لو سألنا «عم رشيد» وهو أحد الفقراء المصريين عن أول شيء يفعله إذا ما رزقه الله بعشرة آلاف جنيه.. فهو بالتأكيد سيقول لك: إنه سوف يعالج زوجته من لين العظام الذي أصابها بسبب نقص الكالسيوم وارتفاع سعر البيض وعدم قدرته علي شراء الأسماك بأنواعها.. أو أنه سيقول لك إنه سيدفع متأخر الإيجار عن شقته التي لا تزيد علي حجرتين حتي لا يتم طرده منها.. وهو في أحسن الأحوال سوف يشتري ثلاثة كيلوجرامات من اللحم.. يأكل واحداً منها ويدخر الباقي في الثلاجة ليأكلها في شهر رمضان. وفي هذه الحالة وبعد هذه الإجابات سنطمئن إلي أن هذا الفقير عاقل من وجهة نظر القانون وكامل الأهلية وسليم العقل.. أما إذا وجهنا لرجل آخر السؤال نفسه مثل عم «سفيه الغفلان».. وهو فقير طبعاً - مادام من شعب مصر - فأجاب: إنه سوف يقوم برحلة إلي «ألاسكا».. ثم يغادرها إلي ملاهي «والت ديزني».. ثم يشتري حصاناً إنجليزياً.. بشرط أن يكون من أصل عربي الحصان طبعاً وليس الإنجليزي فسوف نحكم علي هذا الفقير بالسفه كما هو اسمه لا سيما أنه يجب أن يعالج نفسه من الأمراض المتوطنة في جسده من أول فيروس «سي» وانتهاءً بنقص المناعة ومروراً «بالأسقربوط» وال «بيزي - بيزي» كما يجب عليه أن ينشئ تجارة لأولاده العاطلين ولو حتي «عربة كشري» أو «حمص الشام» والذي هو «الحلبسه» لمن لا يعرفون حمص الشام لكنك تجد الحديث معه مثل حديث الطرشان والرجل «سفيه الغفلان» يظهر أمامنا وكأنه الأهطل الذي أصابته اللوثة ولحسة المخ والعبط الجذيري المتجذر في قاع الجمجمة وهو مرض لا يعرفه أحد ولا حتي الأطباء ولا يفيق الرجل الفقير من هذا الذهول إلا حينما نقسم له أنه لن يطول «لا أبيض ولا أسود» ولا حتي الجنيه الذي يشبه «مارك المقاهي» وأقراص اللعب في «الليدو» و: السلم والثعبان».. وأنها مجرد فروض للحكم علي سلامة عقله وتصرفاته.. والعجيب أيها القارئ العزيز أننا أجرينا هذا الاختبار علي حكومتنا الحالية ومن سبقوها في الليمان فوجدناها مثل هذا الرجل الفقير السفيه بلا أدني فارق.. فهي تقوم بتبديد ثروة مصر وتوزيعها علي الفاسدين والمفسدين وعلي الحراسات الخاصة.. وتكلفه حماية الأشخاص والبدلات ورواتب الوزراء والمجالس المتخصصة التي هي ليست متخصصة ومصروفات الانتخابات التي تتم عادة بالتعيين فضلاً عن نفقات المواكب والمصروفات السرية للأجهزة الأمنية وغير الأمنية.. ولكن ورغم كل ذلك السفه والتبذير فقد حدث مؤخراً أيها السادة - والذي ينطبق عليه رأي الست دي أمي «رضينا بالهم.. والهم ما رضي بينا» - أن الحكومة استطاعت أن توفر من هنا ومن هناك مبلغاً جيداً جداً وهو مائة وعشرون مليون جنيه مصري بما يساوي «اثنين وعشرين مليوناً من الدولارات الخضراء» وكما هو ثابت في كتاب ألف ليلة وليلة..«أنه قد انفرجت الأسارير.. بما انتهي إليه مسرور الوزير.. الذي يحكم شعباً.. داقق علي نافوخه العصافير.. فقال لهم الوزير مسرور.. صحيح إن العلاج غير ميسور.. ومرضي الكبد والسرطان واقفين علي العلاج طابور.. ولكن المادة الأولي في الفكر الجديد بتقول.. «اللي يعيش يعيش واللي يموت يغور» لذلك فقد خصصنا هذا المبلغ لمشاهدة الكورة.. وتحيا الشوري.. ولو كانت شوري عوره». وهكذا أيها السادة القراء تم تخصيص أكثر من مائة وعشرين مليون جنيه لمشاهدة عشرين مباراة من مباريات كأس العالم.. مع إننا لا نلعب في كأس العالم ولا حتي في «كوز الحمام» وكأننا لا نعاني من الفشل الكبدي بواقع عشرين في المائة من الشعب وكأننا لا نشرب الماء الملوث وكأننا نجد الطعام بأرخص الأسعار حتي اسألوا «اللحمة».. وفعلت الحكومة المصرية تماماً مثلما فعل الفقير «سفيه الغفلان» إلا أنه وكما ستفعل أسرة «سفيه الغفلان» بإقامة دعوي الحجر عليه للسفه والغفلة وفقدان التمييز بين الأولويات في احتياجات العباد.. فأنا أدعو الشعب المصري لدراسة إقامة دعوي قضائية ضد حكومة مصر العربية للحجر عليها أمام أي محكمة مختصة.. وبالمناسبة فإن ما ذكرته هو نص تصريح السيد وزير المالية بأنه نجح في تدبير أكثر من مائة وعشرين مليوناً لن يدفعها للفقراء ولا لبناء المساكن ولا للعلاج ولا للتعليم ولكن ليشتري بها حق إذاعة عشرين مباراة من كأس العالم.. والحكم الآن للسادة القراء وللسيد رئيس محكمة الأحوال الشخصية قسم الحجر علي ناقصي الأهلية، وبهذه المناسبة فيروي أن أحد نزلاء مستشفي العباسية للأمراض العقلية نصح وزيراً سابقاً رآه وهو واقف أمام سيارته حائراً لمدة طويلة حيث اكتشف الوزير السابق ضياع المسامير الأربعة التي كانت تربط واحدة من إطارات السيارة.. فنصحه المجنون بأن يفك من كل عجلة من العجلات الثلاث مسمارًا واحداًً ويضعه في العجلة الرابعة إلي أن يصل إلي أقرب محل للكاوتش.. فتعجب الوزير السابق من قدرة هذا المجنون فسأله «ولماذا أنت إذن في هذا المستشفي؟ فأجابه المريض»: أنا هنا يا أستاذ لإني مجنون.. مش لأني غبي». وعجبي