السيسي: مصر كانت على حافة الهاوية.. وأسعى منذ 2014 إلى تغيير الوضع    توقيع عقد إدارة وتشغيل مرفقي النقل الداخلي بمدينة طنطا والمحلة الكبرى    السكة الحديد: إنشاء خطوط جديدة كممرات لوجيستية تربط مناطق الإنتاج بالاستهلاك    أسعار الذهب اليوم وعيار 24 يسجل 6371 جنيهًا بدون مصنعية    "الإحصاء": 100% من سكان المملكة يحصلون على خدمات مياه الشرب والصرف الصحي    التلفزيون الرسمى فى غينيا بيساو يعلن عزل الرئيس إمبالو من منصبه    سيف الحرية.. أسرار الموساد بإيران من سرقة الأرشيف النووى لاغتيال فخرى زادة    غارات إسرائلية بطائرات مروحية على منازل طوباس بالضفة الغربية    لوكاشينكو يؤكد لبوتين استعداد مينسك لاستضافة أي منصة للمفاوضات حول أوكرانيا    ياسر إدريس يعلن اختيار النني سفيرا للجنة الأولمبية.. ويهديه القلادة الذهبية    أبطال آسيا 2 - في غياب معتاد ل رونالدو.. النصر يكتسح استقلال دوشنبه برباعية    منتخب مصر للكرة النسائية تحت 20 عاما يفوز على تونس في بطولة شمال أفريقيا    فادي خفاجة يستأنف على حكم حبسه في اتهامه بسب وقذف مجدي كامل    تحذير من الأرصاد الجوية: فرص سقوط الأمطار مستمرة لبداية الأسبوع المقبل    الإدارية العليا تمد أجل الحكم فى 187 طعنا على انتخابات النواب لجلسة السبت    وفاة شخص إثر انقلاب دراجة بخارية بصحراوي المنيا    ضبط سائق استغل سيارته الملاكى فى نقل الركاب وطلب أجرة زائدة بأسيوط    التوني وفواز وخبراء البيئة يطرحون رؤية جديدة لصناعة سينما مستدامة في مصر    3 أخوات وعزيزة الفاتح ومحمد معز مواهب لافتة فى برنامج كاستنج الجامعات    وزير الثقافة ينعى الناقد الدكتور محمد عبد المطلب    جهاد حسام الدين: تجربتي في «كارثة طبيعية» صعبة.. ومستحيل أخلف 7 أطفال في الواقع | خاص    خالد الجندي: ثلاثة أرباع من في القبور بسبب الحسد    أهم أخبار الكويت اليوم.. الأمير يشارك باجتماع الدورة العادية ال46 لمجلس التعاون    مرسى مطروح تواصل تطوير السوق الحضاري ورفع كفاءة المظلات والباكيات    وزارة التعليم العالي تترقب حكم المحكمة لإلغاء الشهادات المهنية بالجامعات المصرية    قطاع أمن المنافذ يضبط قضايا تهريب ومخالفات جمركية متعددة خلال 24 ساعة    جامعة المنيا تخصص 10 ملايين جنيه لدعم الطلاب عبر صندوق التكافل المركزي    صدمة في الكرة المصرية..رمضان صبحي موقوف 4 سنوات بسبب المنشطات    في الجول يكشف تطورات موقف صلاح ومرموش من المشاركة في ودية نيجيريا    فوز مدرسة الشهيد أحمد فوزى زيد الثانوية بنات بأبو حمص بلقب أفضل بالبحيرة    هل تكون هنا الزاهد عروس الوسط في 2026؟.. الفنانة تجيب    مؤشرات أولية تكشف خريطة انتخابية أكثر تنوعًا.. وتقدم مرشحين معارضين يعيد تشكيل توازنات البرلمان المقبل    رئيس هيئة الرعاية الصحية: استدامة التمويل الصحى ركيزة لجودة الخدمات    وصول بعثة منتخب الطائرة إلى الأردن للمشاركة في بطولة التحدي العربية    جامعة عين شمس تشارك في اجتماعات معاهد كونفوشيوس وتعزز تعاونها مع الجامعات الصينية    مؤشرات الفرز الأولية والحصر العددى لدائرة السنبلاوين وتمى الأمديد بالدقهلية.. فيديو    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : استرح فى واحة الانس !?    