رغم صغر مساحة «كفر المصيلحة» أو كفر باريس كما كان يطلق عليها فإنها اعتبرت من القري المصرية القليلة التي كان لها دور بارز في صناعة التاريخ حيث إنها مسقط رأس الرئيس حسني مبارك وكذلك عبد العزيز فهمي باشا، قاضي قضاة مصر في عهد الخديوي إسماعيل ووزير الحقانية في عهد الملك فاروق وصاحب الفضل الأول والأخير في النهوض بالقرية. أما الرئيس مبارك فقد انقطعت علاقته بالقرية بعد المرحلة الثانوية والتحاقه بالكلية الحربية.. وهو الشيء الذي استاء منه أهل كفر المصيلحة مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية، والذين اعتقدوا عندما تولي الرئيس مبارك منصب نائب رئيس الجمهورية أن القرية سوف تعود إلي سابق عهدها أيام عبد العزيز فهمي حيث كان يطلق عليها «كفر باريس» وذلك لارتفاع نسبة التعليم بها وارتفاع مستواها المعيشي كما كانت قرية ميت أبو الكوم مسقط رأس الرئيس الراحل أنور السادات والتي تقع ضمن نطاق محافظة المنوفية، والذي حول القرية إلي قطعة من أوروبا وتبرع بقيمة جائزة نوبل التي حصل عليها للنهوض بالقرية. وفي المجمل قرية كفر المصيلحة تعد قرية نموذجية من حيث المباني والقصور التي تحتفظ بمكانتها منذ أيام الملكية وكذلك المساحة الخضراء التي تملأها والهدوء الكامل بها، وتأكد أن أي مناقشة عن تاريخ القرية مع شيوخها كبار السن ستؤدي إلي مناقشة تاريخ عبد العزيز باشا فهمي، حتي لو كان هناك إصرار علي الحديث عن الرئيس مبارك وعلاقته بالقرية سيقودك ذلك لمعرفة أن عبد العزيز باشا فهمي هو من أدخل الرئيس الكلية الحربية وكلية الطيران بعد ذلك وستنتهي المناقشة إلي مقارنة بين الرئيس مبارك وعبد العزيز باشا فهمي لصالح الأخير. من أشهر حكايات الباشا أنه «شغل الحمار في البلد» عندما ذهبت إليه سيدة وطلبت منه المساعدة لأن ظروفها صعبة فقال لها هل لديك ابن لألحقه بأي عمل فقالت لا.. فقال لها وزوجك. ردت: متوف.. فأعطاها المال وطلب منها شراء حمار وقال لها سوف ألحقه بالعمل في البريد وكانت السيدة تتقاضي مبلغ ثلاثة جنيهات في الشهر راتبا للحمار. كما تبرع الباشا وابنه من بعده بأهم المرافق الحيوية للقرية مثل المدرسة الابتدائي والمسجد الكبير ودار المناسبات والجمعية الاستهلاكية والنادي الرياضي وجميعها الآن تحمل اسمه «عبدالعزيز فهمي» ماعدا النادي الرياضي فقد تحول اسمه إلي «نادي مبارك» فجأة وبدون مقدمات ولا أسباب منطقية. بعد وفاة الباشا أصبحت كفر المصيلحة مثل باقي قري محافظة المنوفية بها نفس الخدمات ونفس المرافق ونفس المشاكل ولم تشعر يوماً بأنها بلد الرئيس مبارك إلا من خلال أوبريت «اخترناه..اخترناه»! فالقرية خرج منها وزراء كثيرون مثل عبد الرحمن باشا - وزير التجارة الأسبق- وعبد الخالق المنشاوي- وزير الري الأسبق- وأخيرا الوزيرة مشيرة خطاب لكن لم يقدم أحد منهم أي شيء للقرية، بخلاف الباشا عبدالعزيز فهمي الذي كان رجلاً صاحب مروءة وأخلاق وكان عطوفاً وأصيلاً ليس علي مستوي القرية فقط بل المستوي القومي وقد أطلق اسمه علي شارع كبير بالقاهرة. وبعد وفاته تحولت القرية من حال إلي حال وأصبحت الخدمات تتم بالجهود الذاتية فالجمعية الاستهلاكية تمت إقامتها بالجهود الذاتية بعد أن تبرع بالأرض محمد عبد العزيز فهمي - ابن الباشا - وكذلك المعهد الديني الموجود بالقرية تم إنشاؤه بالجهود الذاتية علي أرض الباشا. وأخيرا إذا عشت في هذا البلد أو قمت بزيارته فلن تجد إلا كل ترحيب وسعة صدر من أهله، فأهل كفر المصيلحة يمتازون بالكرم ورحابة الصدر أكثر من أي مدينة أو قرية أخري.