من أين تأتي كل هذه المليارات؟ خلف كل حدث يشغل الناس في مصر ملايين ومليارات.. تتكلم وتفعل وربما تقتل. المال يدير الدولة، وليست الدولة هي التي تدير الأموال. لماذا تتضخم ثروات الشخصيات السياسية الكبيرة بمجرد عبورهم الخط الوردي للسياسة؟ في السياسة منطقة حمراء، إذا وصلت إليها سيكون من الممكن عبور الخط الوردي لتقترب من الشلة المحيطة بقصور الحكم. هناك منطقة حمراء في البيزنس أيضاً، علي كل من يقترب منها دفع نسبة معروفة لشبكة سرية لا يعرفها. لمن؟ لا يعرف! المعروف وكما حكي لي صديقي في عالم البيزنس: إذا وصلت أعمالك إلي رقم معين، فإنك لابد أن تدفع نسبة 15% لكي يسمح لك بالاستمرار أو الوجود اصلا. هذه أعراف تتغير طبعًا، وتتبدل، لكنها تسير في إطار محكوم بالوعي الذي تغير فيه وضع الاقتصاد في مصر، من دولة تملك الثروة وتديرها، إلي دولة تدخل عصر السوق وعليها توزيع الثروة، فاختارت مجموعات يمكن السيطرة عليها ومنحتها عطايا ومنحًا، هم ليسوا طبقة رأسمالية، ورجال مال، هم موظفون من الباطن يديرون ثروة الدولة . بعضهم تجاوز الآن وضعه الوظيفي، ويقترب من أدوار أعلي، لكن القانون العام هو أن الدولة تمنح وتمنع، وكل رجالها في البيزنس، ليسوا شخصيات مستقلة، ولكنهم رعايا، منحهم الباب العالي بركته. هكذا يلتقي العابرون إلي المناطق الحمراء في السياسة والاقتصاد ويرسمون خريطة مستقبل مصر. هناك وجه شبه بين أصحاب الثروات السهلة وأغنياء الحضارة الرومانية في اختراع فنون الترف والبذخ إلي آخر مدي. سادة روما كانوا سبب سقوط الحضارة الكبيرة، فماذا سيفعل سادة الثروات المترفة في مصر؟ بالطبع هناك وجه اختلاف كبير، أن أغنياء روما شاركوا بشكل ما في بناء حضارة عظيمة، لكن أصحاب الثروات المترفة يلعبون في مصير بلد كلما ظهرت علامات نهوضه.«هل الشائعات عن ملياردير واحد يمكنها أن تسقط البورصة؟»، سؤال من سائق تاكسي شعر بالدوخة من القصص التي يقرأها في الصحف ويسمعها من ركاب الليل. كيف تحوّل محاسب يدير شركة عائلية تشبه 20 ألف شركة إلي ملياردير، حجم الأموال التي تديرها مجموعته يفوق 7 مليارات جنيه في أقل من 10 سنوات؟المال متطرف الآن في مصر؛ قاتل ومصاص دماء ونتاج طبيعي لتطرف السلطة. تطرفها يقود الغرائز إلي الحافة دائماً، المال لا يبني في مصر لكنه يصنع حالة وجود هيستيري لأصحابه. يبحثون فيه عن الامتلاك والاحتكار، يبحثون عن جمال متطرف يقود إلي الجنس القاتل لا إلي المشاعر والعواطف.وباشوات اللحظة الراهنة يملكون ثروات متوحشة وعقولاً فارغة وأرواحاً معتمة، يشبهون أغنياء الحرب الذين كانوا مسخرة الصحافة في مصر بعد الحرب العالمية الثانية، جمعوا ثروات من التجارة في مخلفات الحروب، ثروات لم تترافق مع نقلات لا في الوعي ولا الثقافة ولا الذوق.. باشوات هذا الزمان هم نتاج حروب النظام علي الشعب المصري. قرار الحرب علي الداخل كان باب السعد والثروة لجيل جديد من الأغنياء.