العام الماضي وضعوا «قانون المراغي» تحت الاختبار بحجة أن اسمي مايشيلش مسلسل.. ومع ذلك نجح العمل.. طب السنة دي حطوني تحت الاختبار تاني ليه؟! يجب علي الجمهور أن يهيئ نفسه لاستقبال جرعات مكثفة من الجرأة والعنف خلال السنوات المقبلة لقطة من مسلسل أهل كايرو لا يمكن مقارنته بأي فنان آخر، فلديه تركيبة خاصة ومميزة لا ينافسه فيها أحد.. خلطة لا يعرف سرها إلا هو.. يعرف جيدًا ماذا يريد، ويعرف جيدا كيف يصل لما يريد.. منظم في طريقة تفكيره، وفي اختياراته المحسوبة بالخطوة، لذا فهو نادرا ما يخطئ، وإن أخطأ لا يتواني عن الاعتراف بهذا الخطأ، ويعمل بكل قوته علي تلافيه في المرات المقبلة.. إنه خالد الصاوي ذلك الفنان المعجون بالموهبة.. الذي لا يتوقف عن تطوير نفسه، وكلما ازدادت خبرته كلما ازداد وهجًا ونضجًا، يجعلان أداءه أكثر عمقًا وبساطة في الوقت نفسه.. هذا العام يطل علينا الصاوي في واحد من أجمل الأدوار الرمضانية.. دور حسن محفوظ ضابط المباحث الإنسان.. اللي بيشوف شغله بضمير، ويعمل بروح القانون.. قدمه الصاوي بأداء متقن.. دفع المشاهد للتعاطف معه بكل حواسه، فجاء دورنا لتكريمه كواحد من أهم نجوم رمضان هذا العام. أكدت في حوار لك ب«الدستور» العام الماضي تخوفك الشديد من أولي بطولاتك التليفزيونية المطلقة «قانون المراغي» هل مازال لديك هذا التخوف؟ - هو ليس خوفًا بمعني خوف، فالخوف طاقة سلبية، قد يفقد الشخص القدرة علي التحرك أو اتخاذ رد الفعل المناسب في الوقت المناسب، لكنه قلق، وقد زاد عن العام الماضي بالمناسبة، وكل عام يزداد القلق عن العام السابق، لأني قبل كده، ماكنش عندي حاجة أخاف عليها.. تقريبًا كان فيه درجة من الاستبياع.. لو خسرت مش هخسر كتير، لكن مؤخرا أصبح لدي ما اخسره وأخاف عليه. العام الماضي قدمت مسلسلاً قمت فيه بدور البطولة، بينما قدمت هذا العام مسلسلا هو أقرب للبطولة الجماعية منه للبطولة المطلقة؟ - مازلت أفكر بنفس الطريقة التي كنت أفكر بها وأنا في الجامعة، فأثناء دراستي في كلية الحقوق، كنت طالبًا نشطًا، وقمت بتأسيس فريق مسرح داخل مسرح الجامعة، وجمعية لهواة المسرح، وقمت بتأسيس تيار المسرح الحر، وفرقة الحركة المستقلة مع خالد صالح، فأنا طول عمري شايف أن في الاتحاد قوة، ووقتها زملائي اتهموني بأني سأتنازل عن مبادئي هذه بمجرد أن أعمل في السينما، لذا أقول لهم اليوم إنني لم أتنازل عن مبادئي، ولن أتنازل عنها، وما أفعله حاليا هو أبلغ رد علي كلامي.. بالعكس، فقد أصبحت لدي القدرة علي تطبيق المعتقدات التي أؤمن بها من خلال تقديم أعمال جماعية تنحاز للغلابة، والفقراء، ولها مضمون اجتماعي عميق.. أنا مش عايز أشتغل في مسلسل من الجلدة للجلدة، ربما ييجي بعد كده عمل طبيعته تتطلب الظهور من الجلدة للجلدة مثل دور سجين في حبس انفرادي مثلا، لكن بشكل عام أنا رؤيتي للدنيا تقوم علي العمل الجماعي، وليس علي الفردية، فالجماعة هي القاعدة والفرد هو الاستثناء، لذا فأنا مهتم بالعمل االجماعي، وده مش جدعنة مني، لكنه صادر عن قناعاتي الشخصية.. مش بيقولك: «جنة من غير ناس ماتنداس»، فهشام المراغي لم يكن محور أحداث مسلسل «قانون المراغي»، بل المحور هو تلك العلاقة الغريبة بين رجل وامرأتين، وفي «أهل كايرو» نحن أمام شبكة علاقات ضخمة محورها حسن محفوظ وأطرافها الصحفية التي تغطي الأحداث وباقي الشخصيات.. إحنا هنا وسعنا الدايرة شوية. أثناء قراءتك للسيناريو.. ألم تخش أن تتسبب تلك الحالة من الضيق في الزمان والمكان في تسلل شعور الملل للمشاهدين أثناء مشاهدة الحلقات؟ - أنا مش من الناس اللي بتجري ورا الجديد وخلاص، ولا من الناس اللي بترفض الجديد وخلاص.. أنا ميال ورا الجديد اللي يخلينا نفهم المعني، وفي مسلسل «أهل كايرو» حدث الفرح هو نقطة الانطلاق، وهو السبب في تلك الحالة، ومعياري للحكم علي الحلقات أثناء قراءتها هو إحساسي: يا تري المسلسل ده هينجح ولا لا، يا تري الناس بعد ما تتفرج علي الحلقة هتقول: يااا أخيرًا خلصت؟ ولا يا خسارة ياريتنا نقدر نتفرج علي حلقة بكره دلوقتي.. بغض النظر عن ضيق الزمان أو المكان. أنا حصل لي ده أثناء القراءة فتوقعت أنه يحصل للمتفرج وأتصور أن السبب وراء هذه الحالة هي أن المسلسل له جانبان وليس جانبًا واحدًا.. جانب بوليسي وهو البحث عن القاتل وجانب اجتماعي يصور لنا تفاصيل تلك الشبكة من العلاقات المعقدة واللي هي بتعبر عننا في الأساس. المسلسل تم عرضه في البداية في مواعيد عرض سيئة حتي حقق نجاحًا ملحوظًا، فتغيرت مواعيد عرضه علي المحطات.. هل لذلك علاقة بان اسم خالد الصاوي كنجم تليفزيوني لم يصبح حتي الآن محل ثقة لدي أصحاب القنوات الفضائية؟ - الموضوع له علاقة بأن الناس دي مفيش عندها سعة أفق، ولا بعد نظر.. السنة اللي فاتت حصل نفس الشيء مع «قانون المراغي»، وكان المبرر أن خالد عمل أدوارًا متميزة في السينما لكن كان شايلها معاه أسماء تانية فخلونا نحط خالد في موضع التجربة.. هذا الأمر كان مقبولاً إلي حد ما العام الماضي، رغم إنك لازم تشوف مجمل الأثر اللي عامله الفنان وليس جانبًا واحدًا من حياته.. يجب أن تشاهد الخيول السوداء التي تجري في خلفية المشهد، ولا تركز علي البطل أو البطلة الموجودين في الخلفية.. يجب أن يتناولوا بالتحليل تأثير الأعمال الفنية للفنان وتأثيرها عند النقاد والصحافة الفنية.. هما العام الماضي شافوا إني لازم أتحط تحت الاختبار.. ماكانش عندي مشكلة، ونجح «المراغي» في رمضان وفي العروض التالية له بعد رمضان أثناء عرضه علي مدار العام كله، لكن أن يتكرر الأمر هذا العام مرة ثانية ويحطوني تحت الاختبار تاني.. طب ليه؟! ما أنا نجحت السنة اللي فاتت؟! دي كانت حاجة غريبة جدا.. لا زعلت ولا أتبسطت ولا علّقت عليها، لأني خلاص بقيت فاهم أن هذا التصرف انعكاس لافتقادنا لبعد النظر.. هم في البداية حطوا المسلسل في مواعيد عرض سيئة، ولما بدءوا يحسوا انه يستاهل مكانا أفضل ومواعيد متشافة أكتر لاسباب إعلانية بعد إقبال المشاهدين عليه، غيروا مواعيد عرضه.. أتمني السنة الجاية ما يبقاش في اختبار برضه.. مش معقول هنفضل نعيد اكتشاف النار طول عمرنا! لا قدر الله لو عملت حاجة سيئة أو واقعة.. من حقك تعيد تقييمي من جديد، لكن تحطني ورا وأنا ناجح ليه؟! وعلي فكرة دي مش عقلية المسئولين عن التلفزيونات الخاصة أو التلفزيون المصري فقط، لكنها طريقة تفكير مسيطرة عليهم جميعا. هل عقلية صناع التليفزيون في وجهة نظرك تختلف عن عقلية صناع السينما في مصر؟ لا أري أي اختلاف بين العقليتين، فكلاهما بعيد عن الناس وكلاهما لا يمتلك أدوات جس النبض الجماهيري بشكل فعّال، بدليل تلك الاستفتاءات التي تم نشرها في بعض الصحف وتحديدًا الصحف القومية.. دي استفتاءات مالهاش علاقة باهتمامات الناس.. هناك طرق سريعة لمعرفة الآراء وهي قياس مدي جماهيرية النجم بتحديد إيرادات أفلامه في أول أسبوع أو قياس الفقرة الإعلانية لكل مسلسل، وهذه طرق سريعة وكسولة، لكن هناك طرقًا أعمق لمعرفة آراء الناس، ثم في مرحلة لاحقة التفاعل مع هذه الآراء، والتأثير فيها.. فين بقي الكلام ده؟ الناس بتدرسه في كلية الإعلام، لكن مابنشوفوش، أين المراكز المختصة بالتفاعل مع آراء الناس؟ كله في البطاطس! كلنا عايشين في البطاطس فعلا.. مفيش أرضية صلبة نقف عليها.. هناك حالة عامة من العشوائية في التخطيط وفي استقاء المعلومات. لكن الاستفتاءات الأخيرة تم التوصل إليها من خلال شركات عالمية ومحلية يفترض أنها تستقي معلوماتها من أسر مصرية موزعة علي جميع المحافظات؟ - أنا أشكك في مصداقية هذه الاستفتاءات طالما أنها لم تبن علي أسس علمية.. سواء مسلسل «أهل كايرو» فيها أم لا.. حتي لو حطوني أحسن ممثل في مصر.. أنا اللي يهمني العلمية والموضوعية والنزاهة.. أنا ممكن أدخل انتخابات وأخرج أقول أنا اتهزمت، لكني أثق وأصدق في الانتخابات، وأبارك للزميل الفائز، طالما أن الانتخابات كانت مبنية علي أسس علمية، وشايف إن هي دي التقاليد الديمقراطية.. في بلاد بره بيخرج رئيس الحكومة ويقول نزلنا الانتخابات وخسرنا.. مبروك للي جاي.. هذه الاستفتاءات أهميتها ليست في النتائج وإنما في الشفافية والمبادئ الديمقراطية نفسها، ولو مش عارفين نعمل ده في الفن وفي الكورة.. مش هنعرف نعمله بعد كده في المستويات الأكثر صعوبة وتعقيدًا زي انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية؟ وبشكل عام آراء الناس في مصر مادة للإفتاء.. فين الجهات المختصة اللي بتعمل الاستفتاءات دي؟ إنت بتنزل مندوب في أربع جهات ومندوب تاني في 3 أحياء ومندوب في حي واحد في ظل نظام العمل اللي إحنا عارفينه، وفي ظل إن مفيش مراقبة علي الشغل ومفيش حزم ولا ربط ولا شد، وفي الآخر تقول لي هو ده الاستفتاء بتاعي؟! لأ مش هقبله.. عشان كده أنا دعيت الناس علي «الفيس بوك» أن يتولوا عمل استفتاء علي النت.. حد يفتكس بقي أنا مش هفضي أعمل فن وأجري وراء الاستفتاءات. أليس غريبا أن يشترك المعارضون بلال فضل وخالد الصاوي في عمل فني ويقدمان رجل المباحث في صورة ملائكية تعمل بروح القانون وتهتم بمشاعر الناس، ويحبها الجمهور ويتعاطف معها في كل مواقفها؟ - لأن هذا الضابط لا يقوم بأي تجاوزات.. هذا الضابط يلتزم بالقانون، وبالتالي هو علي عينّا وعلي راسنا، لكن الضابط الذي لا يلتزم بالقانون إحنا ضده.. إحنا قدمنا الضابط من منظور قانوني.. مش عايزين نمسك في قشور الأمور.. أنا وبلال فضل لسنا في حاجة لأن نغازل الدولة، ولا الداخلية.. إحنا عملنا المسلسل ده وإحنا في ذروة نجاحنا المهني، وإحنا معارضين ونجحنا وإحنا علي أرضيتنا. أنا وبلال مواقفنا السياسية تتحدث عنا، بلال كاتب معروف وأنا باكتب مقال سياسي مباشر، ومقال بقي مش رؤية سياسية مستخبية وراء عمل فني.. لا أنا بكتب مقال سياسي يعني منشورات، علشان كده بقول إن إحنا مش محتاجين نغازل النظام ولا وزارة الداخلية، لكن إحنا مش مضطرين نمشي في مسار يختلط فيه الحابل بالنابل ويضع الشريف مع الفاسد في سلة واحدة. وأنا وبلال اللي عملنا قبل كده الضابط الفاسد في أبو علي وأنا وبلال اللي بنقدم دلوقتي الضابط المشرف، وممكن بكره نعمل حاجة عن الحزب الوطني، وخدوا بالكوا برضه إن في ضباط بيموتوا في سبيل شغلهم ودفاعا عن تنفيذ القانون.. الصورة يجب ألا تكون أبيض وأسود. وأنا لو كنت ظابطًا مثلا كنت