أربعة أفلام فقط هي إجمالي عدد الأفلام التي قدمها المخرج أسامة فوزي في تاريخه السينمائي كله.. أربعة أفلام فقط حولت مخرجها لواحد من أهم مخرجي السينما المصرية.. لن نجد بينها فيلما واحدا يمكننا تصنيفه علي أنه «فيلم عادي»، فكلها أفلام تعامل معها النقاد والجمهور باعتبارها من أهم أفلام السينما المصرية حتي وإن اختلف معها النقاد فيما بعد، وحتي وإن شرّحها الجمهور وهاجمها بكل ما يملك من قوة رفض المختلف والصادم، لكن أحدا لا يمكنه أن ينكر أهمية وجرأة أفلام المخرج أسامة فوزي.. فهو واحد من المخرجين القلائل الذين حملوا علي عاتقهم نزع لافتة «ممنوع الاقتراب أو التصوير» من علي العديد من المناطق السينمائية، فقد حمل كاميراته وراح يتجول بين هذه المناطق بحرية، بداية من أول أفلامه «عفاريت الأسفلت» مرورا بفيلمه الصادم فنيا «جنة الشياطين»، ثم فيلم الأزمات والمشاكل التي لم تنته حتي الآن «بحب السيما»، وصولا إلي أحدث أفلامه «بالألوان الطبيعية». بم تفسر الهجوم العنيف الذي تعرض له فيلمك الأخير «بالألوان الطبيعية»؟ - السبب في ذلك من وجهة نظري هو أن المجتمع المصري أصبح عنيفا جدا، بالإضافة إلي أن مساحة التسامح وقبول الآخر أصبحت تتضاءل، بل أوشكت علي الاختفاء، وهذا الأمر لا يحدث معي أنا فقط، بل أنه تكرر مع العديد من الأفلام آخرها «احكي يا شهرزاد». ولكن بعض من هاجم الفيلم هم طلاب كلية الفنون الجميلة أنفسهم الذين طالبوا في «جروباتهم» علي الفيس بوك بمنع عرض الفيلم؟ - أنا أري أن من قام بإنشاء هذه «الجروبات» وتداول هذه الآراء التي تطالب بمنع الفيلم ووقف عرضه هم مجموعة قررت وبنت موقفها منذ بداية عرض التريلر، ودون مشاهدة الفيلم وأنا قابلت العديد من طلاب كلية الفنون الجميلة وأساتذتها الذين أبدوا إعجابهم الشديد بما قدمناه في الفيلم. فأنا في النهاية لم أقدم فيلما ضد كلية الفنون الجميلة ولا أهدف إلي تشويه صورتها، أنا فقط أعرض الفساد الذي انتشر في مصر كلها من خلال نموذج واحد يتمثل في هذه الكلية، ولكن المرض الذي انتشر في المجتمع هذه الأيام يتمثل في خوف أفراده علي صورتهم وكشف حقيقتهم وما أصابهم من أمراض لأنهم أدمنوا الكذب علي أنفسهم طوال الوقت، ولأن إنكار الحقيقة أصبح سمة واضحة من سمات مجتمعنا. السيناريست هاني فوزي أحد طلاب هذه الكلية وعايشها لفترة طويلة فكتب عنها، لكن ما الذي حمسك أنت لتقديم هذا العمل؟ - كلية الفنون الجميلة هي كلية فنية وساحة إبداعية لها مكانة مهمة جدا في المجتمع، وأنا تحمست لفكرة تناول علاقة الفن بالمجتمع ونظرة أفراد المجتمع له وأيضا علاقة الفن بالدين، والصراع الذي يقع فيه الفنان مع المجتمع عندما يحاول التمرد علي القيم السائدة في المجتمع من خلال فنه، وهذه الكلية تكاد تكون الأشهر والأكثر تأثيرا مقارنة بمختلف المعاهد والكليات الفنية الأخري مثل معهد السينما أو معهد الفنون المسرحية. رأي البعض أن مشاهد القبلات في الفيلم جاءت كثيرة جدا واستغرقت وقتا طويلا علي الشاشة.. ما ردك علي هذا؟ - أنا شخصيا أحببت مشاهد القبلات التي صورناها وأحببت أن أراها علي الشاشة، وأنا أحترم رأي الجميع، لكن نحن تعودنا علي خروج مشاهد القبلات في أفلامنا المصرية منذ زمن طويل بشكل متكلف ومتصنع، والممثلون كانوا يقدمونها قبل ذلك مزيفة. لكن أبطال فيلمي الشباب قدموها حقيقية ومختلفة؛ لأنهم لا يزالون أحرارا من تكبيلات المجتمع، وأنا تعمدت أن أترك هذه المشاهد بهذا الطول، ولا أري أي مشكلة في القبلة مطلقا، وأتعجب ممن يتهم الفيلم بكثرة مشاهد الجنس، فإذا كانت مشاهد القبلات في الأفلام جنسا، إذن فكل أفلامنا العربية القديمة التي تنتهي بقبلة هي أفلام جنسية. وما السبب الحقيقي وراء الأزمة التي تعيشها السينما المصرية في وجهة نظرك؟ - نحن منذ ثلاثين عاما نتناقش في هذا الأمر وأنا أري أن هناك عدة أسباب أولها أن السينمائيين الحقيقيين الذين قام علي أكتافهم هذا الفن اختفوا تماما من الساحة وظهرت بدلا منهم مجموعة لا علاقة لها بهذا الفن، جاءوا من القنوات الفضائية ومحطات الفيديو كليب ليديروا الإنتاج السينمائي والعملية الفنية كلها بنفس المنطق التجاري البحت واعتمادهم علي «الفشخرة الكذابة» والإنتاج والإنفاق بشكل عشوائي دون هدف.. بصراحة «فيه فلوس كتير بتروح في كلام فاضي ملوش علاقة بالسينما»، كما أن هذه الفئة أصبحت تتملق الجمهور وتحاول من خلال احتكارها أن تفرض ما تريده علي المشاهدين، وداعبت الجمهور بتقديم مصطلحات مثل السينما النظيفة، وهذا بالطبع ليس خالصا لوجه الله لأنهم قدموا من قبل نفس النوعية التي يصفونها الآن بأنها أفلام ليست نظيفة، لكنهم يبحثون الآن عن المكسب السريع. لكن الجمهور يحتاج في الوقت نفسه إلي أفلام من النوعية الكوميدية والرومانسية؟ - أنا لست ضد الأفلام الكوميدية مطلقا، والتسلية البريئة مطلوبة أيضا كما هو مطلوب مني أن أقدم أفلاما أخري جادة تدفع الجمهور إلي التفكير والتأمل والبحث في كل ما يحيط به، فالسينما كفن لابد أن تناقش ما يدور في المجتمع والفنان بطبعه متمرد علي الأشياء التي لا تعجبه من أفكار بالية تعوق المجتمع عن التقدم، ولكن في النهاية لا بد أن يتم تقديم هذا التناول بشكل فني صادق وغير متكلف وبعيد عن الأصوات العالية والمزايدات؛ لأن الأفلام التي تصنع بهذا الشكل هي في الحقيقة أخطر من الأفلام الكوميدية البسيطة والخفيفة. علي الرغم من تقديمك لأفلام مهمة جدا طوال مشوارك الفني «أربعة أفلام» فإن هذه التجارب في النهاية عددها قليل جدا، فما السبب في ذلك؟ - البعض يتهمني بالكسل وعدم السعي لتقديم أعمال أكثر، وهم متخيلون أنني عندما أفكر في تقديم فيلم جديد ستفتح لي كل الشركات أبوابها، لكنهم لا يعرفون أن البحث عن تمويل لأفكار مختلفة هو أمر صعب للغاية؛ لأن واقع الحال أن المنتجين الذين قدموا المصطلح الغبي «فيلم المهرجانات»، وهو مصطلح لا يوجد في أي مكان في العالم إلا في السينما المصرية، وهو بمقاييس هؤلاء المنتجين فيلم رديء ودمه تقيل ولن ينجح لأن الناس لن تفهمه، أصبحوا يرفضون أعمالنا دون أن يقرأوها أصلا، وللأسف الشديد أنا ومعي داود عبدالسيد ومحمد خان ويسري نصر الله أصبحنا نجد صعوبة في تقديم أفكار جادة؛ لأن الممثلين أيضا الذين يقابلوننا من حين لآخر ويقولون نتمني أن نتعاون قريبا يتراجعون عن هذه الآراء بعد أن يخيفهم المنتجون من اهتزاز صورتهم، وأن هذه الأفلام قد تتسبب في انخفاض أسهمهم لدي الجمهور.