طرح اعتداء أفراد الشرطة علي قتيل الإسكندرية الشاب خالد سعيد العديد من التساؤلات حول سلامة الحالة النفسية للمعتدين.. تلك الحالة التي دفعتهم إلي ممارسة طقوس سادية من العنف البدني ضد الضحية أمام المارة دون خوف من المساءلة انتهت بقتله وسط دهشة مسرحية من المواطنين الذين لم يحركوا ساكناً واكتفوا بمقاعد المتفرجين. ولعل المشهد الدامي للضحية والمعتدين علي حد سواء يثبت أن هناك غياباً كارثياً للتقييم النفسي للمسئولين في مصر خاصة أولئك الذين لهم تعامل مباشر مع الجمهور ابتداء من أصغر مخبر بالداخلية مرورا بالكوادر التعليمية والوزراء وانتهاء برئاسة الجمهورية علي الرغم من خضوع أغلب رؤساء الدول المتقدمة وأعضاء حكومتها للتقييم الصحي والنفسي الدوري والذي تنشر نتائجه علي المواطنين بشفافية كاملة. وبالتالي لا يحق للمواطنين الشعور بالدهشة في حال اصطدامهم بقرار وزاري له طبيعة سادية مثلما شاهدنا مع تولي حكومة الدكتور نظيف خاصة تعدد الضرائب المفروضة علي الشعب رغم ارتفاع مستويات الفقر بين أوساط مصر مرورا بقرار وزاري انفعالي بنقل جميع معلمي إحدي المدارس إلي محافظة نائية لعدم حضور المدير أو إعلان إحدي الوزارات حصولها علي فتوي من الأزهر بدفن المصريين جماعيا في حال وفاتهم بإنفلونزا الخنازير.. كل تلك الشواهد الطريفة فضلا عن انفراد مصر بظاهرة طول بقاء مسئوليها في السلطة وهو ما يؤدي إلي توحدهم بالكرسي بحيث يصبح البقاء هو الهدف وليس ممارسة دور المنصب تجاه المجتمع، كل ذلك يدعو إلي مراجعة كيفية انتقاء المسئولين وضرورة إخضاعهم للتقييم النفسي الدوري من حين لآخر. العالم النفسي الكبير الدكتور أحمد عكاشة يحلل آثار غياب التقييم النفسي للمسئولين قائلا: إن غياب التقارب بين اهتمامات المسئولين واهتمامات الناس يؤدي إلي زيادة الفجوة بين الحكومة والشعب وهو ما يؤدي إلي شعور المواطنين بالاغتراب وعدم الانتماء للوطن نتيجة عدم تلبية الحكومة أبسط حقوقهم ويتساءل عكاشة: من أين يأتي الانتماء في بلد لا توجد فيه شفافية؟، لا أحد يعلم لماذا تتم إقالة وزير ما أو كيف يختار الآخر، لا أحد يعلم ماذا يحدث في البلد؟ المسألة مرتبطة بنزوة الحاكم.. من يخطئ لا يعاقب، والعقاب مقتصر علي الفقير، وتداول السلطة غائب ولا يجوز لأي حزب أن يسعي إليها وإلا اعتبرت جريمة، كل ذلك يجعل المواطنين بدون انتماء. فلا توجد حكومة في العالم تنفصل عن احتياجات شعوبها مثلما نفعل نحن خاصة في الخدمات الضرورية كالتعليم والصحة والمرافق الأساسية وبالتالي يبدأ المواطنون الاستغناء عن الحكومة وطرح بدائلهم الشخصية. ويضيف: طول مدة السلطة يخلق حالة من الجمود، ويتلاشي التجديد والابتكار والإبداع مع طول بقاء المسئول في السلطة، فمثلا الرئيس البرازيلي لولا سليفا رفض تعديل الدستور لتمديد فترته الرئاسية رغم أنه يحظي بشعبية كبيرة ولكن لأنه يتحلي بقدر كبير من الشجاعة وقوة الشخصية يعتزم ترك منصبه لأنه أحس أنه لا جديد لديه فترك الراية لشخص جديد، وهذا أمر يحتاج إلي أن يكون الرجل يتمتع بالصحة النفسية. وهناك الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا الذي سجن 37 عاماً وخرج وجلس ليحكم لمدة 3 سنوات قبل أن يترك منصبه، ولم يفكر