جامعة بنها تطلق مسابقة "فنون ضد العنف"    مجلس جامعة الأزهر يوجه الكليات بالاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية    مران بدنى خفيف للاعبى الزمالك عقب الوصول لجنوب إفريقيا    إيران: التهديدات الأمريكية لفنزويلا انتهاك للقانون الدولي    محافظ المنوفية يتفقد الموقف التنفيذي لأعمال تطوير ورفع كفاءة كوبري الميتين    لجنة استشارية من فنون تطبيقية حلوان لإبداء الرأي في ترميم جداريات سور حديقة الحيوان    إجراءات حاسمة تجاه المقصرين في الوحدات الصحية بقنا    صوتك هو سلاحك.. نداء من نواب جولة الإعادة: لا مكان لشراء الأصوات    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات اليوم    رئيس الوزراء ونظيره الجزائرى يشهدان توقيع عدد من وثائق التعاون بين البلدين    حريق يحاصر أشخاصا في مبنى شاهق في هونج كونج وإصابة شخص بحروق خطيرة    دوري أبطال إفريقيا.. قائمة بيراميدز في رحلة زامبيا لمواجهة باور ديناموز    انطلاق أعمال اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب بالجامعة العربية    بعد واقعة السلام.. التحرش داخل المدارس حوادث تهدد استقرار الأسرة والمجتمع    وزير الصحة يزور مستشفى «أنقرة جازيلر» المتخصصة في تأهيل إصابات الحبل الشوكي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    قافلة من أسنان القاهرة للكشف على طلاب كليات القطاع الصحى بالجامعة الأهلية    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    ريهام عبد الحكيم تتألق في «صدى الأهرامات» بأغنية «بتسأل يا حبيبي» لعمار الشريعي    تقدم مرشح حزب النور ومستقبل وطن.. المؤشرات الأولية للدائرة الأولى بكفر الشيخ    دعاء جوف الليل| اللهم يا شافي القلوب والأبدان أنزل شفاءك على كل مريض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وائل عبد الفتاح يكتب: عودة الأبقار المقدسة في خريف الديموقراطية
نشر في الدستور الأصلي يوم 23 - 10 - 2010

ماذا يحدث في مصر؟ هل انتهى ربيع الديموقراطية؟ ما هي ملامح خريف الحرية؟ هل ستعود الصحافة إلى المربع الصفر وتخاف الاقتراب من الأبقار المقدسة؟ أسئلة كثيرة أمام واقع عودة الأبقار المقدسة بحماية الثروات المصطنعة هكذا انتهى «ربيع الحرية» &; من يحمي الأبقار المقدسة؟ لم ينشغل الرجل إلا بالنظر إلى الكيس الذي تلمع داخله حبات حمراء. ضحك وداعب حامل الكيس: «منذ متى أصبحت ثرياً؟». جنون الطماطم حوّلها إلى ثروة بعدما قفز سعرها من 3 جنيهات إلى ما يقرب من 15 جنيهاً. ارتفاع لم توقفه حملات الحكومة لإعادة المجمعات (من تركة العهد الاشتراكي) إلى الوجود وتقديم طماطم رخيصة بخمسة جنيهات. تصريحات المسؤولين لتبرير الجنون الأحمر لم تبرد نار ارتفاع الأسعار، ولم تسيطر على آثارها الحارقة. قطاعات اجتماعية تخسر مكانتها في المجتمع بسبب سياسات غير عادلة، وأخرى تتسابق في ماراثون ترسم حدوده قوى تعيش في عزلتها المقدسة. قوى مقدسة، لا تُرى ولا يُعرف حجمها، لكن يشعر بوجودها؟ خف الحضور المقدس في سنوات «ربيع الديموقراطية»، وبدت أساسيات جمهورية «الفرعون» تميل إلى تفكك بلا أفق ولا ملامح. «الربيع» تحول إلى فوضى، وتسييس من أسفل، لم يتحول إلى كيانات، أو مؤسسات بديلة.