هبقي حسن محفوظ.. ما هو مش معقول كل الضباط فاسدين.. أكيد فيه الصالح وفيه الطالح، أنا بالنسبة لي ضميري مستريح ومش حاسس إني بزيف وعي الناس، وفي نفس الوقت مش باهيج الناس ضد فئة بعينها فيها الكويس وفيها الوحش، لازم الناس تبقي واقفة ضد الممارسات الخاطئة ضد أي مهنة مش ضد مهنة بعينها، وبعدين كل مرة يقولوا لي إنت ليه دايما بتقدم دور الضابط بصورة سلبية.. أديني قدمت صورة مشرفة.. كده هنبقي عاملين زي جحا يركب الحمار يقولوا شوفوا الراجل المفتري سايب الحمار بيئن ويمشي جنبه يقولوا شوفوا الراجل الأهبل سايب الحمار ماشي جنبه وماشي هو علي رجليه، يرفع الحمار علي أكتافه هو وابنه، برضه مش عاجبهم.. دول غلّبوا جحا. قدمت شخصية ضابط المباحث بعيدًا عن الأكليشيهات المحفوظة.. كيف استطعت رسم تفاصيل حسن محفوظ؟ - رسمتها علي ضوء السيناريو، فبلال فضل بيحاول يشاور علي مواضع الخطأ في حياتنا بأيديه وينور مناطق يمكن ماكناش واخدين بالنا منها، فهو راسم الشخصيات كل شخصية في لحظة ممكن تتعاطفي معاها، وكل شخصية في لحظة ممكن تتضايقي منها، بدليل شخصيتي الاتنين البنات اللي مش ملتزمات، واللي أول ما بيقعوا في مأزق بيبدأوا يقروا قرآن.. هو ده اللي بيحصل في الحقيقة، المسلسل لم يحتكر قراءة القرآن علي فئة بعينها، ولم يحتكر الفساد علي فئة بعينها، فهناك حالة خلط موجود في كل واحد فينا. حسن محفوظ بيكذب ساعات كذبات صغيرة، وساعات بيبرر إنه يخرج عن الإجراءات القانونية في سبيل هدف أسمي.. هو أيضًا كثيرا ما بيفقد أعصابه، وساخر طوال الوقت.. كل الحاجات دي بتكسر النمطية.. أنا لما أحس إن الشخصية دي من لحم ودم، أبدأ أتفاعل معاها، وأبدأ أفكر في مزيد من التفاصيل التي تؤكد المسار الذي رسمه كاتب السيناريو، وخصوصا أن محمد علي مخرج ذكي وحساس، والاتنين دول فضيلتين، فمعني أنه ذكي أن يكون قادرًا علي قراءة السيناريو بشكل جيد، وقادرًا علي قراءتي أنا كممثل، وأن يكون حساسًا، فهذا يعني أن لديه ميزانًا داخليًا يقيس من خلاله تعاملاته مع فريق العمل، والاتنين - بلال فضل ومحمد علي- وفرا لي أرضية دافئة وهادئة سهّلت لي مهمة وضع تفاصيل كتير علي خلفية الأرضية اللي عندي، وهذه التفاصيل هي التي شكلت الشخصية بهذه الطريقة. هل تتوقع أن تصبح الأعمال الفنية خلال الفترة المقبلة أكثر جرأة وقدرة علي كسر النمطية؟ - هذا حقيقي، فالمرحلة المقبلة ستشهد أعمالاً من الجيل بتاعي واللي بعدي - اللي هما الشباب - أكثر تركيبًا وكسرًا للنمطية، وهيبقي فيها جرعات من العنف، ومن المحتمل أن تزيد فيها جرعة الجرأة علي كل المستويات، وعلي الجمهور أن يتقبل هذه الأوضاع الجديدة، وعلينا أن ننفتح لاستقبال هذه الجرعات واستقبال أنواع مختلفة من الفن. الغاية فيها تبرر الوسيلة، ومش عايزين النخبة المثقفة والنخبة اللي قاعدين علي كراسي سلطة يحاولوا يبقوا أوصياء علي أذهان الجماهير بحجة أن هذه الأعمال تشوه دماغ الناس.. همّ مالهم ومال دماغ الناس.. مفيش وزارة في مصر اسمها وزارة دماغ الناس.. ماينفعش تتحكم في أفكاري وتسيطر عليها.. إنت مش بتحكم بقر.. الناس دي مش غنم ماشي في القطيع.. دول 80 مليون بني آدم.. نصف عددنا من الأطفال والنصف الآخر عاقلون.. صناع للحياة، بيشتغلوا وبيبدعوا.. ياريت يسيبوا كل واحد يختار بحرية هو عايز يشوف إيه، ومش عايز يشوف إيه، لأن السيطرة علي الأفكار تؤدي إلي خفض مستوي الذكاء في المجتمع كله.