نسب مشاركة الانتخابات الأمريكية الأقل فى الدول الغنية رغم وجود تسهيلات للناخبين.. وأسترالياوبلجيكا تفرضان غرامات ضخمة على الممتنعين أوباما حظى بفترة ولاية ثانية بنسب مشاركة أضعف بكثير من التى فاز بها بوش ووصلت إلى 57.5% محلل أمريكى: تحولنا إلى «ديمقراطية زائفة» تواجه نفور الناخبين منها لشعورهم بعدم وجود بدائل ديمقراطية لم تكن نسبة الموافقة على الدستور المصرى الجديد، الذى سيحل عقب دستور الإخوان المعيب، هى ما يشغل بال كثيرين منا، بل كانت نسبة المشاركة التى كانت بمنزلة تصويت على كتابة شهادة وفاة جماعة الإخوان الإرهابية، وبناء شرعية قانونية جديدة لثورة 30 يونيو.
وجاءت نسبة المشاركة الهائلة التى وصلت إلى 38.6% ما يعادل أكثر من 20 مليون ناخب من إجمالى من يحق لهم التصويت، ليضعها البعض فى مقارنة مع كبريات الديمقراطيات العالمية، ويحاول آخرون التشكيك فى أنها لم تصل بعد إلى نسب المشاركة الكبيرة لديهم.
ولكن بعقد مقارنات بسيطة لوجدنا أن بعض الديمقراطيات وصلت إلى ما وصلت إليه من نسب مشاركة كبيرة، عقب مشاركات هزيلة متنوعة ودساتير واستفتاءات متعثرة كثيرة ومختلفة قبل أن تصل إلى تلك النسب الكبيرة الحالية.
أمريكا.. «ديمقراطية مزيفة» لعل هذا أبرز ما وصفه المحلل الأمريكى، دان بالز، فى مقاله بصحيفة «واشنطن بوست» وقاله أيضا متخصصا العلوم السياسية الشهيران، جان لايتلى، وجوناثان ناجلر، فى كتابهما «مَن يصوت الآن؟ تقييم ديمجرافى لنسب المشاركة المتدنية فى الولاياتالمتحدة»، والذى كشف أن معظم المصوتين ينتمون إلى أماكن يمكن وصفها بالغنية، وأن الأماكن الأكثر فقرا يمتنع معظم سكانها عن التصويت بشكل كبير، كما أن فئة الشباب فى أمريكا يمكن وصفها بأنها «بعيدة تماما عن السياسة» والمشاركة فى أى استحقاقات انتخابية بطبيعة الحال.
ورغم أن الإدارات الأمريكية المتوالية ابتكرت وسائل عديدة لتسهيل التصويت ولجعل النسب ترتفع بصورة كبيرة، وهو ما نجح لفترة، لكن النسب لم تصل بعد إلى المستوى المأمول.
واعتمدت الإدارات الأمريكية خدمات مثل التصويت البريدى والتصويت الإلكترونى عبر الإنترنت، ونظام التصويت المبكر، كما أنها سمحت لجنود الجيش الموجودين بالخارج والداخل بالمشاركة فى الانتخابات، وهذا كله يوقف نسب المشاركة فى الانتخابات الأخيرة لعام 2012 عند 57.5%، وهو ما قل بصورة كبيرة عن انتخابات 2004 التى انتخب فيها جورج دبليو بوش لفترة ولاية ثانية.
وكانت انتخابات 2008 بمنزلة الإنعاش للحياة السياسية الأمريكية، والتى تم انتخاب أوباما فيها لفترة ولاية أولى بنسبة مشاركة 62.3%، ولعل آمال الناس التى كانت معلقة على الرئيس الأسمر الأول فى تاريخ الحياة السياسية الأمريكية هو سبب هذا الأمر، لكن صدمتهم فى سياساته الفاشلة هو ما جعل النسبة تتراجع بصورة كبيرة.