وهذا ما أوحى للقوى بأن تتخذ بسهولة (من يعمل بمفرده على الساحة) قراراً باستعادة قداستها، وهيبة الدولة، لكن بأسلوب يستفيد من معطيات «الربيع». لهذه القوى سحرها الطاغي، صدقت الشرائح العريضة كلاماً مبثوثاً بشكل ما عن إغلاق الفيس بوك، بعد حملة في التلفزيون الحكومي عن خطورة الموقع الاجتماعي، وتبعيته لأجندة استخبارية، واستخدامه أداة لتخريب البلد. المذيعة، المنتمية إلى الحزب الوطني الحاكم بشكل عضوي، ظلت تنصح العائلات بمنع «مصاص» الدماء والوطنية من العرض أمام الشاشات. «الفيس بوك»، بعد تحوله إلى ساحة افتراضية للمنضمين الجدد إلى مسرح الشأن العام، أصبح مادة لحملة من البروباغندا الحكومية في إطار حرب منظمة لاحتلال كل المساحات التي أثمرها «الربيع» واحتلتها احتلالاً شبه منظم أموال تعمل لمصلحة الأبقار وتستنفر الآن لتعيد قداستها. المعارضة الجديدة حطمت الأسوار الشائكة حول الأبقار، ونالت من قداستها. وها هي حملة حصار المشاغبة الإعلامية، تتحرك من شركات ميديا (إعلانات وتلفزيون وصحافة) حاصرت المشاغبين وحولتهم إلى ضحايا ومطاريد يُشغَلون بموقعهم، بعدما كانوا مكاناً للدفاع عن مطاريد النظام. التحوّل ليس بسيطاً، فالانشغال بالذات، بدلاً من الدفاع عن الآخرين، انقلاب دراماتيكي، يُعلي من شأن القوى المقدسة وأدواتها الجديدة. شركات الإعلان إحدى هذه القوى الجديدة التي تتحكم في الصحف الخاصة وترسم بنحو خفي سياساتها. الصحافة الشعبية (المدونات وغيرها) كشفت عن وعي بتفاصيل هذه الشبكة الحريرية المرسومة حول الميديا. يكتب جيمي هوود، في مدونته عن دور علاء الكحكي في أزمة «الدستور». الاسم تكرر أكثر من مرة، وظهر من الظل ليبدو شريكاً غير مرئي في الأحداث، هو صاحب إحدى شركتي إعلانات تتحكم في الميديا المصرية.
وفي عزّ الأزمة، عرض الشاري الأول لصحيفة السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، أسهمه على الكحكي، ولم يعرف قرّاء الخبر أن الكحكي شريك للبدوي في شركة الإعلانات التي قال إنها اشترت حقوق إعلانات «الدستور» واعترضت على وجود إبراهيم عيسى. وهي الشركة نفسها التي تدير صحف «المصري اليوم» و«الشروق» و«اليوم السابع» إعلانياً. يتساءل جيمي هوود: «من صاحب أسوأ تغطية صحافية لأزمة الدستور؟ الإجابة ببساطة المصري اليوم والشروق. اللي بكل بساطة متعاقدين مع شركة «ميديا لاين» وعلاء الكحكي على حقوق الإعلان بالجريدتين». ومن الراعى الرسمي لتصريحات السيد البدوي ورضا إدوارد؟ ببساطة أيضاً «اليوم السابع»، المتعاقدة إعلانياً مع شركة «ميديا لاين» التي تؤدي أيضاً دور المنبر الإعلامي لعلاء الكحكي الذي يقود معاركه من خلالها، فضلاً عن عدة صفقات وتحالفات أخرى مثيرة للجدل، إضافة إلى شرائه جريدة «وشوشة» منذ فترة قصيرة ب9 ملايين جنيه (الرقم الحقيقي لا يتجاوز مليون جنيه في روايات أخرى) نتيجة للديون المتأخرة عليها. الكحكي مندوب إعلانات سابق في قنوات سعودية، استقال منها وأسّس مع زميل له شركة صغيرة، سرعان ما كبرت لتستحوذ على إعلانات أكثر من قناة وصحيفة مصرية. والقفزة الكبرى حدثت مع شراكة الكحكي والسيد البدوي في شركة يحتار المتابعون للسير المالية للشركات في مصدر أموالها الضخمة. وبعيداً عن الحيرة في مناخ الشك المالي، تؤدي شركة الإعلانات هذه دور رأس المثلث في إعادة رسم فضاء الميديا، بما يعيد القداسة للأبقار. لا تتدخل الأجهزة إلا بما تمنحه من سماح بحرية الحركة لهذه الشركات التي تصنع أبطالاً، كما تصنع ضحايا. وعلى نحو متواز مع تصفية «الدستور» وضرب مواقع حرية نقل المعلومات (الرسائل الإخبارية والفايس بوك وبرامج التوك الشو) يُثمَّن مذيع آخر وتُصنَّع بطولته عبر وقف القناة التي يعمل بها، وتوقيف برنامجه اليومي. بطل في مواجهة القبضة الغاشمة، هذه صورة المذيع الطويل اللسان على الجميع إلا الرئيس. وكما كان يؤدي أدواراً محدودة عبر السماح له بنقد لاذع، سيؤدي دوراً أكبر بعد توسيع قميص بطولته ليصبح ضحية إغلاق قناته السعودية. وغالباً سيظهر المذيع حزيناً، قبل أن يقرر دخول المعركة الانتخابية المقبلة على قائمة حزب جرى تصنيعه ليؤدي دور حزب المعارضة الكبير.
