رمضان الحالى جاء وقد أكملنا استحقاقين من ثلاثة عقب «30 يونيو».. ورمضان الماضى «كانت مصر فى وضع لا تحسد عليه» مهدى عاكف «طباخ ماهر».. وعصام العريان كان متخصصًا فى «محشى الشبت».. ومنزل عبد المنعم أبو الفتوح متخصص فى الكنافة والقرع العسلى الهضيبى أول من أجلسنى على منصة الإخوان وكان سيجعلنى نائبًا له لولا وفاته فول «التابعى» و«طعمية وجرادئ وهيبة».. من السمات التى تميزت بها دمياط فى الشهر الفضيل حاولنا لقاءه بعيدًا عن ضجيج العاصمة، والتقيناه فى مسقط رأسه بالصعيد يقضى الشهر الفضيل وسط أهله وأسرته وأبنائه، كأنها «استراحة محارب» قاربت على الانتهاء بعد قرب وصول قطار «رمضان» إلى محطته الأخيرة خلال أيام، إنه القيادى الإخوانى السابق الدكتور محمد حبيب النائب السابق لمرشد جماعة الإخوان المسلمين، تحدثنا معه عن ذكريات قديمة ونادرة مع عدد من المرشدين السابقين للإخوان فى شهر رمضان، فإلى نص الحوار.. ■ بعيدا عن هموم السياسة وأوجاعها.. ماذا يمثل «رمضان» للدكتور محمد حبيب؟ - رمضان يمثل فرصة هائلة نحن فى أمسّ الحاجة إليها لضبط إيقاع أشياء كثيرة فى الحياة اليومية للإنسان، فكريا وثقافيا وروحيا وبدنيا وأخلاقيا وسلوكيا.. كالنوم والاستيقاظ، والطعام والشراب، والقيام وتلاوة القرآن، واستعادة الصلة مع الأقارب والأحباب، والقراءة والاطلاع، والصدقة وفعل الخيرات، والانعتاق من التوتر والانفعال، والخروج من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.. إلخ. ■ هل هناك فرق بين رمضان هذا العام ورمضان العام الماضى؟ - جاء رمضان هذا العام وقد تم الاستفتاء على دستور 2014، وانتخابات الرئاسة، وبعد أشهر قليلة ستجرى الانتخابات النيابية، ونكون بذلك قد استكملنا مؤسساتنا الدستورية.. صحيح، تمر مصر بأزمة اقتصادية حادة، تلقى بظلالها السلبية على خطط التنمية، لكن هناك محاولات جادة للخروج منها.. وصحيح أيضًا أن هناك مشكلات أمنية وسياسية، فضلًا عن المشكلات المعتادة كالبطالة، والارتفاع فى الأسعار، والتعليم، والصحة، والإسكان، لكن مع الوقت سوف تتراجع هذه المشكلات، ونأمل خلال عامين أن تستعيد مصر عافيتها بإذن الله.. أما رمضان العام الماضى فقد حلّ بعد ثورة 30 يونيو، والإطاحة بحكم الإخوان، وأعمال العنف، والتوترات المصاحبة لاعتصامى رابعة والنهضة، وكانت مصر فى «وضع لا تحسد عليه». ■ حدثنا عن ذكرياتك فى رمضان على مر السنين؟ - فى كل مرحلة عمرية كان لرمضان سماته ومظاهره.. فى مرحلة الطفولة كنت متكفلا بإحضار «فول» الإفطار من عند «التابعى» الكبير، كان محله فى الشارع المتفرع من الميدان الشهير «سوق الحسبة» بدمياط.. ورغم أن المحل كان متواضعًا، فإنه كان مزدحمًا بعشرات من الأطفال الذين يأتون من كل حى لشراء «فول التابعى».. أذكر أن طفلة قدمت له طبقا وقالت: عايزة بخمسة صاغ فول.. فما كان من الرجل إلا أن ألقى بالطبق فى الشارع، وهو بيقول: إنت جايبة حلة! فى ميدان سوق الحسبة، كانت هناك السيدة «وهيبة» بتاعة الطعمية.. اكتسبت -كما التابعى- شهرتها من الطعمية التى كانت تتفوق فيها على كل محلات الفول والفلافل.. وكانت تبيع الخبز الأبيض العريض والمنقط بالسمسم.. كان يسمى «جرادئ»، ومفرده جردأة.. كان «فول التابعى» و«طعمية وجرادئ وهيبة» من السمات التى تميزت بها دمياط فى رمضان. فى بداية الستينيات صرت طالبا فى جامعة أسيوط، ولم