يمنعني الخجل وإحساس عميق بالعار والشنار من التعليق المفصل علي تغطيات بعض الصحف (حكومية وخصوصية) للقضايا والحوادث التي تكون وزارة الداخلية طرفا فيها، ومصدر الخجل واضح ومفهوم، إذ إن العبد لله صحفي، بينما ما ينشر في هذه الصحف بشأن هذا النوع من القضايا والحوادث مشين ومهين ومثير للقرف ولا علاقة له من قريب أوبعيد بمهنة الصحافة، وإنما علاقته وثيقة ومفضوحة وأخوية جدا بمباحث التموين وشرطة المرافق وفرق التعذيب والقتل المتمركزة حاليا في العديد من السجون ومراكز البوليس. عزيزي القارئ .. اقبل مني تحية حارة لذكاء حضرتك لو كنت خمنت أن السطور السابقة مجرد مقدمة (لا تخل من محاولة لإبراء الذمة) للتأمل في الملابسات والمعلومات المتداولة حول جريمة الإعدام الوحشي التي نفذها الأسبوع الماضي أثنان من مخبري قسم شرطة «سيدي جابر» علنا في الشاب السكندري خالد سعيد .. أما إذا لم تكن خمنت شيئا من ذلك فالتحية واجبة أيضا وربما أكثر حرارة علي حسن ظنك في حضرتي، واقبل اعتذاري لأني خيبت أملك وكسرت بخاطرك، ولن تجد في السطور المقبلة كلاما ناعما عن «الزهور التي في الحديقة»، بل آيات مرعبة علي المسخرة الخرافية الراقدة في ثنايا الرواية الحكومية للجريمة .. وأبدأ منفذا وعدي بعدم التعليق علي معالجة صحافة المباحث (بعضها لايكف عن إعطائنا دروسا يومية مجانية في أصول المهنة) للحادث والتدليس الفاجر الذي مارسته علي قرائها وهي تتبني التصوير المضحك والأعذار الفضائحية المصروفة من وزارة الداخلية لرجالها الأشداء المنتشرين في وسائل الإعلام لتبرير إزهاق روح الشاب خالد علي هذا النحو المروع، لكني سألتقط فقط من بين فيض «الزبالة» التي أغرقونا بها ثلاث "نفايات" فقط تؤكد حقا أن شر البلية ما يفطس من الضحك.. فقد قالوا لنا مثلا، إن خالد لم يمت بسبب قيام المخبرين بضربه وسحق عظام رأسه ووجهه بسادية ووحشية تعجز اللغة عن وصفها، وإنما مات بسبب قيامه ببلع «سيجارة بانجو» من نوع «دمدم» المعروف بأنه ينفجر في جوف الشخص "البالع" ويفتته ويقَطع لحمه إربا إربا، تماما كما تفعل طلقات الرصاص التي من النوع نفسه، تلك المحرمة دوليا ويستخدمها جيش العدو الإسرائيلي بكثافة في حروبه وعدواناته الإجرامية المتكررة!! غير أنهم، وإن ظلوا علي تمسكهم بأن "السيجارة" إياها هي المسئولة عن قتل الشاب، إلا أن أحدا من أولاد الحلال يبدو أنه نبههم إلي استحالة أن تفعل هذه السيجارة "المدمدمة" كل الآثار التدميرية التي تفضحها صورة الجثة، ومن ثم قاموا مؤخرا بصرف رواية جديدة تقول إن هذا الدمار الظاهر في وجه ورأس خالد ناجم عن عملية التشريح التي قام بها الأطباء الشرعيون لجثمانه، وهو ما يعني أنه لافرق يذكر بين طريقة عمل «الحداد» و«الطبيب الشرعي»، إلا إذا كان هذا الأخير يتعامل مع جثامين خلق الله مستخدما «إيد هون»!! ومع ذلك فالنفايتيان السابقتان لا يمكن مقارنتهما بالمرة من حيث الفجور والمسخرة بما نسبته المباحث وصحافتها لوالدة الشاب القتيل، فقد نقلوا عن السيدة المكلومة اعترافها بأن ابنها «حشاش» ومجرم فعلا (!!) بل لقد تركونا نفهم أن الأم سعيدة جدا بقتل ضناها، وربما تفكر في تنظيم حفل ساهر وصاخب لتكريم القتلة ومنحهم وسام الأستاذ محمد علي «بدنجان» مقلي!!