حضرت في حياتي اجتماعات ولقاءات ومؤتمرات وورش عمل وجلسات عصف ذهني وأشياء كثيرة تندرج تحت هذه المسميات، وكلها من تجليات العولمة الهادفة إلي نشر الأنس والسرور دون أن تكون لها بالضرورة فائدة، أو يرجي من ورائها خير. وفي العادة فإن هذه الاجتماعات تعقد بالفنادق الفاخرة داخل قاعات كبيرة ويتم تنظيمها في العواصم والمدن الكبري بالعالم. في هذه الاجتماعات يتحلق الحضور حول طاولة كبيرة قد رصت فوقها زجاجات الماء والأوراق والدفاتر والأقلام، وعادة ما تكون بالقاعة مائدة خلفية عليها الشاي والقهوة وغلاية الماء إلي جانب المأكولات الخفيفة. دائماً ما كنت أثناء هذه الاجتماعات أسرح وأطلق العنان لأفكاري ويأخذني الخيال شرقاً وغرباً، وأحياناً كنت أسحب ورقة وأقوم بكتابة قصة قصيرة أو أبيات من الشعر بينما الجلسة علي أشدها والحضور يلوكون كلاماً يبدو كأنه مهم ويأخذون في الانتقال بين بنود أجندة الاجتماع من بند إلي آخر. ولكن أغرب ما كان يحدث لي أثناء هذه الاجتماعات هي حالة النعاس التي كانت تنتابني والرغبة الشديدة في النوم وكأنني وقعت تحت تأثير مخدر. في هذه اللحظات كنت مستعداً دائماً للتنازل عن بدل السفر وأن أدفع فوقه كل ما أملك مقابل أن يتركوني أنام. حقيقة لا أدري لماذا في هذه الاجتماعات بالذات كانت تأتيني هذه الرغبة الحارقة في النوم وذلك علي الرغم من أنني في الظروف العادية قد أظل بالسرير ساعات قبل أن يتعطف النوم ويزورني.. هل يا تري هي الأحاديث المتكلفة الخالية من المعني هي التي تدفعني للهرب واللجوء للنوم؟ لا أدري، ولكني أدري أن أجمل الأمنيات التي كانت تطوف بخيالي وقتها هي أن أصعد علي طاولة الاجتماعات وأزيح الأوراق والميكروفونات وزجاجات الماء وأن أفرد نفسي علي الطاولة وأتوسد ذراعيّ ثم أنظر إلي الحضور وأوزع عليهم ما تيسر من الابتسامات ثم أتركهم وأروح في النوم غير عابئ بأي شيء في الوجود. كانت هذه الفكرة قوية وضاغطة لدرجة أنني كنت أحياناً أسأل نفسي بجدية: ما الذي يمكن أن يحدث لو أنني نفذت هذه الرغبة في الحقيقة؟. هل يعتبرونني مجنوناً ويحرمونني من الحضور مرة أخري؟. وهل تكون ردة فعلهم مختلفة لو أنني نفذت فكرتي بعد أن أستأذنهم وأناشد فيهم الأخوة والزمالة وأترجاهم بكل الصدق أن يقبلوا أن أصعد إلي الطاولة وأنام وأن يعتبروني غير موجود ويكملوا موضوعاتهم المهمة مع وعد بأن أمنح كل ما يتوصلون إليه في الاجتماع موافقتي وبركاتي!. وكثيراً ما تساءلت في إحباط إذا كانت ظروف الحياة ستسمح لي يوماً أن أركل التعقل وأن أحقق هذه الأمنية؟ من المؤكد أنني يومها سأتوج نفسي ملكاً استطاع أن يستغني عن هؤلاء الناس واستطاع ألا يحفل برأيهم فيه؟.لكني عند هذه النقطة كنت أخاف لو أن فعلتي هذه أشعرتهم بالإهانة فمن السهل عندئذ أن يطلبوا لي مستشفي المجانين وأن يشهدوا جميعاً ضدي!.وهنا كنت أحتار تري هل أنا وحدي الذي يتمني هذه الأمنية أم أنهم جميعاً يرغبون في اعتلاء الطاولة والنوم، أم أن كلاً منهم لديه أحلامه وأمنياته الخاصة التي تتفجر في رأسه أثناء الاجتماع؟. علي أي الأحوال فإن الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان كتب في مذكراته أنه بينما كان يرأس اجتماعات مجلس الوزراء التي كانت تضم أركان الدولة كانت تنتابه هواجس ورغبات جنسية ويشعر باهتياج شديد أثناء مناقشة أمور استراتيجية في غاية الأهمية. تري هل هناك ممن كانوا يحضرون معي هذه الاجتماعات من كان يشبه الرئيس الفرنسي؟ وهل هذه الأفكار المجنونة خاصة بالرجال فقط أم أن النساء أيضاً لهن فيها نصيب؟. أسئلة أتمني لو حظيت بإجابات عنها .