ساعات طويلة حاولت فيها خلع أشواك الحزن الذي دهم أي أب وأم، وجد وجدة حين نزل نبأ افتقاد عائلة الرئيس مبارك الحفيد محمد. سافرت بي الافكار إلي دوامات المنطقة العربية، ومتاعب حصار إسرائيل بأفكار السلام، ومشكلات الداخل المصري وهي كثيرة منوعة ومتعددة، ووسط كل ذلك جاء الخبر الذي بدا وكأنه صاعقة توخز القلب، فتدور الدورة الدموية عكس الاتجاه لترتبك الاعماق. وعلي الرغم من معرفتي بأن الرئيس كان قائدا لسلاح الطيران، وهو السلاح الذي تمتلئ ذكريات كل مقاتل فيه بأنباء مفاجئة عن افتقاد بعض من رفاق السلاح عبر مواجهات القتال أو حتي في التدريب، فإن التجربة عندما تأتي للحفيد يصعب تصور مدي ما فيها من آلام. وحسنا فعل المقربون من حسني مبارك حين توجهوا له بالرجاء ألا يشارك شخصيا في الجنازة، فالرحلة كما شاهدناها بالتلفزيون كانت اكثر من قاسية، مشهد الاب والعم وهما يحملان جثمان الصغير علي الاكتاف، ثم مشهد الاب وهو يربت علي النعش، كل تلك هي أمور تفوق قدرة البشر علي الاحتمال. ولكن من قال إن المصريين غير محترفين لتلقي الكوارث؟ أعلم من بعض رفقاء السلاح للمقاتل حسني مبارك، كيف كان يواجه مثل تلك الامور اثناء قيادته سلاح الطيران، حيث كانت قيادته تحول الحزن العميق إلي شجن، وغرق في اتقان العمل لتحقيق مستوي ناضج من التوفيق في المهام المختلفة. وإن كنت أشعر بأن علاقة الجد بالحفيد تبدو شديدة التميز في التدفق العاطفي المتواصل بين الاثنين، لانها تختلف عن الاب بالابن، فالاب يشعر طوال الوقت بثقل الانتباه المتجدد لضرورة ان ينجز الابن كل مسئوليات حياته، أما الجد فتتدفق تيارات عاطفية غير متوترة بينه وبين الحفيد، فإذا كان الاب يحرص طوال الوقت علي تنبيه ابنه إلي مسئولياته، فالجد يحاول ان يجعل من تلك المسئوليات مجرد ابتسامة علي شفتي الحفيد. ومعلوم علميا ان الجد يفجر في الحفيد طاقات عالية من الثقة بالنفس، وعادة ما يحب الاب ان يركن لوالده كي يتعلم منه اسلوب رعاية الابناء، ولذلك نجد كتب التربية كلها تحكي عن قيمة العائلة الممتدة، أي التي يوجد فيها الابناء والاحفاد في بيت واحد أو بيوت متقاربة، لأن الام تتعلم من السيدات الاقرب والاكثر خبرة، والاب يتعلم من والده وعمه وخاله، فحين تعيش أسرة شابة في محيط عائلة اكبر تكون فرصة رائعة للجميع لأن يتبادلوا الخبرة، وينشأ الطفل في هذا المحيط الدافئ من الحنان والرقابة والسلطة النابعة من المحبة. ولذلك يكون افتقاد حفيد مؤلما للجميع، فما بالنا بأن يكون المفقود هو حفيد رأس الدولة؟ ومن يرقب السطور التي كتبها المصريون العاديون علي شبكة الانترنت منذ نشر نبأ اصابة حفيد الرئيس بالمرض سيري هذا الخيط الموصول من أطراف العائلة المصرية مكتملة بالرئيس مبارك. وجاء نبأ رحيل الحفيد بشكل مفاجئ فاجعا ومؤلما. كل ما أشعر به ان الكلمات تتعطل وتعجز عن اختراق حواجز الألم لأقول للمواطن محمد حسني مبارك: "بارك الله فيك وأمدك بالعون والصبر"، وأقول للفاضلة التي أعطت الكثير لأطفال مصر: " فليساعدك الله بالصبر علي هذا المصاب الفادح". أما عن علاء مبارك فدموعه لحظة ان حمل جثمان ابنه مزقت كل قلب شاهدها، وإذا كان هذا هو حال من لم يلتقوا بك، فما بالنا بحالك أنت؟ كل ما نطلبه من السماء ان تنزل السكينة علي قلبك وقلب والدة الطفل. إن الكلمات تتعطل وتعلم انها عاجزة عن التعبير بالمشاركة في هذا الألم الجسيم. لقد جاء البيان الرئاسي بكلماته عن احتساب الفقيد عند الحق سبحانه، هو برهان عن عميق الايمان والتسليم بقضاء الله الذي يعوض المحتسبين بالصبر.