في الانتقام لسنوات سجنه بالاستحواذ أطول مدة ممكنة علي السلطة. فالذي يجلس علي كرسي الحكم مدة طويلة يشك في كل من حوله، ويصل إلي مرحلة لا يستطيع أن يقدم لبلده شيئاً وينحسر كل تفكيره في كيفية الاستمرار في السلطة علي العكس من زعماء آخرين رأوا في انخفاض شعبيتهم أو عدم تحقيقهم الأغلبية مؤشر يدل علي ضرورة تركهم المنصب مثل تشرشل الذي استطاع تحقيق الانتصار بالحرب العالمية الثانية، وكذلك البطل الفرنسي شارل ديجول الذي استطاع تحرير فرنسا والذي راهن علي حصد أكبر قدر من الأصوات وعندما خسر الرهان ترك المنصب. ولفت عكاشة إلي أنه بعد مرور 5 سنوات من عمر حكومة نظيف بدأت بعض الآثار النفسية تظهر علي قرارات بعض الوزراء، فأغلب وزراء حكومة نظيف مصابون بالنرجسية ويحرصون علي أن تظهر صورتهم في كل وسائل الإعلام وصفحات الجرائد ويعتمد أغلبهم علي وسائل الإعلام في إظهار إنجازات لا يلمسها المواطن، أما البعض الآخر فتتسم قراراتهم بالاندفاعية والتهور الذي يصاحبه الندم في أغلب الأحيان دون وجود مساءلة خاصة أنهم يهتمون برضاء من يعينهم وليس رضاء الشعب. ولفت عكاشة إلي أن بعض المسئولين في مصر يتصفون بشخصية سادية تتلذذ بالقسوة وحب التعذيب وقهر الآخرين، كما يمتلك بعض الوزراء شخصية متبلدة لا تهمه معاناة الآخرين، بينما هناك شخصيات نرجسية عاشقة لذاتها تحب الظهور كما أن بعض الوزراء انفصلوا تماما عن الشعب لدواعي الأمن أو عدم الاهتمام بالشعب. وأشار إلي أن الدول المتقدمة تحرص علي ضرورة إخضاع مسئوليها للتقييم النفسي والصحي بصورة سنوية ابتداء من رئيس الدولة وحتي أصغر مسئول وتنشر نتائج تلك الفحوص أمام المواطنين في شفافية تامة ولا يعني ذلك أن المرض وصمة أو يحول دون ممارسة المهام ولكن من المهم معرفة الحالة الصحية والنفسية للمسئولين لأن بعض الأمراض العضوية والنفسية قد تؤثر في اتخاذ القرار. و يقول عكاشة إن هناك بعض الفئات من الضروري أن تقوم الدولة بإخضاعهم للتقييم النفسي خاصة العاملين في المناصب الحساسة والجهات الأمنية السيادية والعاملين بالمهن ذات الطبيعة الخاصة مثل المراقبين الجويين. فيما يشير الدكتور مصطفي شاهين - أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس وسكرتير الجمعية المصرية للطب النفسي - إلي أن تعيين المسئولين في مصر لا يخضع لأي معايير سوي قدرة الشخص المعين علي إرضاء رؤسائه فمثلا في حالة ضباط أو أفراد الشرطة الذين يلتزم أغلبهم بالقانون وشرف المهنة فإن الفئة التي تخطئ أو تتورط في جرائم تعذيب مثل الواقعة الشهيرة للضابط الذي قتل لاعب اليد أمام أحد النوادي وتفسيرها النفسي هو إحساس الضابط بالسلطة دون أدني احتمال للمساءلة وهو ما يدفع إلي مزيد من العنف وبالتالي فإن ضباط الشرطة يخضعون لتقييم نفسي قبل دخولهم الكلية وإن كان غير كافٍ فلابد أن يخضعوا لتقييم نفسي بعد تخرجهم لملاحظة التغيرات التي قد تطرأ علي شخصيتهم نتيجة تغير أسلوب حياتهم إلي نمط الحياة العسكرية الصارم. ويوضح شاهين أن المرض النفسي يزيد من ارتكاب الشخص وقائع العنف بنسبة تزيد من 30% إلي 50% عن الأسوياء ولابد من التفريق بين العنف الموجه ضد المجتمع والعنف الموجه للذات، لافتا إلي أن الدول المتقدمة