وظائف جديدة للمهندسين والمشرفين بالسعودية برواتب تصل 6000 ريال    قرار جمهوري.. ماجد إسماعيل رئيسًا تنفيذيًا لوكالة الفضاء بدرجة وزير    إزالة 570 حالة ضمن الموجة ال 27 لإزالة التعديات ببنى سويف    البورصة تواصل ارتفاعها.. وانخفاض ربحية شركة كونتكت بنسبة 17%    رئيس اقتصادية قناة السويس يشارك في مجلس الأعمال والمنتدى المصري الياباني لتعزيز الشراكة الاستثمارية بطوكيو    وزير الري: تطوير مؤسسي ومنظومة إلكترونية لتراخيص الشواطئ    صور.. تأثيث 332 مجمع خدمات حكومية في 20 محافظة    الأمم المتحدة تعرب عن قلقها إزاء هجوم مميت آخر على مخيم أبو شوك بالسودان    وزيرة التخطيط والتعاون تتحدث عن تطورات الاقتصاد المصري في مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية    إصابة علي معلول تثير قلق جماهير الصفاقسي التونسي    ريبيرو في اختبار مبكر.. الأهلي يبدأ الموسم بنزيف غيابات    حسن عابد مديرا لبطولة أفريقيا ل شباب الطائرة    "قصص متفوتكش".. 3 معلومات عن اتفاق رونالدو وجورجينا.. وإمام عاشور يظهر مع نجله    مواد الثانوية العامة للعام الدراسي الجديد بكل الشعب بعد تطبيق البكالوريا    الأرصاد: فرص أمطار رعدية على حلايب ونشاط رياح بكافة الأنحاء يلطف الأجواء    قرار جديد من وزارة الداخلية بشأن إنشاء مركز إصلاح (نص كامل)    ضبط 433 قضية مخدرات فى حملات أمنية خلال 24 ساعة    ندوة توعوية بالشرقية حول السلوكيات السلبية في التعامل مع السكك الحديدية    غداً الأربعاء .. أوس أوس ضيف برنامج "فضفضت أوى" على watch it    إطلاق أسماء 4 نقاد كبار على جوائز أفضل مقال أو دراسة حول الأفلام القصيرة جدًا    واعظة بالأزهر: الحسد يأكل الحسنات مثل النار    " ارحموا من في الأرض" هل هذا القول يشمل كل المخلوقات.. أستاذ بالأزهر يوضح    جولة للجنة التفتيش الأمنى والبيئى بمطارى مرسى علم والغردقة الدوليين    53 مليون خدمة.. ماذا قدمت حملة "100 يوم صحة" خلال 34 يومًا؟    هل يمكن أن تسبب المشروبات الساخنة السرطان؟.. اعرف الحقيقة    وظائف وزارة الأوقاف 2025| تعرف على الشروط وطريقة التقديم    إلغاء إجازة اليوم الوطني السعودي ال95 للقطاعين العام والخاص حقيقة أم شائعة؟    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 9 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    ضبط 108780مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    80 قطارًا.. مواعيد انطلاق الرحلات من محطة سكك حديد بنها إلى المحافظات الثلاثاء 19 أغسطس    «ضربة قوية».. الأهلي يعلن نتيجة الأشعة التي أجراها ياسين مرعي    «التأمين الشامل».. تشغيل عيادة علاج طبيعي للأطفال بمركز طب أسرة العوامية بالأقصر    وزيرا الإسكان والسياحة ومحافظ الجيزة يتابعون مخطط تطوير منطقة مطار سفنكس وهرم سقارة    كونتكت المالية تحقق نتائج قوية خلال النصف الأول من 2025    5 قرارات جمهورية مهمة وتكليفات حاسمة من السيسي لمحافظ البنك المركزي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 19-8-2025 في محافظة قنا    رئيس الوزراء يلتقى وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني    وزير الخارجية يعرب لنظيره الهولندي عن الاستياء البالغ من حادث الاعتداء على مبنى السفارة المصرية    سقوط 21 شهيدا بنيران جيش الاحتلال في عدة مناطق بقطاع غزة منذ فجر اليوم    السبت.. عزاء الدكتور يحيى عزمي عقب صلاة المغرب في مسجد الشرطة ب6 أكتوبر    عماد أبوغازي: هناك حاجة