هل نحن محظوظون أننا نمتلك كل هذا العدد من المخرجين المهمين في عصر واحد؟ وإذا كنا محظوظين بهم، وهذا أكيد، فمن المؤكد أيضا أنهم غير محظوظين بنا.. هل هو أمر مضحك أم ينتمي لنوعية الكوميديا السوداء أن نجد لكل واحد من هؤلاء فيلما واحدا كل خمس أو ست سنوات، وأحيانا تمر السنوات العشر دون أن نشاهد لهم أعمالا، وغيرهم تجري وراءهم شركات الإنتاج لنجد كلا منهم يعمل في فيلمين أو ثلاثة في الوقت نفسه، بخلاف أجندته المليئة بأفلام أخري تنتظره حتي ينتهي.. في الوقت الذي نجد فيه مخرجا مثل داود عبد السيد يعاني حتي يجد شركة إنتاج توافق علي تمويل فيلمه، رغم أن شركة الإنتاج هنا سوف تضمن علي الأقل الجودة الفنية والمتعة والاحترام من خلال مجهود حقيقي، لكن يبدو أن شركات الإنتاج تعشق «الطلسأة» وتجري وراء مخرجين «السلق» الذين ينجزون مهامهم التي تشبه «الإخراج» في أقل وقت وبأقل مجهود، ورغم أن النتيجة لا تكون مرضية غالبا إلا أنهما مربحة، لذا هم يبتعدون دوما عن المخرجين الذين يشتغلون بمزاج ويحترمون عملهم ويحبونه، ورغم أن الوقائع تقول إن أفلام هؤلاء الكبار هي التي تمثل السينما المصرية في المهرجانات الكبيرة، فأفلامهم بحق علامات.. نجد لخان مثلا «موعد علي العشاء» و«الحريف» و"خرج ولم يعد»، و«أحلام هند وكاميليا» و«زوجة رجل مهم» و«كليفتي». أما يسري نصرالله صاحب «باب الشمس» و«المدينة» و«مرسيدس»، فلك أن تعرف أنه يعمل منذ عام 1988 ورصيده حتي الآن لم يتجاوز السبعة أفلام، وهو الذي يكتب سيناريوهات أفلامه ويتمتع برؤية إخراجية متميزة ويدير الممثل الذي يتعامل معه بطريقة تخرج أفضل ما فيه وأكثر صفاته تفردا، هل يعرف يسري نصرالله أنه يتساوي في عدد أفلامه مع المخرج سامح عبد العزيز الذي أخرج أول فيلم له عام 2005، ولمن لا يعلم، فسامح عبد العزيز هو صاحب الروائع التي نسيها الجمهور فور أن خرجت من قاعة العرض، مثل «درس خصوصي»، «أحلام الفتي الطائش» و«حسن طيارة» و«أسد وأربع قطط».. سامح طبعا مثله مثل معظم أصدقاء جيله يعمل فيلمين في العام علي الأقل، والثالث يكون في انتظاره، فقد قدم عام 2009 فيلمي «الفرح» و«حد سامع حاجة»، في الوقت الذي كان يحضر لفيلمه «الليلة الكبيرة". شيء يدعو للأسي أن تجد مخرجا عملاقا بحجم خيري بشارة قدم من قبل «يوم مر.. يوم حلو» و«العوامة 70» و«الأقدار الدامية»، لم يقدم طوال مسيرته سوي عشرة أفلام فقط، رغم أن أول أفلامه كانت في عام 1982. أي أنه يعمل كمخرج سينمائي منذ ثمانية وعشرين عاما.. لن نستغرب أيضا عندما نعلم أن المخرج الكبير جدا علي بدرخان رصيده السينمائي الفخم جدا من حيث القيمة لا يتعدي العشرة أفلام من بينها «الكرنك» و«أهل القمة» و«شفيقة ومتولي» و«الراعي والنساء» و«الجوع»، في حين أن المخرج أحمد البدري يتساوي معه بنفس عدد الأفلام علي الرغم من أن البدري بدأ مسيرته «العظيمة» فقط منذ عام 2005، مع العلم أن بدرخان بدأ في العمل كمخرج منذ عام 1973، أي أنه يعمل منذ ما يقرب من الأربعين عاما في المجال. أما البدري الذي يتساوي معه في نفس عدد الأفلام، فهو صاحب الروائع المزرية المؤسفة «لخمة راس» و«حبيبي نائما» و«دكتور سليكون» و«عليا الطرب بالتلاتة» و«نمس بوند» و«البيه رومانسي» و«عمر وسلمي2»، وهو نفس عدد الأفلام التي قدمها زميله وائل إحسان أيضا، مع الفارق أن صاحب «بوبوس» و«حلم العمر» و«عندليب الدقي» بدأ مسيرته المهمة في عام 2002. لماذا تتجاهل شركات الإنتاج مخرجين فائقي القيمة والأهمية والاحترام يقدمون فنا حقيقيا لتجبرهم علي أن يكون مجموع أفلامهم خلال 40 عاما منذ بداية أكبرهم «علي بدرخان» 59 فليما فقط، بينما تلهث وراء هاني جرجس فوزي وسامح عبد العزيز ووائل إحسان وأحمد البدري ومحمود كامل الذي بدأ منذ عامين فقط وقدم ثلاثة أفلام، ليصبح إجمالي ما قدموه منذ 8 سنوات عندما بدأ أقدمهم «وائل إحسان» 34 فيلما، فما حجم رصيدهم العددي من الأفلام التي يمكن أن يخرجوها في 20 عاما مثلا إذا ساروا بنفس المعدل؟ بالتأكيد سيكون هناك رصيد عددي مذهل، بينما رصيد القيمة ربما لن يتجاوز ال5% في أحسن الأحوال.