عكست صفحات التقرير السنوي لوزارة الاستثمار الذي جاء باللغة الإنجليزية صدمة الأزمة المالية العالمية التي يبدو أنها لم تصب الملايين من فقراء العالم بتداعياتها السلبية فحسب، بل امتدت تأثيراتها لتصيب الإيمان الحديدي بقوة السوق لدي أساطين السياسة والاقتصاد، وتطعن كبرياءهم في مقتل. وعلي رأس الذين أصابت الأزمة المالية كبرياءهم وإيمانهم بقوة السوق وزير الاستثمار محمود محيي الدين الذي كان قد استهل عهده قبل ما يقرب من خمس سنوات بتصريحات تبشر «بتنشيط» برنامج الخصخصة، واستطاع الوصول بمصر إلي قائمة أكثر عشر دول في إدخال إصلاحات علي مناخ الأعمال وفقا لتصنيف مؤسسة التمويل الدولية، ذراع البنك الدولي للتعامل مع القطاع الخاص، وارتفع عدد تأسيسات الشركات الجديدة في عهده من 3168 شركة عام 2003/2004 إلي 6291 شركة عام 2008/2009 وقفز بتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من 1.2 مليار دولار عام 2003/2004 إلي 13 مليار دولار عام 2007/2008. صحيح أن الأزمة هوت لاحقا بهذه التدفقات إلي ثمانية مليارات دولار في العام 2008/2009 حسبما يبدو من التقرير الذي لا يحمل جديدا بصورة عامة، لكن الأشد من ذلك تأثيراتها في أعضاء المجموعة الاقتصادية في الحكومة المصرية وعلي رأسهم محمود محيي الدين الذي أثبت وفاءه لنمط الاقتصاد الذي درسه في جامعتي ووريك ويورك في إنجلترا، ومازالت كلمته خلال مؤتمر اليورومني لهذا العام التي اعترف فيها بفشل نظرية «التساقط» المبنية علي افتراض أن يؤدي دعم المستثمرين إلي توزيع عادل تلقائي لثمار النمو ماثلة في الأذهان عبر فرص العمل التي كان من المفترض أن يخلقوها، وضرائب الدخل التي كان من المفترض أيضا أن يدفعوها نتيجة لتضخم ثرواتهم ما يثبته التقرير الجديد هو الفشل في ذلك تماما، ففي الوقت الذي يتمتع فيه الأغنياء بنظام ضريبي وصل فيه الحد الأقصي للضرائب علي الدخل إلي 20% فقط بالمقارنة مع حد أقصي يبلغ 35% في الولاياتالمتحدة، وتنعدم فيه أي ضرائب علي عوائد التداول في البورصة، أقدم القطاع الخاص علي تسريح الآلاف فارتفعت البطالة بنهاية العام المالي الماضي إلي 4،9% وفي الوقت الذي حصل فيه المصدرون علي دعم بلغ أربعة مليارات جنيه ارتفع عجز الميزان التجاري إلي 25 مليار دولار. علي أن ذلك لم يمنع محمود محيي الدين سليل إحدي أشهر العائلات في مصر أن يتأفف في لقاء له مع طلاب الجامعات من مطالبة المصريين باستمرار سياسة دعم السلع.. ولو كان قد تأمل جيدًا وجوه أولئك الطلاب للاحظ أن دعم التعليم وحده هو ما مكنهم من حضور اللقاء معه.