ماسة لتغيير مناهج التاريخ فى الجامعات    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة غزل المحلة    مركز الأبحاث الإكلينيكية بالمعهد القومى للأورام يحصل على التسجيل والاعتماد    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الثلاثاء 19 أغسطس    ياسمين صبري ناعية تيمور تيمور: «صبر أهله وأحبابه»    رئيس وزراء السودان يطالب الأمم المتحدة بفتح ممرات إنسانية في الفاشر    أبرز تصريحات لقاء الرئيس السيسي مع الشيخ ناصر والشيخ خالد آل خليفة    فرصة لطلاب المرحلة الثالثة.. تعرف الجامعات والمعاهد في معرض أخبار اليوم التعليمي    «عارف حسام حسن بيفكر في إيه».. عصام الحضري يكشف اسم حارس منتخب مصر بأمم أفريقيا    رسميًا.. 24 توجيهًا عاجلًا من التعليم لضبط المدارس قبل انطلاق العام الدراسي الجديد 20252026    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    هناك الكثير من المهام والأمور في بالك.. حظ برج العقرب اليوم 19 أغسطس    «زي النهارده».. وفاة الكاتب محفوظ عبد الرحمن 19 أغسطس 2017    مساعد الرئيس الروسي يكشف تفاصيل مكالمة بوتين وترامب    جمال الدين: نستهدف توطين صناعة السيارات في غرب بورسعيد    حقيقة إصابة أشرف داري في مران الأهلي وموقف ياسين مرعي من مباراة غزل المحلة    ما علاج الفتور في العبادة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز قضاء الصيام عن الميت؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستهانة المهنية بتصريحات الرئيس
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 01 - 10 - 2009


الصحيفة التي عليها أن تكتب اعتذاراً كل يوم
الشعار المعلن الذي تتشبث به المصري اليوم أنها صحيفة ليبرالية، وهذا الشعار الجميل يتضمن محورين متداخلين متكاملين: الصحافة من حيث إنها أداء مهني يلتزم بالأعراف والقواعد والأصول، والليبرالية علي اعتبار أنها موقف فكري منفتح علي الجميع بلا انحياز أو تعصب. علي الصعيد الصحفي المهني، لا ينبغي أن ينشأ خلاف حول أهمية المادة الخبرية المرتبطة برئيس الدولة، ولا مجال هنا للصياح حول الصحف القومية والمستقلة والخاصة والحزبية، فالحديث يدور عن أخبار جديرة بالاهتمام، وكيف لا تكون كذلك وهي وثيقة الصلة بالسياسة العامة التي يشكل الرئيس ذروتها، دون نظر إلي اتفاق الصحيفة مع هذه السياسة أو التحفظ علي بعض خطوطها.
السؤال هنا: هل تلتزم المصري اليوم بالتغطية الموضوعية المتوازنة لأخبار وتحركات وقرارات وتصريحات رئيس الجمهورية؟!. الإجابة لن تكون رجما بالغيب، ولن تعتمد علي تحليلات نظرية فضفاضة تخلو من الأدلة والبراهين، فالأمر كله رهين بالمتابعة والتقييم لبعض ما نشرته الصحيفة من أول أغسطس 2009
- منطق مغلوط
يوم الثلاثاء الرابع من أغسطس، تنشر المصري اليوم في صفحتها الثالثة متابعة موجزة لزيارة الرئيس مبارك لمحافظة دمياط، وطبقا لما هو مكتوب في متن الخبر فإن تصريحات الرئيس تتضمن ثلاثة عناصر بالغة الأهمية الأول هو: التأكيد علي استقلالية القرار المصري والرفض الحاسم لوجود قواعد عسكرية أجنبية، والثاني هو: أنه لا فرق بين مسلم ومسيحي لأن البطولة للمواطنة دون تمييز ديني، والثالث هو: نفي ما يتردد حول بيع الغاز المصري لإسرائيل بأرخص الأسعار. وفضلا عن هذه الثلاثية المهمة، فقد أشاد الرئيس بالموقف الإيجابي الحضاري لأبناء دمياط في مواجهة مشروع أجريوم، وتشديده علي أنه لن يتم تنفيذ أي مشروع، في أي موقع في أرجاء الوطن، إلا بموافقة الأهالي في تلك المنطقة.
