رحم الله المؤرخ العظيم عبد الرحمن الجبرتي الذي توفي دون أن يعلم أنه أسدي إلي العلم خدمة جليلة بما ترك من كتب ودراسات نقلت لنا صورة أمينة لأحوال الحكام والرعية في فترة صاخبة من التاريخ المصري. في كتابه الأعجوبة «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» أورد لنا قصة واحد من شيوخ زمانه هو الشيخ خليل البكري، وحين تقرأ ما كتبه عنه فكأنك تقرأ عن واحد من شيوخ السلاطين الذين يعج بهم زماننا والذين بلغ فسادهم مستويات غير معقولة وبلغ ميلهم إلي موالاة الأعداء ومظاهرتهم علينا كل مبلغ. قال الجبرتي: «فلما طرق البلاد الفرنساوية تداخل البكري فيهم (أي اختلط بهم وصار منهم) وخرج السيد عمر مكرم مع من خرج إلي بلاد الشام، وعرّف البكري الفرنساوية أن نقابة الأشراف كانت لبيتهم وأنهم غصبوها منه فقلدوه إياها واستولي علي وقفها وإيرادها وانفرد بسكن البيت وصار له قبول عند الفرنساوية وجعلوه من أعاظم رؤساء الديوان الذي كانوا نظموه لإجراء الأحكام بين المسلمين، فكان وافر الحرمة مسموع الكلمة مقبول الشفاعة عندهم، فازدحم بيته بالدعاوي والشكاوي واجتمع عنده المماليك الذين كانوا خائفين ومتغيبين وعدة خدم وقواسة ومقدم كبير وسراجين وأجناد. واستمر علي ذلك إلي أن حضر يوسف باشا الوزير في المرة الأولي التي انتقض فيها الصلح ووقعت الحروب في البلدة بين العثمانية والفرنساوية والأمراء المصرية وأهل البلدة فهجم علي داره المتهورون من العامة ونهبوه وهتكوا حريمه وعروه عن ثيابه وسحبوه بينهم مكشوف الرأس فشفع فيه الحاضرون فأطلقوه بعد أن أشرف علي الهلاك... إلي أن انقضت أيام الفتنة وظهرت الفرنساوية علي المحاربين لهم (انتصرت) وخرجوا من البلدة واستقر الفرنساوية بها، فعند ذلك ذهب إليهم وشكا لهم ما حل به بسبب موالاته لهم فعرضوا عليه ما نهب ورجع إلي الحالة التي كان عليها معهم. وكانت داره أخربها النهابون فسكن ببيت البارودي بباب الخرق. وكانت له ابنة خرجت عن طورها في أيام الفرنسيس فلما أشيع حضور الوزير والإنجليز وظهر علي الفرنساوية الخروج من مصر قتل ابنته المذكورة ، فلما استقرت العثمانية بالديار المصرية عُزل عن نقابة الأشراف وتولاها السيد عمر مكرم كما كان قبل الفرنساوية. ولما حضر محمد باشا خسرو أنهي إليه الكارهون للبكري بأنه مرتكب للموبقات ويعاقر الشراب وأن ابنته كانت تذهب للفرنسيس بعلمه وأنه قتلها خوفاً وتبرئة لنفسه من الشهرة (الفضيحة) التي لا يمكن سترها ولا يقبل عذره فيها وإنه لا يصلح لمشيخة سجادة السادة البكرية. بعد ذلك خمل أمره وتصدي لمفاقمته وأذيته أنفار من المتظاهرين مثل السيد عمر مكرم النقيب والشيخ محمد وفا السادات وخلافهما حتي إنه كان عقد لابنه سيدي أحمد علي بنت المرحوم محمد أفندي البكري فتعصبوا عليه بعد عزله من المشيخة والنقابة وأبطلوا العقد وفسخوا النكاح ببيت القاضي فتسلط عليه من له دين أو دعوي حتي بيّعوه حصصه، وكان قد اشتري مملوكاً في أيام الفرنساوية جميل الصورة فلما حصل له ما حصل ادعي عليه البائع أنه أخذه بدون القيمة ولم يدفع له الثمن وأخذ عثمان بك المرادي ذلك المملوك لنفسه، ولم يزل خليل البكري علي حال خموله حتي تحرك عليه داء الفتق ومات علي حين غفلة». عندما تقرأ ما كتبه الجبرتي تشعر كأنك تقرأ عن شخص تعرفه ونعرفه جميعاً هو الشيخ «عجينة الواطي»..لعنة الله عليه وعلي من والاه..آمين.