يرفض عقلي الباطن تصنيف جدو كلاعب أهلاوي، واللاعب الأهلاوي ليس هو اللاعب الذي يرتدي الفانلة الحمراء وحسب، لكنه شخص صاحب تركيبة تغلب عليها الرجولة وحسن الخلق والمصداقية لدي الجماهير، الأمر الذي يجعل لاعبين في أندية مختلفة يدخلون تحت هذا التصنيف، ففي الزمالك مثلا محمود فتح الله وابراهيم صلاح، وفي الإسماعيلي أحمد علي وأحمد سمير فرج، وفي إنبي وليد سليمان، أما اللاعب الذي يدخل تحت تصنيف «الزملكاوي» فله تركيبة أخري أعلي مهارياً وأقل علي مستوي الالتزام النفسي وهذا موضوع يطول شرحه، ولا مجال للحديث عنه الآن.. كان لابد من هذه المقدمة حتي تصدق يا عزيزي أنني أتكلم عن جدو بمنأي عن كونه يلعب للنادي الأهلي، ولكي تتحمل فكرة أنني أتحدث عن لاعب يلعب لفريق عظيم أنت تشجعه وأنا أحترمه، ولكي تفهم أنني أحلل شخصيتنا جميعاً وأنا أحلل ما فعله جدو. جدو فلاح، وأخلاق الفلاحين هي المنجم الذي يغذي أخلاقنا العامة.. جدو يخبرنا كيف أصبحت أخلاق الفلاحين حالياً، ولا تقل لي إنه حالة فردية لأن الانهيارات تبدأ بفرد واحد، والفلاح المصري الذي كانت كلمته فيما مضي عقدا موثقا أصبحت الآن في طريقها لفقدان المصداقية، الحضري وهو فلاح دمياطي كان الشرارة الأولي بهجرته غير الشرعية وهي انهيار جديد في أخلاق الفلاحين لم نشهده إلا في السنوات القليلة الماضية، ثم كانت النقلة الكبري في هذا الانهيار بجدو الذي وقّع لثلاثة أندية في وقت واحد، الفلاح المصري الذي كان أهم مايميزه الرضا والقناعة يبدأ الآن في البحث عن مصلحته بمنتهي البجاحة، بدون أي مُراعاة لمظهره أمام الناس علي الأقل، بدون أي خوف من الجُرسة وفضيحة أنه مالوش كلمة، أضف إلي ذلك قليلا من الكذب (وقعت..لأ..ماوقعتش.. وقعت بس ماخدتش فلوس)،أضف إلي ذلك المساومة في الاعتذار عن خطأ واضح، وقتها ستري ملامح الانهيار في سقف المنجم، أسمعك تقول لي: من حق جدو أن يبحث عن مصلحته، أذكرك يا عزيزي وأذكر نفسي أن المصري كان حتي زمن قريب لا يري مصلحة أكبر من أن يكون في أعين الناس (راجل). تخبرنا قصة جدو أيضاً أنه لم يعد هناك كبير لأي شغلانة في البلد يمكن أن يحكم بما ترضاه الناس حتي لو كان الرضا علي مضض، لم يعد هناك كبير لأي شغلانة يتمتع بهيبة تغلق ملفات العداء والخصام في جلسة واحدة، ليس هذا فحسب، بل إن من نعتقد أنهم الكبار يصغرون في أعين الناس بمرور الوقت.. هناك من يزور أوراق التعاقد وهناك من يصطاد في الماء العكر وهناك من لا يمتلك القوة علي أن يقول عيب ومايصحش وإحنا آسفين وهناك من يمتلك القدرة علي تزييف الحقائق حتي يبرئ نفسه وهناك من يجرف باسم البيزنس فدان المبادئ الذي كنا نفخر به جميعاً. تخبرنا قصة جدو أن لاعبي الكرة يشعرون برعب كبير، فالكرة شغلانة مالهاش مستقبل، الأسر التي كانت ترفض أن تُزوج بناتها للاعبي كرة أصبحت مثاراً للسخرية، وهو ملمح اجتماعي انهار تحت وطأة بريق الملايين التي تسطع في مانشيتات الصفحات الرياضية، نسي المجتمع أن لعب الكرة مش شغلانة أصلاً، وأصبح الجميع يتبارون في أن يُلحقوا أولادهم بمدارس الكرة، ويبحثون عن واسطة لها بدأب يفوق دأبهم في البحث عن واسطة لإلحاق الابن بمدرسة محترمة، أصبح المجتمع مجذوباً بكرة القدم، وحدهم اللاعبون يعرفون أن عمر هذه الشغلانة قصير ولابد أن يكون هدفه الأول فيها هو جمع أكبر قدر ممكن من الأموال ليعيش بعدها عاطلاً بعقد احتراف، مهمة انتحارية يري البعض أنه لا مكان فيها للمبادئ أو الأصول، يا تلحق يا ماتلحقش، فما المانع أن تبحث عن مصلحتك مع نادٍ وتوقع له وإخبار الناس أن حلمك هو اللعب لهذا النادي الذي تحبه بجنون؟، وإذا ظهر زبون آخر يدفع أحسن فما المانع من التحايل وإخبار الناس أن النادي الأولاني كنت تحبه زي أختك؟، تلك النظرة السطحية للعبة أنست الناس أن تنظر أبعد قليلا وأنستهم أن الرياضة اختراع له أهداف أرقي. تخبرنا قصة جدو أننا صرنا نبحث عن ظهر لنا في السلطة، نبحث عن اسم نحتمي به ونؤمن تماماً بأن السلطة هي التي تؤمن نجاحنا في أي مكان، أكدت قصة جدو أن البعض أصبح يؤمن بأن موهبة اللاعب لا مستقبل لها مالم تكن في فريق كبير، ونجاح الشخص في الانتخابات مرهون بأن يأتي مرشحا عن طريق الحزب الوطني، والحصول علي المنصب مرهون بالزواج من ابنة مسئول كبير، حتي الثروة نفسها لا ضامن لزيادتها إلا بالزواج من السلطة وهو زواج له صور كثيرة. تخبرنا قصة جدو أنه في بلادنا فقط وفي أي مجال في مصر عندما يُحرز المنافق هدفاً من وضعية التسلل يتم احتسابه هدفاً صحيحاً.