كل مقومات الجذب الصحفي متوافرة في التصريحات التي أدلي بها الرئيس مبارك في زيارته لدمياط، وبالعودة إلي الأعداد السابقة من المصري اليوم نفسها، فإن القضية التي حسمها الرئيس حول مفهوم الاستقلال الوطني ورفض فكرة القواعد العسكرية، وكذلك الأمر بالنسبة لقضيتي الوحدة الوطنية وتصدير الغاز لإسرائيل، كانت موضع اهتمام خاص تُفرد له الصفحة الأولي بعناوين بارزة، لكن القائمين علي تحرير الصفحة الليبرالية لا يجدون في تصريحات رئيس الجمهورية ما يستدعي النشر في الصفحة الأولي، فهي مخصصة لما تقول المصري اليوم أنه هجوم من أمين تنظيم الحزب الوطني أحمد عز علي المعارضة، وقضية الري بمياه الصرف، واعتصام خبراء وزارة العدل!
أي منطق مغلوط هذا الذي يتعامل مع تصريحات بالغة الأهمية للرئيس مبارك بكل هذا القدر من الاستهانة المهنية؟!. وأي تفسير أو تبرير إلا البحث عما يتوهمون أنه مواد مثيرة تجذب القارئ علي حساب خدمة موضوعية لا ينبغي حرمان القارئ منها؟!. المسألة هنا ليست سياسية، ولا مصادرة علي حق الصحيفة في الاختلاف مع الرئيس مبارك وتوجيه النقد إلي سياسته، لكنها تتعلق بقواعد وأعراف مهنية لا ينبغي أن يكون فيها فارق أو اختلاف بين صحيفة قومية وأخري حزبية وثالثة مستقلة، أو إن شئنا الدقة خاصة تخضع لحسابات ومصالح لا شأن لها بالاستقلال.
المنهج المتبع ليس استثنائيا أو عابرا، ففي اليوم التالي، الأربعاء الخامس من أغسطس، تبرز المصري اليوم في صدر الصفحة الأولي حوارا بين رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف وطالب جامعي في معسكر إعداد القادة في مدينة بورسعيد، وتنشغل الصفحة نفسها بتصريحات كاذبة مغلوطة لأيمن نور، حيث يزعم بأنه رفض المنصب الوزاري الذي عرضه عليه الدكتور كمال الجنزوري قبل أكثر من عشر سنوات، ولن يقبل المشاركة في حكومة ائتلافية!، أما أجواء الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها الرئيس مبارك للولايات المتحدة، فتنشر لها متابعة في الصفحة الثالثة! بالنظر إلي خطورة وأهمية الزيارة، وتعدد الملفات التي تتناولها، كان الأولي بالصحيفة الليبرالية المستقلة، التي تباهي بمهنيتها العالية ذات الطابع الاحترافي، أن تبرز تفاصيل التصريحات والتقارير الأمريكية حول زيارة مبارك، فهي تعلو عن المقارنة مع الأكاذيب التي يدمن أيمن نور تكرارها، والتي بادرت الصحيفة نفسها بتكذيبها في اليوم التالي!
- الجهل بالأولويات
مع اقتراب زيارة الرئيس لواشنطن، وتزايد الاهتمام العالمي بها علي كافة الأصعدة، تبقي المصري اليوم علي موقفها السلبي غير المقنع مهنيا وسياسيا. ولأنها صحيفة تنحاز إلي المثير علي حساب المهم، فليس مستغربا إذن أن ينصب اهتمام الصفحة الأولي في عدد السبت الثامن من أغسطس علي متابعة اعترافات المتهمين في خلية الزيتون، والمزايدة باستمرار اعتصام خبراء وزارة العدل، والإشارة إلي لائحة قانون الضرائب العقارية. الصدارة لهذه الموضوعات وحدها، أما قائمة مطالب جماعات الضغط اليهودية، والموقف الوطني للكنيسة المصرية، فلا يحظيان بالاهتمام نفسه.