يكن بها سوى كليتى العلوم والهندسة.. كان عددنا آنذاك محدودًا، وكنا نتناول طعام الإفطار فى رمضان بمطعم الجامعة (مبنى كلية الآداب الآن)، وكانت الوجبة (شاملة الكنافة) بخمسة قروش لا غير.. بعد تخرجنا، كنا -كمعيدين- نتناول إفطار رمضان فى أحد المطاعم، وبعد صلاة القيام نجتمع فى شقة أحدنا ويمتد السهر بنا فى مناقشة أحوالنا بالجامعة حتى السحور.. فى نهاية الستينيات، تزوجت وبدأت الحياة تأخذ منحى جديدًا.. تواكب هذا مع انتهائى من رسالة الماجستير وبداية العمل فى الدكتوراه، وبالتالى لم يعد هناك تناول لإفطار رمضان فى المطاعم، ولا السهر حتى السحور خارج البيت.. أصبح لكل منا حياته الخاصة. فى نهاية الستينيات، بدأت الارتباط بجماعة الإخوان وبدأت معها حياة أخرى جديدة. ■ وماذا عن «رمضان الطفولة» وحكايتك مع الفوانيس؟ - «رمضان الطفولة» له صبغته وسمته المميزة، خصوصًا فى بلد شديد التدين كمدينة دمياط.. فقد حفر فى ذاكرتنا ووجداننا أخاديد عميقة وعلامات بارزة ما زلنا نذكرها حتى اليوم.. كنا نسعد كثيرا كثيرا عندما نصر ونحن صغار على الصوم.. كان ذلك يجهدنا، خصوصا فى الأيام شديدة الحرارة كأيامنا هذه.. كنا نتباهى بذلك بين أقراننا.. وكانت سعادتنا تبلغ مداها ونحن نرى أمهاتنا وآبائنا يحفزوننا ويشجعوننا على ذلك.. ما زلت أذكر جيدا كيف كنا -نحن أطفال الحارة- نحمل فوانيسنا بعد صلاة القيام ونمر بها على البيوت ونحن نردد مثل هذه الأهازيج «هاتوا العادة.. يا أصحاب العادة.. الفانوس طقطق.. والعيال ناموا».. فيتعطفون علينا بالقطايف والكنافة ولقمة القاضى، وما أشبه.. وكانت الفوانيس على أيامنا كما «اللمبة» نمرة 5، فإذا انتهت كمية الكيروسين، بدأ الفانوس فى الطقطقة.. كما كنا نمر على كثير من المحلات لنشرب من «ماء الورد» البارد الذى كانت تمتلئ به «القلل» المتراصة أمامها.. كنا نستيقظ فى السحر على «طبلة» مسحراتى الحى لتناول السحور، ثم الذهاب مع الوالد لصلاة الفجر فى المسجد. ■ كم رمضانا قضيتها وأنت فى الإخوان؟ - أكثر من ثلاثة وأربعين رمضانا قضيتها مع الإخوان.. وفى هذه «الرمضانات»، كانت أغلب إفطاراتنا مع الإخوان، والقليل جدا مع زوجتى وأولادى.. وقد تتزامن هذه الإفطارات مع لقاءات إدارية وتنظيمية، أو مؤتمرات دعوية وسياسية، وهكذا.. لم تكن مقتصرة على القاهرة، بل تتجاوزها إلى المحافظات المختلفة؛ بنى سويف، الجيزة، القليوبية، الشرقية، المنوفية، الإسكندرية، وهكذا.. لهذا فقد حرصت منذ سنوات (بعد تركى للإخوان فى منتصف عام 2011) على تناول معظم -إن لم يكن- كل الإفطارات مع الزوجة والأولاد والأحفاد لتعويض ما فات، ولله الفضل والمنة. ■ هل تتذكر مواقف وذكريات معينة مع قيادات الإخوان فى شهر رمضان؟ - قضيت خمسة رمضانات مع بعض قيادات الإخوان وذلك فى الفترة من 1995 إلى 2000، تنفيذا لحكم المحكمة العسكرية العليا علينا.. منهم محمد مهدى عاكف، وحسن جودة، وخيرت الشاطر، ومحمود عزت، وعبد المنعم أبو الفتوح، وعصام العريان، وغيرهم.. كان ذلك فى سجن ملحق مزرعة طرة.. الأستاذ عاكف اكتشفنا أنه طباخ ماهر، وكان يتحفنا بأنواع متميزة من «المحاشى».. الأستاذ محمد بدوى (مسؤول مكتب إدارى وسط القاهرة) كان يأتينا بالباذنجان المخلل الذى أعدته جارته «أم سيد»، ويصر على أن نتناوله مع كل وجبة إفطار.. وعصام العريان يفيض علينا بمحشى «الشبت» العجيب