الجدل الحاصل حول مسلسل الجماعة مفيد دون شك لعامة الناس الذين لا يعرفون نشأة وأفكار جماعة الإخوان المسلمين، فالمسلسل يعرض وجهة نظر وقراءة كاتبه وحيد حامد المعروف بتوجهاته اليسارية وبأيديولوجيته المغايرة لتيار الإسلام السياسي، وفي المقابل تستعد جماعة الإخوان لإنتاج مسلسل تليفزيوني بعد عيد الفطر لمجابهة مسلسل الجماعة والرد علي رؤي وقراءة وحيد حامد للأحداث والتاريخ. في كل الأحوال سيكسب المشاهد وسيتابع القراء ما يثار من جدل فكري وأيديولوجي حول طبيعة جماعة الإخوان المسلمين التي تعد باعتراف الجميع فصيل المعارضة الأكبر في الشارع السياسي المصري سواء عجبتنا أفكارهم وموافقهم أم لم تعجبنا. حسناً فعلت الجماعة بعدم رفع دعوي قضائية ضد عمل فني حتي وإن رأته مغايراً للواقع ومنافياً للحقيقة، لكنها أخطأت حين وصفت العمل بالإسفاف والسطحية والبهتان والزور، فلا أحد يملك الحقيقة كاملة ولا أحد منزه عن الخطأ والزلل، كما أنه من حق أي كاتب أن يري أي حزب أو فصيل سياسي كيفما يشاء، وأن يكتب السيناريو الذي يروق له، ولا يحق لأحد أن يصادر رأيه وحقه في إبداع ما يريد. من حق الجماعة أو أي طرف آخر أن يوجه نقداً بناءً قائماً علي معايير موضوعية وقراءات تاريخية، أما اتهام وحيد حامد بأنه كتب المسلسل وتفاصيله بأوامر وإملاءات أمنية فهذا لا يليق. صحيح أن رجال وقادة الأجهزة الأمنية الذين ظهروا في مسلسل «الجماعة» اتسموا بالمظهر الراقي وبالسلوك التطهري المستقل عن السلطة، دون أن تشوبهم شائبة واحدة، مما سيحيل الصورة لدي المشاهد أولاً إلي محاولة نفض الغبار عن الأمن وإلحاق الأذي بجماعة الإخوان، إلا أن وحيد حامد وعبر الحلقات العشر الأولي من المسلسل تقاطعت أفكاره في بعض الأحيان وتلاقت في مواضع أخري مع موقف النظام الحاكم من الإخوان، ومن ثم لا يمكن إحالة كل ما ينتجه وحيد حامد إلي خدمة مسار السلطات، وهذا ليس بجديد علي وحيد حامد الذي قدم من قبل صورة متوازنة في أفلام ساوي فيها بين خطر الفساد المستشري في الدولة وبين خطر التيارات الإسلامية المتشددة حسب وصفه. قد يكون من المبكر الحكم علي مسلسل «الجماعة» قبل التعرف علي كيفية معالجاته لفترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، والتي ستبلور دون أدني شك ما إذا كان المسلسل متحاملاً علي الإخوان المسلمين أم لا. ويبقي السؤال هو إذا كانت «الجماعة» تري أن مسلسل وحيد حامد سيؤدي إلي مزيد من الاهتمام الشعبي بقصة الإخوان وأهداف الجماعة وأنه سيتيح لعناصر وكوادر الجماعة في جميع أرجاء مصر والعالم العربي والإسلامي الرد والتوضيح حول فحوي ما يعرضه المسلسل الآن، فلماذا كل هذا الغضب والهجوم الذي يتزايد كل يوم أم أن هذا ليس إلا حلقة من حلقات تجهيز الرأي العام قبل شهرين من موعد الانتخابات البرلمانية؟! سننتظر المسلسل الذي تستعد جماعة الإخوان لإطلاقه لنري كيف عالجوا هم أنفسهم نشأة وتطور الجماعة، وهل سيظهرون قادة الجماعة كملائكة أشبه برجال الأمن في مسلسل وحيد حامد؟! أم أن «الدراما التليفزيونية المحترفة» ستجبرهم علي إتقان الخلطة المطلوبة لإنجاح مسلسلهم؟! نعم قد تحسن جماعة الإخوان المسلمين التصرف وتستفيد من عرض المسلسل الرمضاني، وقد تستفيد أكثر إذا وجدت قنوات تليفزيونية شعبية لعرض مسلسلهم الجديد، لكن المؤكد أن جمهور المشاهدين هو المستفيد الأكبر من ذلك الجدل السياسي وتضارب الرؤي والأفكار، خصوصاً إذا تكرر هذا الجدل في مسلسلات أخري تتحدث عن نشأة وتطور حزب الوفد وحزب التجمع والأحزاب الناصرية بما يثري الحياة السياسية في مصر ويفتح أذهان الناس ويشجعهم علي الانخراط في السياسة بعد سنوات طويلة من العزوف الدرامي عن الخوض في السياسة وما وراءها من أفكار، بعيداً عن الصراعات الإقليمية والدولية التي أصبحت أشبه بالصناعة المعلبة المقولبة التي تصيب الناس بالملل وتصرفهم عن التفكير في قضاياهم الداخلية.