في ظل الاحتقان الطائفي والمتاجرة التي لا تتوقف بما يطالب به المسيحيون المصريون في إطار المواطنة، تبدو كلمات البابا شنودة جديرة بالمزيد من الاهتمام لأنها تروع المزايدين، ولأنها رسالة وطنية تعين وتسهم في تهدئة ما يسعي المراهقون إلي استثماره، لكن عنصر الإثارة الساخنة يغيب عن هذه التصريحات، ولا شك أن القائمين علي تحرير الصحيفة الليبرالية يجدون فيها توجها وطنيا عقلانيا موضوعيا، ووفق هذه المواصفات فإنه لا يبيع بالقدر الكافي! وتعود الصحيفة إلي تكرار السلوك نفسه بعد يومين، ففي عدد العاشر من أغسطس، يتم الإعلاء من شأن تداعيات زراعات المجاري، وهي قضية مهمة بلا شك، لكن تصريحات المكتب البابوي لا تقل أهمية، ذلك أنها تتعلق بقضية مصيرية لابد من التصدي لها بمعرفة جميع الأطراف: رفضت الكنيسة القبطية الدعوة التي أطلقها بعض نشطاء المهجر بالتظاهر أمام البيت الأبيض يوم 18 من الشهر الجاري أثناء زيارة الرئيس مبارك لواشنطن. وصرح مصدر في المكتب البابوي بأن البابا شنودة شدد علي ضرورة حسن استقبال الرئيس مبارك بما يليق بأكبر رمز مصري. وقال: البابا أعطي أوامر لأساقفة المهجر بالتنبيه علي الشعب القبطي هناك بعدم الاستماع أو المشاركة في الدعوات التي تهدف إلي الإساءة لمصر أو رموزها.
رسالة التصريح الصادر عن المكتب البابوي بالغة الوضوح، فهي تدين المشاركة في الإساءة إلي الرئيس وتطالب بالمقاومة الإيجابية، لكن العنوان يبدو مختلفا: الكنيسة ترفض المشاركة في مظاهرة واشنطن خلال زيارة مبارك!
الاختيار هنا بين المسئولية الوطنية والإثارة الصحفية، وقد اختارت الصحيفة ذات الشعارات الليبرالية الملونة أن تنحاز بلا تردد لكل ما هو مثير، متصورة أن ذلك النهج هو الذي يقود إلي الانفراد والتفرد!
المنهج نفسه في عدد الأربعاء الثاني عشر من أغسطس، فالصدارة للصراع بين محافظ القليوبية وعضو مجلس الشعب، أما قرار البابا شنودة بإرسال سكرتيره الخاص ليكون في استقبال الرئيس مبارك عند وصوله إلي واشنطن، فلا يحظي بالاهتمام نفسه، بل إن الخبر المنشور يبدو حريصا علي تقديم كم من المعلومات العكسية، والهدف الواضح هو التشويش علي قرار البابا، والبرهنة علي أن المعارضة لزيارة مبارك نشيطة وفاعلة: في سياق متصل، أعلن موقع الأقباط الأحرار، التابع لنشطاء من أقباط المهجر، أن الجالية النوبية في واشنطن قررت مشاركة الأقباط في مسيرتهم السلمية أمام البيت الأبيض يوم الثلاثاء 18 أغسطس، كما سيشارك في المسيرة أهالي اللاجئين السودانيين الذين قُتلوا في القاهرة بواسطة الأمن المصري، فضلاً عن بعض ممثلي أهالي دارفور للاحتجاج علي ما وصفوه بالدور المخرب الذي يقوم به النظام المصري في دارفور! لن تتاح للقارئ فرصة الاستمتاع والسعادة بالموقف الوطني المشرف للبابا شنودة، فالجبهة المعارضة للنظام تضم الأقباط الأحرار وأبناء الجالية النوبية وأهالي اللاجئين السودانيين الذين قتلهم الأمن المصري، ومع هؤلاء جميعا يظهر مجموعة من أهالي دارفور، الذين يدينون الدور المخرب للنظام المصري! يالها من موضوعية خارقة، ويا له من أنموذج فذ لمفهوم الفوضي المدمرة غير الخلاقة. الكنيسة تدافع عن هيبة الدولة والنظام، لكن التكتل المضاد لا يستهان به. واللافت للنظر أن الصحيفة المحترمة لا تتفضل علي قارئها بشرح ما يحتاج إلي التوضيح، فلا تذكره بحكاية اللاجئين السودانيين، ولا تعقب علي المنسوب للنظام المصري من دور مخرب في دارفور!. إذا كان نقاؤهم المهني يأبي أن يتدخل في صياغة الخبر، التزاما بالأمانة المقدسة، فلماذا لا يكتبون تعقيبا أو تعليقا؟!
