين فوق الحكمة، وما الدين إلا العدل والحكمة؟ ثم لماذا يصر هذا الجميع علي وضع شيء فوقه؟ ألا يكتفي باستقرار صخرة الدويقة فوق أم رأسه؟ ألا ترضيه القطارات التي لطالما مرت فوقه؟ ألا يقنع بمكوثه تحت أنقاض العقارات والعمارات من آن لآخر؟ وإن لم يرض الجميع بكل هذا، أفلا يشبع انهيار البني التحتية المصرية فوق الجميع رغباته الغريبة الشاذة في أن يظل تحت الركام؟ ألا تهدأ نفسه بانهيار الاقتصاد المصري الوشيك الذي سيحدث بعد طرح السندات المصرية لإنشاء بني تحتية؟ لماذا يصر هذا المسمي بالجميع أن يرسل إشارات استغاثة من تحت الأنفاق ليضع الناس فوقه كل ما يقع تحت أيديهم، وكأنه حاو يريد أن يبهر المشاهدين بقوالب الحجارة، والدراجة، والثلاث فتيات المتسلقات ظهره علي التوالي. الآن فهمت تلك المنافسة المفتعلة بين الوطنية والتدين، والتي انغمس فيها كل من التيارات الإسلامية والعلمانية، ولم أكن أفهم قبل ذلك ما معني: أيهما له الأولوية وطنك أم دينك؟ ويدخلون في جدال طويل عريض، وأنا أقلب كفاً علي كف، وأتمتم: هو الدين والوطن جايبين نفس التقدير ومحتارين يعينوا مين فيهم معيد؟ حين تفرغ كل المعاني النبيلة من محتواها الحقيقي، تتحول إلي أصنام، وهنا يدخل الوثنيون في منافسة رخيصة، كل يعرض إلهه في سوق عكاظ، وإن لم يجدوا من يشتريه، فيأكلونه آخر النهار، كما سيأكل الناس في بلادي الدين والوطن.. والأهلي، بس علي الله ياكلوا الأهلي، تبقي جات مصلحة.