رفضت أن تتحمل مسئولية رعاية أي حفيد إلا هذه الحفيدة، بناتها جميعهن طلبن منها أن يتركن الأبناء في رعايتها، ودائمًا كانت تعتذر، إلا حفيدة واحدة وافقت علي رعايتها عندما رأت أنها تشبهها . وأصبحت الصغيرة معتادة علي مصاحبة جدتها في كل مكان، اعتادت الأم أن تخرج من الصباح الباكر وتتركها في رعاية الجدة منذ كان عمرها أيامًا، تعمل الأم مثل باقي أخواتها في عدة بيوت، كل يوم بيت مختلف ولا أحد منهم يقبل بأن تصطحب طفلتها معها، لكن الجدة كانت تجلس في الشارع الرئيسي تبيع خضراوات تأخذها من التاجر وتسدد جزءًا من ثمنها صباحًا وتكمل الباقي آخر النهار، لا تحب تراكم الديون، أولا بأول كل يأخذ حقه، مكسبها من بيع الخضار لا يكفي مصاريف اليوم، المكسب الحقيقي يأتيها من تنظيف الخضراوات لموظفات الوزارة القريبة، يشترين الخضار أول النهار ويتسلمنه نظيفًا وجاهزًا علي الطبخ آخر النهار، وكل منهن تعطيها «اللي فيه القسمه» أيام أجازات الوزارة تنام في بيتها . كبرت الجدة رغم أنها مازالت في أوائل الخمسينيات من عمرها . بناتها يعملن جميعًا في نفس المهنة التي أورثتها لهن واعتزلت هي العمل، لم تعد تتحمل أوامر من سيدات في عمر بناتها، ففضلت المكسب القليل بكرامة عن نظرات التكبر وكلمات الاستعلاء . موظفات الوزاره يتعاملن معها كصديقة، وهي تعاملهن بندية لم تكن متوفره لها أيام خدمة البيوت . أحيانًا تسألها واحدة منهن عن طريقة طبخ أكلة صعبة، فتشرح لها بتواضع مفتعل وتقول «من غير علام كده». ذات صباح قابلت إحدي جاراتها تخرج من بيتها مهرولة فسألتها: «علي فين ؟» همست لها الجارة باسم أحد كبار التجار وقالت إنه يقوم بتوزيع لحوم علي الفقراء ودعتها للذهاب معها . لم تذهب يومها إلي السوق واصطحبت الطفلة وتبعت جارتها إلي مقر التاجر وهناك قررت ألا تكرر هذه الرحلة أبدًا .. اكتشفت أن جارتها تعرف مواعيد التوزيع في أماكن عديدة، وتذهب يوميًا إلي مكان مختلف تحمل كيس بلاستيك فارغًا تعود به ملآن، وكله أكل عيش . قالت لنفسها ( حد الله .. كرامة الواحد اهم ) لكن لم تستطع أن تصارح جارتها بأنها تشعر بالإهانة. وفي اليوم التالي عادت إلي موقعها بالقرب من الوزارة، ومعها صغيرتها شبيهتها، آخر النهار فوجئت بالطفلة تقول لها «المدام هتديني تلاجة» وتشير إلي زبونة من الموظفات . اقتربت المدام منها وقالت « بتقولي هاتي تلاجة عشان تلاجتها عطلت .. مش عارفة اختارتني علي أي أساس .. قلت لها الله يجبر بخاطرك .. شكلي كده بافرق تلاجات؟!» غادرت الزبونة وسألت الجدة طفلتها: ليه عملتي كده ؟ قالت الصغيرة «قالت لي الله يجبر بخاطرك يعني هتديني تلاجه».