من فضل الله علينا ومن آيات رحمته الواسعة أن «الحكمة الرئاسية» دائماً متوفرة وموجودة في كل فصول السنة وفي كل الأجواء والمناسبات والظروف السعيدة والتي ليست كذلك، كما أن من نواميس الكون الثابتة والناشطة في بلادنا نحن فقط أن نظام الحكم بتاعنا عادة بريء وسياساته بريئة وخالته أيضاً بريئة، ولا أحد من هؤلاء مسئول أبداً خالص البتة عن الكوارث والمصائب السوداء التي باتت تدمن وتهوي الهبوط والوقوع يومياً علي رأس هذا الشعب بالذات، بل إن هذا الشعب بالذات هو نفسه المسئول والمجرم الحقيقي غالباً، ولكن أحياناً بتكون خالته هي المسئولة وفي أحيان أخري «الأسعار العالمية»، أو الحر في الصيف والبرد في الشتاء، وحتي عندما يكون الجو جميلاً والطقس لطيفاً فإن الجمال واللطف الزائدين عن اللزوم يسببان بلاوي ومشاكل كثيرة! باختصار.. جميع الناس والأشياء والكائنات والظواهر التي في هذه الدنيا قد تكون مسئولة عن كوارثنا وبلاوينا، والكل مؤهل ومرشح للاتهام بارتكاب الآثام والخطايا في حق السيدة مصر عدا قطعان التجار الأبرار الذين يحكموننا بالعافية ويقعد كل واحد منهم علي كرسي الوزارة أو «الإمارة» المناسب لإدارة شئون «سبوبته» وضمان ازدهارها. وقبل أيام قليلة قال موظف كبير في وزارة الأوقاف (وصفه موقع «الدستور» الإلكتروني بأنه مستشار الوزير) خلال كلمة ألقاها في إحدي جلسات ما يسمي «ملتقي الفكر الإسلامي» الذي تنظمه الوزارة علي مدي أيام الشهر الفضيل الحالي: إن «الغلاء الذي نعيشه (الآن) غلاء عالمي لا يقتصر علي المصريين فقط، وإن الدولة (يقصد الحكومة) لا تقصر في مكافحة الغلاء»، وأضاف قائلاً: «مسئولية الغلاء تقع علي المسلمين أنفسهم»، وألقي باللائمة تحديداً علي «التجار الذين يعيشون في الحرام ويستغلون الناس واحتياجاتهم ويستغلون شهر رمضان للحصول علي مكاسب مضاعفة»، لكن جنابه عاد وقال إن «الناس (عموما) ينفقون ببذخ ويخالفون فقه الأولويات»!! إذن، ومن منظور «فقه النفاق» الذي يحدد بدقة «أولويات» المسئولية عن الغلاء وخلافه فإن دولة جناب المستشار مظلومة وبريئة، إذ إنها بتعمل الواجب اللي عليها وبتكافح الغلاء بالمبيدات الحشرية طول النهار، ثم عندما يأتي المساء وتذهب لتنام قريرة العين في سريرها فإن «الغلاء العالمي» يستغل الفرصة وينقض بالليل والدنيا ضلمة علي السلع والخدمات في البلد ويولعها نار، وكذلك يفعل «التجار الجشعون» ففي اللحظة التي يطمئنون فيها ويتأكدون أن الدولة والحكومة صارتا تأكلان رزاً باللبن مع الملائكة (أو الشياطين) وقد نامت عليهما حيطة وخلاص، في هذه اللحظة يشرعون فورا في التمتع ب«العيشة الحرام» شوية، وممارسة الاستغلال اللذيذ، أما باقي الشعب فيتجاهل فقره وبؤسه وجوعه وينطلق كالمجنون في الأسواق و«المولات» ينفق ويصرف ويبعزق بسفه وبذخ شديدين، ودون أن يرف جفن واحد في عيونه الجريئة أو يشعر بأي وخز في الضمير كونه بهذا الجنون يخالف وينتهك «فقه الأولويات» بوحشية فظيعة وشنيعة جدا..!