- أقباط وبهائيون
يصل الأمر إلي ذروته في عدد الخميس الثالث عشر من أغسطس، فالتركيز في التقرير المنشور بالصفحة الأولي علي مطالبة لجنة الحريات الدينية الأمريكية للرئيس أوباما بإثارة ملف الحريات الدينية في مصر، أثناء لقائه مع الرئيس مبارك!
تقول اللجنة في تقريرها الذي تنقله المصري اليوم دون تعليق أو تعقيب، إن الهجمات العنيفة قد تصاعدت في الأشهر الأخيرة من قبل الجماعات المسلحة ضد الأقباط، ورفض الحكومة المصرية السماح للبهائيين بالحصول علي بطاقات شخصية تثبت ديانتهم، أو اثبات التحول في الدين من مسلم إلي مسيحي في البطاقات، ودور مصر في تبني مقترح التشهير، بالأديان في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ويضيف التقرير: وأعربت اللجنة عن قلقها من وضع قيود علي الحريات الدينية في مصر من خلال القانون أو السياسة أو الحكومة، مشيرة إلي أن هذه القيود من شأنها أن تشجع العناصر المتطرفة في المجتمع المصري علي تقويض نمو المجتمع المدني، مشيرة إلي استمرار الانتهاكات ضد الأقباط والبهائيين واليهود!.
هل يحتم التوجه الليبرالي للصحيفة المختلفة، التي تخاطب قارئا مختلفا، أن تنشر مثل هذا التقرير الملئ بالأكاذيب والخرافات دون تعقيب أو تصحيح؟!، أليس من حق القارئ أن يطالع تحليلا توضيحيا لا يتنافي مع النشر الأمين لما يحويه تقرير لجنة الحريات هذه؟!، عن أي مصر يتحدث التقرير الذي يزعم تصاعد الهجمات العنيفة المسلحة ضد الأقباط؟!، لا شك أن القارئ سيشعر بأنه يعيش في مصر أخري، وسوف يترسخ شعوره هذا وهو يقرأ عن الانتهاكات ضد اليهود في مصر!.
في ذيل تقرير الصفحة الأولي إشارة تقول طالع ص6، ولابد أن القارئ سيقلب الصفحات سريعا بحثا عما يشتهيه من فهم، لكنه لن يجد جديدا في الصفحة السادسة، فهل ضاقت المساحة عن سطور قليلة تنبه إلي الزيف والادعاء بالباطل؟!.
تباهي الصحيفة باتساع دائرة قرائها، فهل تجهل أن هؤلاء القراء الذين يثقون بها في حاجة إلي رؤية متوازنة،؟!، ناقل الكفر ليس كافرا بطبيعة الحال، لكن الترجمة الحرفية هنا فعل سلبي كسول بافتراض حسن النية، والإلحاح علي تصوير زيارة الرئيس مبارك وكأنها اقتحام لحقل من الألغام لا يمكن تبريره أو فهمه، ويزداد الأمر وضوحا عندما تتدخل الصحيفة بشكل فج يتحقق فيه الانفصال الكامل بين العنوان والمتن فيما تنشره.
ليس من تفسير مقنع لما يتضمنه عدد اليوم التالي، الرابع عشر من أغسطس، فعنوان الموضوع المنشور في الصفحة الأولي:
قبل زيارة مبارك بأيام: انشقاق في ائتلاف المنظمات المصرية الأمريكية بسبب محاولات تشكيل حكومة منفي.
تحالف المصريين الأمريكيين يؤكد أن نظام مبارك هو النظام الشرعي الوحيد.. ويرفض محاولات التغيير في خارج مصر.