الذى تتقنه سيدات قرية «ناهيا» بالجيزة.. كانت الزوجات يتسابقن فى إمدادنا بأشهى الماكولات، ويتنافسن فى إعداد أنواع من الحلوى المرتبطة برمضان، كالكنافة والقرع العسلى، وما أشبه.. زوجة عبد المنعم أبو الفتوح أستاذة فى الكنافة غير المسبوقة، كنت أطلق عليها «الكنافة الفردوسية».. وقد حاولت زوجة محمود عزت منافستها فى ذلك، لكن كنافتها لم ترق إلى المستوى المطلوب.. الحقيقة أن الزوجات تحملن كثيرا وكن الأبطال الحقيقيين. ■ هل جمعتك ذكريات معينة مع مرشدى الإخوان «السابقين» خلال شهر رمضان فى الأعوام السابقة؟ - كان الأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد العام يحرص على قضاء رمضان فى بلده «منفلوط»، وكنت أزوره هناك عندما أكون فى أسيوط لأتناول الإفطار معه ومع الإخوان من ديروط والقوصية ومنفلوط.. يتكرر هذا فى كل رمضان.. وفى آخر رمضان قبل وفاته، زرته وكان بمفرده فى «فيلته»، حيث كانت صحته معتلة.. وقد لاحظت أنه ارتدى جلبابه مقلوبا، ولما نبهته إلى ذلك، قال ببديهة حاضرة: «القلب هو العدل».. ثم قام من فوره إلى غرفة مجاورة ليرتدى جلبابه معدولا.. أما الأستاذ مصطفى مشهور المرشد العام، فقد كنت جالسا معه فى المركز العام بالروضة فى أواخر عام 2002.. كان ذلك قبل رمضان بيوم واحد.. أسرّ إلىَّ أنه كان يتمنى أن يسمع أخبارا سارة عن الجماعة تبعث على الأمل، لكن للأسف.. بعدها بساعات، أصيب بنزيف فى المخ بعد صلاة العصر مباشرة فى المسجد المجاور لمنزله فى جسر السويس.. ظل أياما على جهاز التنفس الصناعى، ثم توفى رحمه الله. وكانت قيادة الجماعة تقيم إفطارا رمضانيا كل عام فى أحد الفنادق الكبرى تدعو إليه رموز القوى السياسية والوطنية، إضافة إلى الإخوان من المحافظات المختلفة.. وكان من المعتاد أن يرحب المرشد العام بالضيوف ويلقى كلمة، يتبعه فى ذلك كلمات للضيوف، ثم تكون كلمة الختام والشكر.. فى أحد هذه الإفطارات، وكان الأستاذ المأمون الهضيبى هو المرشد العام، إذ بى أفاجأ به يدعونى إلى الجلوس على المنصة ويكلفنى بإلقاء كلمة الختام. ■ ماذا لو لم يتم عزل مرسى قبل رمضان؟ - استجابة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لثورة 30 يونيو وعزل مرسى بعدها فى 3 يوليو كان ضروريا فى هذا التوقيت، وأعتقد أن تأخير ذلك لم يكن فى الصالح العام.. لاشك أن رمضان كان له أثره على المعتصمين فى رابعة والنهضة، من حيث ارتفاع الروح المعنوية والطاقة الإيمانية العالية.. لكن، ما كنت أتمنى أن يسمح لهذا الحشد بأن يتجمع.. كان ممكنا أن تغلق كل الشوارع المؤدية إلى الميدان.. أيضا ما كنت أتمنى أن يتم فض الاعتصامين بهذه القوة، وإن كنت أحمل الجزء الأكبر من مسؤولية الدماء التى سالت لقيادات الإخوان وأنصارهم. هل تفسد السياسة الشهر الكريم؟ - تفسده إذا كانت مصحوبة بالكذب، والغش، والخداع، والتضليل، وإخلاف العهود، وأى عمل غير أخلاقى.. وبما أن السياسة لا تخلو من كذبة هنا أو خداع هناك، فأرجو أن يكون الصيام عن السياسة أيضا، اللهم إلا إذا تمكن الساسة من إخضاع ألسنتهم وسلوكياتهم للمعايير الأخلاقية. ■ كيف تقضى رمضان مع أسرتك؟ وهل تقضيه عادة فى أسيوط؟ - رمضان مع الأسرة (الزوجة والأولاد والأحفاد) يمثل بالنسبة إلىّ بهجة ومتعة لا تعدلها متعة حياتية أخرى، خصوصا فى الفترة التى تواكب إعداد طعام الإفطار، فالأعمال موزعة، والكل يشارك بنصيب، مهما صغر.. لا أحد يجلس دون عمل.. وتكتمل الفرحة عند إطلاق مدفع الإفطار. ■ هل تشاهد التليفزيون والفضائيات فى رمضان؟ وما المسلسل أو البرنامج الذى تشاهده؟ - لا أنقطع أبدا عن مشاهدة التليفزيون والفضائيات، سواء فى رمضان أو فى غيره، خصوصا فى ما يتعلق بمتابعة أخبار مصر والعالم.. لكنى أعزف عادة عن مشاهدة المسلسلات، فمعظمها إن لم يكن كلها دون المستوى، مهنيا وثقافيا وأخلاقيا.. هناك مسلسل أتابعه؛ «صديق العمر» وبرنامج «مدرسة المشاغبين».. الأول لأنه يعالج قضية تاريخية، تضمنت مناطق ومساحات حساسة لم تطرق من قبل، فضلا عن استضافة الأستاذ عمرو خفاجى لضيوف لهم وزنهم ليعلقوا على المسلسل، وهو ما يضيف بعدا له فائدته.. والثانى لأنه يتناول قضايا فكرية مهمة، لكن حبذا لو كان الأستاذ إبراهيم عيسى اعتمد فيها على استقدام ضيوف متخصصين فى القضايا التى يعرض لها، وأعتقد أنه كان أجدى وأكثر ثراء ونفعا.. بالطبع هذا لم يكن ليتوافق مع الطلبة «المشاغبين»! كم مرة تختم فيها القرآن فى رمضان؟ - تلاوة القرآن متعة كبرى، فيكفى أن يعى القارئ أنه يتكلم مع الله.. وكما جاء فى الحديث: «من استمع إلى آية من كتاب الله، كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة».. وجاء فى الحديث أيضا: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة (أى الملائكة) والذى يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق، له أجران».. ويقال لقارئ القران يوم القيامة: اقرأ وارق.. لكن مع كل هذه النعم، علينا أن نضع فى اعتبارنا أنه ليس مهما أن نختم القرآن فى رمضان، لكن المهم كم آية تدبرناها وتأملنا معانيها وتعرفنا على ما فيها من مغزى ودلالات، والأهم كم آية استطعنا أن نتمثلها ثقافة وأخلاقا وسلوكا.. ■ كانت المساجد فى رمضان مفتوحة للجميع ولم تكن هناك رقابة على المعتكفين.. فى رأيك ما الذى تغير الآن بعد تشديد الرقابة على المساجد والمعتكفين؟ - الوضع الآن مختلف.. لقد أساء الإخوان ومناصروهم إلى الإسلام، وإلى الدعوة الإسلامية، وإلى الشعب المصرى، خصوصا بعد الثورة عليهم فى 30 يونيو والإطاحة بهم فى 3 يوليو، وبعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، وما تلا ذلك من حرق وتدمير وتخريب وأعمال عنف واغتيال.. وهو ما أدى إلى رصيد كبير من الكراهية تجاههم.. ورغم الضربات الأمنية الموجهة للإرهاب، فإنه ما زالت هناك بؤر منتشرة تتحين الفرص لإثارة القلاقل والاضطرابات، وربما ارتكاب جرائم اغتيال.. من البديهى إذن أن تكون هناك رقابة على المعتكفين، فلا تدرى من هؤلاء، وما الذى يخططون له، ومن أين تأتيك الضربة؟ وأظن أنه بات واضحًا لكل ذى عينين أننا نواجه فى هذه الفترة ظروفا استثنائية وغير عادية تتطلب مزيدا من الحيطة والحذر، ونسأل الله السلامة لمصر والمصريين. ■ ما فريقك المفضل فى كرة القدم؟ ومن شجعت فى مباريات كأس العالم؟ - منذ صباى الباكر وجدت نفسى منحازا لفريق النادى الأهلى.. لا أدرى لماذا؟ هل لهؤلاء اللاعبين النجوم الذين أمتعونا بفنهم فى فترة ما، من أمثال الضظوى ورفعت الفناجيلى وصالح سليم، وغيرهم؟ ربما.. أعتقد أن كثيرين ممن يعشقون النادى الأهلى، على الأقل من جيلى، يرجع حبهم للنادى لهذا السبب.. أما ما يخص مباريات كأس العالم، فقد كنت مشغولًا جدًا فى هذه الفترة، ولم تتح لى فرصة مشاهدة أى مباراة.