لي صديقة ريفية تعيش مع أولادها في قرية صغيرة، أولادها جميعًا( خمسة ) في سنوات الدراسة المختلفة اثنتان في الجامعة، وواحدة ثانوي تجاري، وواحدة إعدادي وواحد ابتدائي وهي بذلك تعتبر نفسها خبيرة في التعليم في مصر. صديقتي أمية لأنها توقفت عن الدراسة بعد الصف الثالث الابتدائي، والدها كان لا يؤمن بأهمية تعليم البنات، لكن قلبها معلق بالتعليم والدراسه . «مش أنا جاهلة أهو لكن أعرف أن التعليم بيعلي، وأنا عايزه أولادي يعلوا، بديهم دروس في كل المواد، ربنا أعلم فلوسهم بتيجي إزاي». زوج صديقتي مات شابًا تاركًا لها مسئولية تربية الأطفال، كان عمر أصغرهم سنة. «أعمامهم ما شاء الله، اللي دكتور واللي ظابط واللي صيدلي لولا جوزي -الله يرحمه- ماكانش حد منهم كمل تعليمه، وهم بيردوا له الجميل في أولاده». مشكلة صديقتي في منتهي الغرابة، فهي تشكو من أنها لا تستطيع إقناع أولادها بعدم الغش. «كل ولاد البلد في ابتدائي وإعدادي يمكن لحد إعدادية بيغشوا، يدخلوا ثانوي عام يسقطوا، لأن في ثانوي الغش قليل، يدخلوا دبلومات يفضلوا يغشوا، اللي بيتعلم بجد هو اللي يعدي الثانوية ويدخل الجامعة». وتفسير صديقتي لهذه الظاهرة أن مدارس البلد شبه عائلية، المدرسون من أبناء البلد والتلاميذ من الأقارب والجيران، المجاملات بينهم تفرض عليهم أن يجعلوا الأولاد ينجحون من عام إلي عام بصرف النظر عن التعليم . المدرسة الثانوية في المركز البعيد لا يجامل فيها أحد الآخر، في امتحانات المدارس الابتدائي والإعدادي يترك المدرسون مدارسهم ويقومون بالمراقبة في بلد قريب، ويأتي المدرسون من البلد القريب للمراقبة علي تلاميذ البلد، فيجاملون بعضهم بعضًا، حتي تخرج النتائج جيده للجميع. بعد مناقشة طويلة مع صديقتي حضرها الأبناء، لاحظت أن طالبتي الجامعة توافقان أمهما في رأيها وتكملان الشرح لإقناعي، أما باقي الأولاد فيبتسمون ابتسامة ساخرة تستفز أمهم فتنطلق في محاضرة طويلة تعدد فيها أسماء أولاد الأعمام والسنوات الدراسية التي وصلوا إليها، أو الأعمال التي استقروا فيها، وكلها تدعو للفخر، ثم تنتقل لتعدد أسماء الفاشلين من الأولاد والبنات الذين اعتمدوا علي الغش ونهاية كل منهم التي تدعو إلي الحسرة علي المصاريف التي صرفت عليهم. إحنا أصلاً ما عندناش أرض ملك ولا حتي بيت ملك يعني عشان نعلي ماعندناش غير التعليم». تزداد ابتسامات الأولاد الساخرة ويزداد احترامي للأم . في طريق العودة فكرت هل يمكن أن نقود حملة تكون هدفها تكوين جمعية أهلية كل أعضائها متطوعون وتكون مهمتهم مراقبة التعليم، يمرون علي المدارس ويتابعون عملية التعليم مثل هؤلاء الذين يمرون علي لجان الانتخابات لمراقبة نزاهتها؟!.