لم أقرأ عن نظام في الدنيا وصلت به الجرأة في تحدي مشاعر شعبه. وتعمد إذلاله نفسيا كهذا النظام.. رئيس الجمهورية ينتابه الغضب من وزير الإسكان ورجل الأعمال بعد أن فجر عضو مجلس شعب ينتمي إلي الحزب الذي يترأسه. وهو صديقنا هشام مصطفي خليل أول فضيحة مدوية للوزير في أرض ميدان التحرير بالقاهرة فيأمر الرئيس بوقفها. ومع ذلك يستمر الوزير في منصبه ثم يفجر هشام ثاني فضيحة له ويزداد غضب الرئيس لدرجة أنه يتجاهل تماماً رئيس الوزراء. ويتصل مباشرة بمحافظ أسوان ويطلب إلغاء صفقة شركة حفر أسوان مع شركة «بالم هيلتر» المملوكة للوزير آحمد المغربي وأبناء خالته واستمر المغربي. ثم فجرت «الدستور» ثالث الفضائح حول بيع مليون متر في القاهرةالجديدة لنفس الشركة موقعاً علي العقد من الوزير.. وصدر بيان يعترف بالواقعة المدعمة بالوثائق لكن لم نسمع أن قراراً صدر بإلغائها كما حدث في الواقعتين السابقتين. وكانت المفاجأة في الرد علي هذا المسلسل من الفضائح حضور المغربي اجتماع مجلس الوزراء يوم الأربعاء 30 يونيو الماضي، وقيامه باستعراض التقرير الذي قدمه للمخطط المبدئي لتطوير القاهرة لعام 2050 والمتوقع أن يصل عدد سكانها إلي ثلاثين مليون نسمة أي أن المليون متر التي حصلت عليها شركة الوزير تقع ضمن مخطط التطوير.. ولنا أن نتخيل السعر الذي ستصل إليه إذا تحولت إلي ضاحية أو مدينة مثل «مدينتي» هشام طلعت مصطفي.. وفي حقيقة الأمر فنحن لا نريد أن نتهم أحداً أو نثير الشكوك حول البعض لكن الموقف كله أصبح يدعو للتساؤل: هل أدي تدخل الرئيس لوقف صفقة أرض ميدان التحرير وتعديل الاتفاق وإلغاء صفقة آمون إلي وقف اندفاع رجال أعمال النظام ومخططاتهم في سرعة الاستيلاء علي أراضي مصر؟ ولا يعلم أحد متي سيقومون ببيعها بعد ذلك للأجانب وعلي رأسهم اليهود؟ وتقديري الذي أتمني أن يخيب أن النظام لم يعد قادراً علي وقفهم بشكل كامل، والذي يعزز أعتقادنا. أن الرئيس كان قد رفض بحسم وبضيق اقتراحاً من رئيس الوزراء الدكتور نظيف بإنشاء عاصمة جديدة بدلاً من القاهرة، وكان المكان الذي ستبني فيه هو الذي اشتري فيه المغربي وأبناء خالته المليون متر وقرب مدينتي.. والآن يعود المشروع تحت يافطة أخري هي تطوير القاهرة. ولا أحد يعارض ذلك وكلنا يتمني خلخلة الكثافة السكانية فيها ولكن لحساب من؟ لأن البيان الصادر عن اجتماع المجلس أشار أيضاً إلي تطوير جزر نهر النيل. باستغلال الأراضي المملوكة للدولة وتحويلها لحدائق عامة وتقنين أوضاع سكان الجزر وتوفير الخدمات الأساسية لهم. ومن ناحية أخري سيتم تطوير جزر النيل وكورنيش الجيزة من خلال إنشاء حدائق ونقل مراسي الجيزة وإنشاء أنشطة اقتصادية وتجارية تحقق عائداً لسكان الجزر وإيجاد مساكن بديلة لهم. أي أن خطة إجلاء سكان جزيرتي الوراق والدهب التي تسببت في أزمة ومعارك مع الأهالي لتخصيصها لرجال الأعمال ستعود للتنفيذ في جميع الجزر علي الرغم من صدور قرار جمهوري باعتبارها محميات طبيعية، أي أن الوزارة ألغت قراراً جمهورياً لصالح رجال الأعمال فمن أين تستمد مثل هذه الجرأة؟ ويقودنا هذا إلي حكايات خطط إنشاء المدن المليونية في أكثر من مكان أي كل مدينة تستوعب ما لا يقل عن مليون مواطن وأولادها قال عنها بيان مجلس الوزراء: «المجلس وافق علي مشروع قرار رئيس الجمهورية بتخصيص مساحة 71 ألف فدان من الأراضي المملوكة للدولة جنوب مدينة العلمين علي محور وادي النطرون العلمين لإنشاء مدينة العلمين الجديدة». وهنا لابد من وضع ألف علامة استفهام حول هذا المشروع وصلته بالمنطقة التي سيتم تطهيرها من الألغام التي مازالت موجودة فيها منذ الحرب العالمية الثانية وتتراوح مساحتها بين ثلاثمائة وخمسمائة ألف فدان قابلة للزراعة.. وهي تقع في محافظة مرسي مطروح التي تضم منطقة الضبعة والموقع المعد لإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية. ودارت حولها أراضي الألغام هذه معارك غريبة بين الأمانة التنفيذية لإزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي الغربي بوزارة التعاون الدولي التي يترأسها السفير فتحي الشاذلي في مواجهة عدد من رجال أعمال النظام وقيادات الحزب الوطني يتمركزون في جمعية مستثمري محافظة مرسي مطروح وعبروا علناً عن معارضتهم إنشاء المحطة والحصول علي أرضها لإقامة مشروعات سياحية يتملكونها بدعم من رئيس الوزراء مع العلم بأن أحمد المغربي عندما كان وزيراً للسياحة نشر أنه اصطحب وفداً أجنبياً ودخل إلي أرض الموقع ليروه للاتفاق علي بيعه وبلغ من جرأتهم أنهم شنوا منذ شهرين حملة منسقة في صحيفة خاصة وقنوات فضائية لمهاجمة إقامة المحطة بعد تأكدهم أن شركة بارسونز الاسترالية سلمت تقريرها لوزارة الكهرباء بأن موقع الضبعة هو الأفضل لإقامة أول محطة ورد عليهم بعنف مسئولون بهيئة الطاقة الذرية ووزارة الكهرباء ثم بدأ وزير الكهرباء حسن يونس يتخلي عن تحفظ بعض الشيء ويدلي بتصريحات يلمح فيها إلي أن المحطة مكانها الضبعة بعد أن التزم الصمت فترة وكان قد خاض معركة علنية في البداية مع أحمد نظيف الذي عارض علنا توليد الكهرباء من الطاقة الذرية وكان يونس مدعوما بجناح داخل الحزب يقوده صفوت الشريف وزكريا عزمي والأمن وهو ما ظهر علنا في حملات أعضاء مجلس الشوري الرافضة خطط مجموعة بيع كل شيء في مصر لهم ولإخوانهم المستثمرين الأجانب ومع ذلك قد تحدث مفاجأة غير متوقعة وينقلب الموقف في نهاية العام الحالي لصالح مجموعة البيع. أما بالنسبة للمعركة الأخري الخاصة بالأراضي التي سيتم تطهيرها من الألغام وزراعتها فقد وصلت جرأة هذا الفريق من رجال أعمال النظام والحزب إلي درجة أن يتقدموا بعرض لتكوين شركة خاصة تقوم بإزالة الألغام مقابل تسليم الأراضي لهم لزراعتها والاستعانة في عملية التطهير بشركات أجنبية وهو ما رفضته جهة سيادية واعتبرته استفزازاً