«المصريون قادرون»..هذا هو عنوان الخبر أو السبق الصحفي الفظيع الذي أنبأتنا به صحيفة «أخبار اليوم» في عددها الصادر أمس، ولفرط أهمية النبأ وخطورته (التي لابد أنك تراها بوضوح مثلي) فإن الزملاء المسئولين عن تحرير الصحيفة من القراء زينوا به صدر الصفحة الأولي ووضعوه في موضع «المانشيت» الرئيسي ثم تركونا نتعشم خيراً في كرم ربنا ونطمع في رحمته الواسعة ونتوقع المزيد من النجاح وارتقاء سلالم العلا والمجد المهنيين بسرعة وبلوغ سطوح الصحافة حيث يمكن ساعتها كشف سر شروق الشمس بانتظام ممل في كل صباح وغروبها بالانتظام الممل عينه يومياً عندما يأتي المساء.. أنا شخصياً أنتظر رؤية عنوان خبري يتألق علي رأس غلاف الصحيفة المذكورة قريباً يزيل الغموض عن الموضوع ويبشرنا بأن «الشمس تشرق من الشرق وتغرب في الغرب» ما تعرفش ليه؟! وأعود إلي خبر «المصريين القادرين» فقد قرأت عنوانه وهرولت بشغف وفضول شديدين بحثاً عن التفاصيل التي كانت راقدة في أمان الله تحت «الترويسة»، غير أنني وأنا في الطريق الوعر من العنوان للمتن لم أطق صبراً وحاولت تخمين المصدر الذي استقي منه الزملاء هذه المعلومة السرية الخطيرة، ولست أعرف لماذا رجحت أن يكون الزميل رئيس التحرير (باعتباره واصل ومتصل) أطلع علي تقرير طب شرعي يشبه تقرير «لفافة» الشاب المقتول خالد سعيد، وقلت في عقل بالي إن الحكومة التي يشهد لها القاصي والداني بأنها لاتتستر علي أي فساد أو انحراف ربما أوعزت للنيابة العامة بأن تأمر بتشريح جثة المصريين لمعرفة إن كانوا عاجزين فعلا أم أنهم قادرون لكنهم بيستعبطوا وبيرموا بلاهم علي نظام الحكم الحالي وبيدعوا علي سيادته أنه عَجَّزهم وأصابهم بعاهة مستديمة فجاء تقرير الصفة التشريحية للجثة وأثبت الحقيقة التي بشرنا بها خبر «أخبار اليوم». والحال أنني بقيت علي هذا الاعتقاد حتي وصلت بالسلامة إلي التقرير الخبري الذي كان مزيناً بصورة رائعة للأستاذ النجل جمال مبارك، وما أن بدأت عيناي في التهام سطور التقرير حتي اكتشفت أن الموضوع ليس فيه أي «لفافة» بالمرة، وخال تماماً من الدهون ومن أي «طب الشرعي»، وأسفت بشدة لأنني من شدة الانبهار بكلمتي «المانشيت» عميت عن رؤية العنوان الفرعي القابع تحتهما والذي يتحدث عن «أكبر برنامج لرفع مستويات المعيشة»، هذا «البرنامج» شرح التقرير قصته مؤكداً (بالنص) أن جناب الأستاذ النجل «الأمين العام المساعد أمين السياسات بالحزب الوطني يواصل لقاءاته المكثفة مع أعضاء أمانات الحزب ولجان السياسات لتحديد الخطوط الأولية لبرنامج الحزب في انتخابات مجلس الشعب القادمة والذي يمثل أكبر برنامج لرفع مستوي المعيشة»!! وأصدقكم القول إنني من هول الصدمة وظرف المفاجأة نسيت ولم يخطر ببالي أبداً أن أستفسر عن طبيعة العلاقة الشريفة التي تربط بين قدرة المصريين وهذا «الأكبر برنامج» الذي يتوعدوننا به، فالواقع أنني قرأت هذا الوعيد وسقط قلبي في رجلي وسابت ركبي فوراً وتملكني فزع وخوف رهيبان وأخذت أضرب أخماساً في أسداس وأنا أسأل نفس حضرتي، إلي أين ياتري سيرفعون «مستوي» عيشتنا السوداء؟! وهل هناك في العلالي جحيم وحضيض أكتر من كده؟! ربنا يستر..