لديها مجموعات من المحللين النفسيين القادرين علي دراسة شخصيات مسئوليها وتفسير قراراتهم طبقا لحالتهم النفسية والمشكلة في مصر في البطانة التي تحيط بالوزير أو المسئول علي اختلاف درجته والتي تري كل أفعاله أو آرائه صحيحة دون نقاش وهناك بعض الفئات من المسئولين الذين يكون عندهم شعور بالوعي الزائد، والذي يجعلهم دائما ما يشعرون بالخطر والقلق وتهويل الموقف كما حدث في أزمة إنفلونزا الخنازير في مصر من جانب بعض مسئولي الصحة الذين مارسوا ما يسمي إرهاب المجتمع وتخويفه وهو ما يسمي باضطراب الفزع بالإضافة إلي وجود بعض المسئولين الذين ينفصلون عن الواقع، فهناك الوزير الذي تتميز شخصيته بالاندفاعية والميول الانفجارية كمثال الوزير الذي يطالب بإحداث ثورة في التعليم أو يقول إن الامتحانات ستكون صعبة والعيال كده كده هتشتكي بدلا من تعليم الطلاب الأسلوب العلمي السليم للتفكير والقدرة علي الإبداع والابتكار وبالتالي فإن سلوك الوزير يزيد حدة الصراع داخل المجتمع وبتعجيزه الطالب والذي لابد ألا يكون الغرض من امتحانه التعجيز أو استعراض القوة عليه وإرهاب المجتمع بامتحانات الثانوية العامة كمثال. أو وزير آخر يطالب مستشفي في إحدي القري النائية بالانضباط والعمل مثل أفضل مستشفي استثماري رغم غياب الإمكانيات بعيدا عن التفكير العلمي المنظم وبالتالي يؤثر سلوك الوزير في المحيطين به بأنه ذو ميول اندفاعية ولا يمكن التنبؤ بقراراته لأنها غير مبنية علي أسس واضحة، بينما يهلل مساعدوه للقرارات بغض النظر عن كارثيتها وتأثيرها في المواطنين. ويشير شاهين إلي ضرورة تعميم التقييم النفسي للمسئولين في مصر خاصة مع استمرار بقائهم في السلطة وهو ما يتسبب في إصابتهم بحالة من التوحد بالكرسي والتمسك به وفعل كل ما يطلب منها في سبيل البقاء بالسلطة، مشيرا إلي أن السلطة قد تصيب المسئول بالكثير من الأضرار النفسية في حال بقائها فترات طويلة مع وجود ميول شخصية للمرض النفسي وانهيار قيم المجتمع والتي تؤدي بالمسئول إلي تكريس السلطة لديه وشعوره بالانتفاخ المعنوي بمعني عدم اهتمامه بالآخرين للشعور بأنه فوق المساءلة وقراراته أوامر لا تناقش وهو نتاج للمجتمع الذي يعاني التفكك القيمي والاجتماعي. من جانبه يؤكد الدكتور علي إسماعيل - أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر- أن غياب التقييم النفسي للمسئولين له آثار كارثية علي المواطنين.. لافتا إلي أن بعض المظاهر السلوكية للمسئولين قد تؤدي إلي ضرر كبير بالمجتمع فمثلا الشخصية السيكوباتية لديها ميول عدوانية تجاه المجتمع والغير وبالتالي عادة ما قد ترتكب تلك الشخصيات وقائع الفساد فمثلا المسئول المصاب بالسيكوباتية العدوانية شخصية انتهازية تكره المجتمع والغير وترتكب الجرائم تجاه المجتمع بهدف الحصول علي المصالح الشخصية. أما الشخصية المصابة بالبارانويا أو عقدة الاضطهاد فهو دائما ما يشك في المحيطين به ويتخذ عادة إجراءات منفردة، أما الشخصية النرجسية فهي شخصية محبة لذاتها وتتميز بقدر كبير من الأنانية وحب الظهور ويري طوال الوقت أنه أهمِ من الآخرين ومنزه عن الخطأ وبالتالي لايتقبل النقد ويري في انتقاده جريمة تجاه المجتمع والشعب لإحساسه بالعظمة وأنه فوق النقد.