وسيجري ذلك بعد أن يكون قد خلع العباءة السعودية ودخل في مصاف بطولة مصرية يقدم بعدها برنامجاً لا يخلو من صدقية ويساهم في مرحلة توازن جديدة بين عودة الأسلاك الشائكة حول الأبقار المقدسة، وبين تسريب الاحتقان عبر الحرية الفوارة في الميديا. هستيريا المال والسياسة &; الحملات المناهضة لجمال مبارك لا تزال مستمرة (ناصر ناصر أ ب)الحملات المناهضة لجمال مبارك لا تزال مستمرة (ناصر ناصر أ ب)لا صوت يعلو فوق صوت الثروات الهابطة بغموضها. لاعبون جدد في ملاعب السياسة يمتلكون شيئاً واحداً: المال. من دونه لا حضور ولا قوة ولا نفوذ أسماء تلمع في صناعة السياسة في مصر من دون تاريخ سياسي، من رئيس حزب «الوفد» السيد البدوي، إلى رضا إدوار مالك جريدة الدستور ومحطمها، ومن قبلهما هشام طلعت مصطفى وأحمد عز، إلى آخر قائمة طويلة جداً من أشخاص حققوا وجودهم السياسي عبر الثروة ولا شيء غيرها. عصر جديد من السياسة، ينافس فيه أمراء المال فرساناً من قطاعات اجتماعية تدخل مسرح الشأن العام، وتحاول طرح مطالب بناء دولة ديموقراطية. عصر جديد لا حدود للمنافسة فيه. المال فيه بلا أفكار كبرى، غير شغل المساحات والتخديم المباشر على المصالح. في السابق كان السؤال: لماذا تتضخم ثروات الشخصيات السياسية الكبيرة بمجرد العبور إلى دائرة الضوء؟ لم يعد السؤال مطروحاً الآن بالقوة نفسها، المال سيد السياسة ومحركها، وفاتح أبوابها العتيدة، ولم يعد صادماً أن يتشارك وزراء في شركة تربح 30 ملياراً في سنة واحدة من بيع أراضٍ منحتها لها الدولة. هؤلاء، مع فرض قانون البقاء للأغنى، هم من لهم الحق في الفوز في الانتخابات، والترشح على قوائم الحزب الحاكم أو غيره من أحزاب مستنسخة، أو من يسيطر على وسائل الإعلام (شركات البث والإعلان). شبكة غريبة تسيطر على الواقع (أراضٍ وعقارات) عبر أدوات (أحزاب وقنوات) وتعيد تخطيط الملاعب السياسية (السيطرة على السلطة التشريعية). الحدود غائمة بين السلطة و«البيزنس»، ليس زواجاً تقليدياً يسمح باستخدام السلطة للمال، لكنه ترسانة مصالح يحمي بها المال السلطة، وتعبّد بها السلطة طرق الثروة السريعة للمغامرين. لم يعد المال محايداً، ولا أداة، إنه شريك يسعى إلى الشراكة الكاملة في حكم البلاد. هناك منطقة حمراء في «البيزنس» أيضاً، على كل من يقترب منها دفع نسبة معروفة لشبكة سرية لا يعرفها. لمن؟ لا يعرف صاحب الحكاية الذي يؤكد: «إذا وصلت أعمالك إلى رقم معين، فإنك لا بد أن تدفع نسبة 15 في المئة لكي يسمح لك بالاستمرار أو الوجود أصلاً». هذه أعراف تتغير طبعاً، وتتبدل، لكنها تسير في إطار محكوم بالوعي الذي تغير فيه وضع الاقتصاد في مصر، من دولة تملك الثروة وتديرها، إلى دولة تدخل عصر السوق وعليها توزيع الثروة، فاختارت مجموعات يمكن السيطرة عليها ومنحتها عطايا. هم ليسوا طبقة رأسمالية ورجال أعمال، هم موظفون من