لا مهرب من الإقرار بتهافت جبهة المعارضة التي تم التهليل لها في اليوم السابق، وضمت خليطا من الأقباط والنوبيين والسودانيين، فضلا عن ممثلين لقبائل دارفور، والبديل المريب هو تقديم صورة مشوهة عن أهداف زيارة الرئيس مبارك وقائمة القضايا الأولي باهتمامه في المباحثات مع الرئيس أوباما، يتجلي ذلك بوضوح في الموضوع المنشور في الصفحة الثالثة من العدد نفسه، ويحمل عنوانا منفصلاً يقول ما نصه:
الملف النووي الإيراني يتصدر مباحثات مبارك - أوباما.
دليلان واضحان علي التضليل، أولهما أن متن الخبر يقول ما يغاير هذا العنوان، فالمنسوب إلي السفير المصري في الولايات المتحدة أن القضية الفلسطينية سوف تتصدر مباحثات الرئيسين المصري والأمريكي، بالإضافة إلي سائر التحديات الدولية والإقليمية، بما فيها تلك المرتبطة بتداعيات الأزمة المالية العالمية.
ويضيف السفير: إن الملف النووي الإيراني محل اهتمام المجتمع الدولي أجمع، ويتم التعامل معه سواء في الإطار الثنائي أو متعدد الأطراف بهدف إزالة أي مخاطر لانتشار الأسلحة النووية.
كلمات السفير بالغة الوضوح، وتؤكد أن الأولوية للقضية الفلسطينية، وأن الملف النووي الإيراني لا يحتل الصدارة كما يقول العنوان!.
الدليل الثاني علي التضليل يتجسد في العنوان الثاني، الأصغر بنطاً والأقل أهمية بالتبعية: المباحثات تركز علي القضية الفلسطينية والأزمة المالية العالمية.
أهي صدفة أن يتغير المسار في بطولة القضية الفلسطينية إلي أولوية الملف النووي الإيراني؟!، الصحيفة الليبرالية، التي تحترم القارئ، تعرف أن التأثير مختلف بالضرورة، ولا تتورع عن الهبوط بعنوان القضية الفلسطينية انتصارا للبند الأقل أهمية في المباحثات، فهل يحتاج هذا التحليل إلي مزيد من الشرح للكشف عن نوايا الصحيفة؟!.
- مغزي العناوين
لم يكن بد من انتقال الاهتمام بزيارة الرئيس إلي الصفحة الأولي بعد أن بدأت فعليا، لكن عناوين المصري اليوم لا تحتاج إلي تعليق طويل للكشف عن انحيازها لوجهة نظر بعينها، فهي تأتي علي النحو التالي:
16 8: منظمات أمريكية تطالب أوباما بالحصول من مبارك علي ضمانات شخصية حول حقوق الأقليات وانتخابات رئاسية حرة.
17 8 مبارك يستقبل ممثلي المنظمات اليهودية و15 شخصية أمريكية مؤثرة اليوم. : سكرتير البابا يفشل في منع مظاهرة الأقباط والمتظاهرون يرفعون لافتتي تعزية وترحيب للرئيس
18:8: مبارك: لم أناقش التوريث مع جمال.. ولا أفكر أن يكون خليفتي.
: الرئيس: تجديد الرئاسة لا يهمني الآن.. ومصر مستقرة وستبقي مستقرة بعد مبارك. 19 8: سؤال أمريكي لمبارك: هل يأتي رئيس لمصر لا يرضي عنه الجيش؟ والرئيس يرد: لا لا لا.. لا أوافق علي هذه العبارة.
ما الذي يبقي من هذه العناوين إذا وضعت في سلة واحدة؟!، لمحات من الإثارة دون نظر إلي السياق، واستمرار للنهج الغرائبي الذي يفرد مساحات واسعة لمسألة التوريث، وتركيز علي المؤسسة العسكرية من خلال سؤال تبدو إجابته في غاية الحسم والوضوح.