وكشف عن هذه الفضيحة السفير فتحي الشاذلي نفسه في حديث نشرته الأهرام يوم الاثنين 10 مايو الماضي وأجرته معه زميلتنا غادة عبدالله قال فيه بالنص: «كانت هناك مقترحات قبل 2005 أن تتولي شركات مصرية خاصة إزالة الألغام ولكن نظرا لاعتبارات الأمن القومي تقرر أن يقتصر هذا النشاط علي القوات المسلحة وعقد اتفاقية بين الأمانة التنفيذية والهيئة الهندسية للقوات المسلحة في يناير 2009 لتحدد واجبات الطرفين، حيث زودت الأمانة القوات المسلحة بالمعدات اللازمة الخاصة بإزالة الألغام من المكتشفات والملابس والخوذات الواقية وسيارات الإسعاف وكرافانات وكمبيوترات ومولدات كهربائية ومصاريف التشغيل والبطاريات وبنزين ودعم للإعاشة، أما الهيئة الهندسية للقوات المسلحة فتوفر الكوادر المدربة وممارسة أعمال التطهير وتتحمل مصاريف التشغيل وقد تم تطهير وإزالة الألغام من واحد وثلاثين ألفاً ومائتين وخمسين فداناً». ومن المعروف أن الأمانة التنفيذية تتلقي مساعدات مالية ومعدات من عدة دول ومؤسسات أي أنهم أرادوا تحويل هذه المخصصات لشركتهم التي سوف ينشئونها ويستقدمون خبراء أجانب معظمهم سيكونون عملاء للمخابرات الإسرائيلية طبعا دون علم أصحاب الشركة!! وقد تصل بحاجتهم لإسناد أعمال من الباطن والاستيلاء علي مئات آلاف الأفدنة المنتظر زراعتها حبوبا أو أشجار الجاثروفا التي يستخرج منها وقود الديزيل الحيوي. وحين يعود الحديث عن مدينة العلمين ذات المليون متر علينا ملاحظة أنه سبقها صدور قانون يبيح لرأس المال الخاص والأجنبي إقامة وتملك مشروعات البنية الأساسية في المدن الجديدة كمقدمة للانتقال للقديمة وهي محطات مياه الشرب والصرف الصحي والكهرباء والكباري والسكك الحديدية والطرق فإننا سنكون أمام مدينة مملوكة بالكامل للأجانب ورجال الأعمال المصريين. ولا نعرف إن كانت مئات آلاف الأفدنة الزراعية التي سيتم تطهيرها سيتم بيعها لهم أم لا؟ لأن ملكية رجال أعمال مصريين وأجانب لمدن كاملة لا تدعو للاستغراب.. فقد سبق للدكتور محمد إبراهيم سليمان عندما كان وزيراً للإسكان في وزارة عاطف عبيد أن عرض مدينة السادس من أكتوبر للبيع علي شركات خاصة بشرط أن تؤول إليها ديونها بسبب خسائر الحكومة في مدن الرعيل الأول أكتوبر والعاشر من رمضان والسادات، لأن نسبة الاشغال فيها لم تتعد العشرين في المائة ولا نعرف إلي أين وصلت اليوم لكن المهم أن مدنا بكاملها ستكون مملوكة للأجانب ولرجال الأعمال والمتحالفين معهم ولن تكون إسرائيل بعيدة عن ذلك كله.. فما الذي يحدث بالضبط وهذا البلد من ذلك النظام؟ رئيس الجمهورية يلغي تعاقدات لشركة يملكها الوزير ويبقي في منصبه ويصدر قرارات بأن تكون جميع جزر نهر النيل محميات طبيعية ويأتي مجلس الوزراء ليعرضها للبيع بحجج مختلفة ورجال أعمال يكونون شركة خاصة لإزالة الألغام والاستيلاء علي أراضيها. فإلي أين تتجه بلادنا علي أيدي مجموعة بيعها؟!