الباطن يديرون ثروة الدولة. بعضهم تجاوز الآن وضعه الوظيفي، ويقترب من أدوار أعلى. لكن القانون العام هو أن الدولة تمنح وتمنع، وكل رجالها في البيزنس، ليسوا شخصيات مستقلة، لكنهم رعايا، منحهم الباب العالي بركته. هكذا يلتقي العابرون إلى المناطق الحمراء في السياسة والاقتصاد ويرسمون خريطة مستقبل مصر. هناك وجه شبه بين أصحاب الثروات السهلة وأغنياء الحضارة الرومانية في اختراع فنون الترف والبذخ إلى آخر مدى. سادة روما كانوا سبب سقوط الحضارة الكبيرة، فماذا سيفعل سادة الثروات المترفة في مصر؟ بالطبع هناك وجه اختلاف كبير، هو أن أغنياء روما شاركوا بشكل ما في بناء حضارة عظيمة.
لكن ماذا فعل أصحاب الثروات المترفة في مصر؟ يحكي صاحب مجموعة عقارية أن زبائنه لا يتغيرون، لهم في كل مشروع قصر صغير، لماذا تتعدد القصور؟ وكيف تكوّن المال السهل ليصبح مصدر قلق شخصي يختلف طبعاً عن قلق 13 مليون شخص يعيشون في العشوائيات وغيرهم من الشرائح التي تُلقى إلى ما تحت خط الفقر ولا يستطيع أفرادها استكمال طلباتهم الأساسية من غذاء وتعليم وصحة. قلق شريحة الأثرياء يخلق حالة هوس «عقاري» بامتلاك مساحات، يتصارع مع هوس العثور على مساحة بالنسبة إلى فقراء تتكاثر شرائحهم من 18 إلى 21 في المئة في سنوات الأزمة العالمية. الهوس بالمساحات يتحول إلى إيقاع بناء منتجعات وعشوائيات، هستيريا تعبّر عن نفسها سياسياً بتحويل الانتخابات إلى عملية شراء أصوات.
هذا هو اللقاء الوحيد بين طبقات الثروة السهلة (أو من ينوب عنها في الدفاع عمّن يعيشون خلف حواجز الرفاهية) وبين طبقات تدرك أن الحياة صعبة ورهن بيع أي شيء في السوق (وهو التعبير السائد عن الفن والثقافة والسياسة والإعلام). ينتج من اللقاء كيان سياسي هجين بين تنظيمات الدولة الشمولية الواحدة (حزب حاكم وحيد) وبين مجالس الأثرياء والإقطاعيين (حيث لا يمر سوى من يملك حصصاً وأراضي وحسابات بنكية وقدرة على إنشاء جيش من البلطجية). المال متطرف الآن في مصر؛ قاتل ومصاص دماء ونتاج طبيعي لتطرف السلطة. تطرفها يقود الغرائز إلى الحافة دائماً، المال لا يبني في مصر، لكنه يصنع حالة وجود هستيري لأصحابه. يبحثون فيه عن الامتلاك والاحتكار، يبحثون عن جمال متطرف يقود إلى الجنس القاتل لا إلى المشاعر والعواطف. باشوات اللحظة الراهنة يملكون ثروات متوحشة وعقولاً فارغة وأرواحاً معتمة. يشبهون أغنياء الحرب الذين كانوا مسخرة الصحافة في مصر بعد الحرب العالمية الثانية. جمعوا ثروات من التجارة في مخلفات الحروب. ثروات لم تترافق مع نقلات في الوعي ولا الثقافة ولا الذوق. يركّبون حياة من حطام كل شيء؛ الأخلاق والحداثة والتدين والقيم والوطنية، في لوحة ترسم أفقاً جمالياً للثروة الغامضة.
المقال منشور في جريدة الأخبار اللبنانية يوم الاثنين 18 أكتوبر 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.