ما السياسة التحريرية المتبعة في الصحيفة الليبرالية المحترمة؟!، ولماذا تتعمد الخلط ولا تتورع عن اللعب بالنار؟!، لقد أكدت في عدد سابق أن الملف النووي الإيراني في صدارة ما يناقشه مبارك مع أوباما، ويتضح سريعا أنها تلفق العناوين بحثاً عن المثير لا الدقيق! ومن الضروري هنا أن نشير إلي براعة ودهاء القائمين علي تحرير الصحيفة الليبرالية، فإذ تنشر ما تقول إنه مطالب المنظمات الأمريكية لأوباما بالحصول من مبارك علي ضمانات شخصية حول الأقليات وانتخابات رئاسية حرة، تنوه في ذيل التقرير الخبري إلي مقال منشور للدكتور أحمد جمال الدين موسي: الدولة الرخوة، صفحة 25، ولابد أن القارئ سيهرول إلي المقال متيقنا أنه بمثابة التعليق غير المباشر، ووثيق الصلة في الوقت نفسه، بالتقرير المثير، لكن المهرولين إلي المقال لن يجدوا فيه ما يشبع توهماتهم.
لا غضاضة في معارضة الرئيس مبارك، لكن المأساة الحقيقية في التخبط العشوائي الذي لا يصل إلي مرحلة المعارضة الواعية.
خرافة الليبرالية
السطور السابقة لا تطالب بمتابعة أخبار الرئيس مبارك وتحركاته وتصريحاته، بما يتوافق مع مكانته، لأسباب سياسية أو حزبية، فالدافع الحقيقي مهني محض، ولأن المساحة تضيق عن المتابعة التفصيلية للمنشور يوميا، مع الرصد والتحليل لمكان النشر ومساحته وعناوينه وصوره، فإن خلاصة ما نذهب إليه هو اعتماد المصري اليوم علي سياسة تحريرية مرتبكة، ولعل السر في ذلك أن هويتها بعيدة عن الوضوح والتحديد، فهي لا تعبر عن حزب أو توجه سياسي بعينه، وهي في الوقت نفسه ليست ليبرالية بالمفهوم الصحيح النقي الذي يحتم عليها أن تصطدم مع الفاشيين أعداء الحرية، مثل الإخوان المسلمين، ودعاة الفوضي والعبث، مثل أيمن نور، والمبشرين بالأجندة الأمريكية سابقة التجهيز، مثل سعد الدين إبراهيم وأشباهه.
المصري اليوم ليست صحيفة ليبرالية ولا يمكن أن تكون، فهي مشروع خاص يعبر عن مصالح مالكيه، سياسياً واقتصاديا، وفي هذا الإطار يبدو الخطاب عشوائيا مرتجلا، والفارق شاسع بين أن تكون ليبراليا مستقلاً وبين أن تكون تجميعياً تلفيقياً بلا هوية.
من دلائل الفشل الذريع والحديث هنا بالمقاييس المهنية وحدها، أن تكون الأولوية في الاهتمام لاعتصام خبراء وزارة العدل، بحيث يتحول المنشور عنهم إلي مسلسل يومي لا يغيب، فإن لم يكن في هذا المسلسل من جديد مثير يستحق المتابعة ويستدعي الكتابة، فلا بأس من إعادة الحلقة السابقة، فالمهم أن تمتلئ المساحة المخصصة لهم وأن تكون لهم الصدارة لتأكيد فكرة الاضطراب والتوتر، دون نظر إلي الأخبار الأكثر أهمية من مشكلة فئوية تتعلق بعدة آلاف من الموظفين، والمثير للدهشة، أن النهاية الواقعية الهادئة، والمتوقعة منذ البدء، لمسلسل الخبراء، قد انعكس سلبا علي الجريدة، فقد تعودت أن تنشر عنهم وتحول موضوعهم المكرر إلي قضية مصيرية، وإذا بها تكتشف فجأة أن النهاية قد جاءت علي غير ما تتوقعه وتتمناه.
كل من يتابع المصري اليوم يعرف المنهج الذي اتبعته في متابعة اعتصام الخبراء، لكن الأغلبية من هؤلاء المتابعين قد يعجزون عن إدراك الأسلوب الذي اعتمدته الصحيفة الليبرالية في الحديث عن ظاهرة ماسخة تشبه الفقاقيع، اسمها أيمن نور، والامر في حاجة إلي تفصيل وتوضيح.
الحلقة الثالثة يوم الأربعاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.