من التوصيات المهمة التي انتهي إليها لقاء بيروت التحضيري للقمة الثقافية في يوليو الماضي، تلك التوصيات التي تتعلق بإعلاء القيم الإنسانية وحوار الثقافات، وفي هذا الصدد أوصي اللقاء بضرورة أن تتبني القمة الثقافية العربية، إنشاء معهد عربي لحوار الحضارات، وإنشاء مؤسّسة لتدريب الشباب علي الحوار وجدوي احترام القيم الإنسانية، انطلاقاً من اعتبار أن الحفاظ علي القيم مسئولية أساسية من مسئوليات الدولة، ويجب رعاية ذلك والعمل علي تحقيقه. وكذلك العمل علي وضع معجم موسوعي عربي لتحديد سلم القيم النظرية الإنسانية العقلية والدينية لتكون مرجعاً أساسياً في برامج التعليم من ناحية، ولجميع فئات المجتمع من ناحية أخري. وفي هذا السياق أيضا أوصي اللقاء بتأسيس وقفات وطنية في جميع الدول لدعم مؤسّسات المجتمع المدني ومراكز البحوث التي تعمل علي الحفاظ علي القيم المجتمعية والوطنية لضمان الدعم الدائم لمثل هذه المؤسسات، مع ضرورة التعاون بين المؤسّسات الدينية والمؤسّسات المدنية من أجل تعزيز القيم المدنية والدينية وإيجاد توازن بينها. كما انتبهت التوصيات إلي أهمية العمل علي جعل منظومة القيم المجتمعية والوطنية جزءاً من مناهج المراحل الدراسية المختلفة. إدراج قيم احترام التعدّدية والتنوّع وحقّ الاختلاف داخل المجتمعات العربية في المناهج التربوية والأنشطة الإعلامية انطلاقاً من اعتبارها مصدراً غنياً وليس مصدر أزمات. وعلي صعيد آخر دعا اللقاء القمة إلي تبني العمل علي وضع آلية للحوار بين القيادة السياسية ومثقفي ومفكري الوطن بشكل دوري لتحقيق تعاون مشترك لخدمة الوطن. ولم تقتصر التوصيات علي الاهتمام بالحوار مع الآخر المختلف في الغرب والشمال، بل تبنت كذلك أهمية فتح حوار معمّق مع الثقافات الآسيوية التي أقامت معها الثقافة العربية تاريخاً طويلاً من التفاعل الثقافي، والاستفادة من تجربة تلك الدول الشرقية التي نجحت في إقامة التوازن الثقافي بين الأصالة والمعاصرة. أما موضوع السوق الثقافية العربية فقد احتل حيزاً مهماً من التوصيات، دارت حول ضرورة العمل علي مراجعة جميع الوثائق المتصلة بالعمل الثقافي العربي المشترك وتحديثها وتفعيلها، خصوصا أن هناك عديداً من الاتفاقيات التي تحتاج إلي أن تفعل وتدخل حيز التنفيذ، ومشروعات الاتفاقيات التي تحتاج إلي إقرارها في مجالات السوق الثقافية والصناعات الثقافية، وقد عملت علي هذه الاتفاقيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم منذ سبعينيات القرن الماضي، وقدمت الكثير في هذا الصدد، ويحتاج الأمر إلي قرار سياسي كي تدخل مثل هذه الوثائق إلي حيز التنفيذ. وقد دعت التوصيات كذلك إلي اتخاذ إجراءات متعددة علي مستوي الدول العربية مجتمعة وعلي المستوي القطري، مثل: الدعوة إلي إنشاء مركز معلومات للإنتاج الثقافي العربي والصناعات والخدمات المتصلة به، وإنشاء صندوق للتنمية الثقافية يدعم الإنتاج الثقافي، ويشجّع علي الاستثمار في الصناعات والخدمات الثقافية، وإنشاء مصارف عربية متخصّصة تعمل علي دعم الاستثمار في الصناعات الثقافية وفق معايير الجودة، وتأسيس شركات عربية للتوزيع، برأسمال أهلي، وتوجيه الأقطار العربية إلي إصدار تشريعات تسهم في تعزيز الاستثمار في هذا المجال، وإعطاء معاملة تفضيلية لصناعة الكتاب في الوطن العربي من خلال التشريعات الضريبية والجمركية، مع اهتمام خاص بصناعة الكتاب الرقمي والاهتمام برقمنة كتب التراث العربي ونشرها في هذا الوعاء الإلكتروني، وإقامة صناعة عربية للورق برأسمال مشترك، كجزء من حماية الأمن الثقافي العربي، ودعم صناعة السينما وأنواع الإنتاج الفني الأخري، مع تشجيع الاستثمار في هذا المجال، وتقديم التسهيلات والحماية اللازمة لها، وإنشاء مراكز تحديث وتطوير للصناعات الثقافية في الأقطار العربية، وذلك لبناء القدرات الذاتية للمؤسّسات العاملة في هذا المجال، بالتركيز علي التدريب والاستشارات ونقل الخبرات. ثم الدعوة إلي زيادة الموارد المخصّصة للثقافة في كلّ قطر عربي، وإلي تنقية التشريعات الوطنيّة، خصوصاً في مجاليّ الضرائب والجمارك، من كلّ ما يعوق مسيرة الإنتاج الثقافي، والعمل علي تحفيز الوظيفة الثقافية لرأس المال الخاص ومؤسّسات المجتمع المدني لتوجيه جزء من استثماراتهم وجهودهم إلي المجال الثقافي. كما ترددت في اللقاء الدعوة إلي عقد «قمة» شعبية موازية تضم ممثلين للمثقفين والكتاب والمبدعين، ولروابطهم ونقاباتهم ومنظماتهم المختلفة، وممثلين للقطاعات الفنّية وقطاعات الإنتاج والتوزيع، وللقائمين علي الصناعات الثقافية بشكل عام. لكن يبقي السؤال قائماً بعد هذا كله، هل ستنعقد قمة ثقافية عربية حقاً؟