لابد من اعتراف: هناك شرائح واسعة في مصر، والعالم العربي تحب هتلر . ومازالت تبحث عن "هتلر منتظر" يلقي إسرائيل في البحر أو المحرقة. البحث عن هتلر، وانتظاره، اضاع كل الطاقات الممكنة لبناء لدول قوية لا تستهين بها إسرائيل أو أي دولة في العالم. تاجل كل شيء في مصر والعالم العربي من اجل الحرب مع اسرائيل، وتضخمت إسرائيل إلي حد اصبحت معه وحشا مرعبا، تنفلت قوته، ويمارس بلطجته يوميا، ولا احد في مواجهته سوي مظاهرات تنتظر هتلر، وتنادي باعادة موقعة خيبر، وتتوعد اليهود بالموت. لم يشعر أحد بالملل من هذه المسرحية الممتدة طوال أكثر من 60 سنة. لم يتوقف أحد ليعيد النظر في مقولات هذه " الحرب الكبري" ..وابطالها المنتظرين. لماذا لم يفكر العرب في صناعة دول محترمة بدلا من انتظار أبطال يتحولون إلي كوارث متحركة؟ البحث عن أبطال هو قدر الشعوب العاجزة والبائسة. والشعوب العربية : عاجزة وبائسة. وصورتها ليست اكثر من : فلول ضحايا حرب كبري. حرب لم تتم فقط علي الجبهات العسكرية، ولكنها علي مستويات نفسية ووجودية حولت العرب إلي كائنات خرافية خارج التاريخ. ومن هتفوا لصدام حسين يهتفون اليوم لاردوغان. اردوغان ليس صدام، ولكن العرب يريدون تحويله إلي صدام جديد، يشحنون صورته كبطل مخلص، ومنقذ للعروبة، بدلا من الوعي بانه سياسي يبحث لبلاده عن موقع في منصة قيادة المنطقة. الماسأة ليس في بحث تركيا عن دور جديد، يستعيد امجاد امبراطوريتها العصمانية، ولا في استعادة امجاد الامبراطورية الفارسية علي يد احمدي نجاد. الماسأة ان يتم ذلك وفق خطاب الوهم الكبير، الذي يتصور السياسة هي جولات فروسية، ورايات المخلصين، ذلك التصور القديم الذي يرتبط بعصور سحيقة، ولم يعد له مجال في ظل ظروف عالم مختلف. لم يفكر احد لماذا بدا رد الفعل التركي اقل من المنتظر بعد مذبحة اسطول الحرية. بينما كان رد الفعل المصري ( علي ضعفه ) اقوي من المتوقع..؟ هناك تفسير بسيط. اسطول الحرية لم يكن نتاج تفاعلات في القضية الفلسطينية، ولكن نتيجة لهياج قوي اقيمية تريد فرض مساحتها في الملعب الاقليمي. وهنا لن تخضع تركيا لحسابات القضية ، ولكن لتوازنات القوي، وهذا ما يجعلها تتمهل..بينما مصر طرف قديم في الاقليم، اختارت موقع الاسعاف أو النقاذ، أو حامل المفاتيح، وهذه كلها ادوار سهلة الحركة، خاصة ان فتح المعابر يعني كسر الحصار بارادة وتحكم مصري، بمعني انه لن يربك التوازنات الفلسطينية ولن يسمح لاطراف متصارعة علي السلطة بين غزة والضفة، سيكون المفتاح بيد الاجهزة المصرية. وهذا يعني ان الجريمة الاسرائيلية ضد الاسطول، فرصة لاعادة ترتيب المواقف...، والتخلص من لعنة انتظار هتلر، والتفكير في حل عادل للقضية وليس استعراض بطولات، ومفاخر بالشهداء. أبطال القضية أصبحوا اكبر من القضية. وفلسطين اختفت تحت رايات الفصائل والاحزاب وهتافات تستدعي الابطال اكثر مما تسعي إلي استعادة فلسطين.