وقال مركز إحصائى أمريكى إنه من المتوقع أن تشهد الحياة السياسية الأمريكية تراجعا كبيرا فى التجديد النصفى لعام 2014، والرئاسية الجديدة فى عام 2016، قد يعيدها إلى النسب التى كانت تحقق عام 1964.
وأرجع بالز ذلك التراجع إلى عدم شعور الناخبين الأمريكيين بأنهم جزء من المعادلة السياسية للبلاد، وبسبب عدم المساواة فى الدخل وازدياد الفئات الغنية غناء، وتراجع الفئات المحدودة فى الفقر المدقع، علاوة على عدم وجود حلول وبدائل ديمقراطية سياسية لمشكلاتهم المتفاقمة، وانحسار الصراع بين حزبين فقط «الديمقراطى والجمهورى»، وعدم إتاحة الفرصة لأى أحزاب ثالثة للدخول إلى حلبة المنافسة.
وما جعل عدد من المحللين يصفون الديمقراطية الأمريكية ب«الزائفة» هو تلك الدراسة التى كشفت احتلالها المركز الأخير بين 14 دولة غنية متشابهة معها، حيث أشارت الدراسة إلى أن نسب المشاركة الحقيقية فى مجمل الانتخابات الأمريكية طوال السنوات الماضية يمكن أن يصل إلى 38%.
فرنسا.. ديمقراطية الدساتير المتعثرة مرت فرنسا بمجموعة من الدساتير المتنوعة تم إقرارها منذ تأسيس الجمهورية الفرنسية، والتى حظيت بنسب مشاركة متنوعة كتبت لبعضها البقاء لفترة طويلة، ولأخرى لم يكتب لها البقاء إلا لسنوات معدودة، قبل أن تصل حاليا إلى حياة ديمقراطية يمكن وصفها بالنشيطة ونسب مشاركة مرتفعة تصل إلى 80% فى ما أكثر.
ولعل الملحوظة الأبرز هو ذلك الاستفتاء، الذى أجرى خلال فترة ولاية الرئيس الأسبق جاك شيراك عام 2000، والذى تم فيه تغيير فترة ولاية الرئيس من سبع سنوات إلى خمس فقط، تماشيا مع القواعد المتبعة فى الدول الأوروبية المختلفة.
حظى هذا الاستفتاء بنسبة المشاركة التى يمكن وصفها بالأضعف فى القارة الأوروبية وصلت إلى 30.2% فقط ممن لهم أحقية المشاركة فى التصويت، وحصل التعديل على نسبة تأييد وصلت إلى 73.2% بما يعادل 12 مليون شخص فقط من أصل 39 مليونا، وبالفعل تم اعتماد تلك التعديلات، رغم ما قالته المعارضة عن أنها نسبة تجلب «العار» على الديمقراطية الفرنسية بشكل عام.
قواعد أستراليا الصارمة ينظر إلى دولتى أسترالياوبلجيكا بأنهما أكثر نسب مشاركة فى العالم بأى استحقاقات انتخابية سواء برلمانية أو حتى محلية أو أى استفتاءات.
ولكن عند التدقيق فى القوانين الانتخابية لتلك الدول اتضح أن نسبة الإقبال الكبيرة للمشاركة فى الانتخابات ترجع إلى العقوبات القاسية والمشددة المفروضة على الغائبين عن الانتخابات، والتى تبدأ بالغرامات المشددة والمطبقة بصرامة وقوة وخدمة المجتمع، حتى عقوبات السجن فى حالة من لم يدفع الغرامة أو يطبق الخدمة المجتمعية، إلى أن تصل إلى حرمان الناخبين لفترات معينة من الحضور فى أى استحقاقات انتخابية أخرى.
ويطلق على النظام الانتخابى فى أستراليا نظام «التصويت الإجبارى»، والذى يتم من خلاله إلزام الناخبين بالتصويت لضمان المشاركة الأكبر للناخبين، وهو ما يعنى أن الحزب المنتصر يمثل بشكل واضح أغلبية السكان، لا فقط أولئك المهتمين بالسياسة.
لا يقتصر نظام التصويت الإجبارى على أسترالياوبلجيكا فقط، بل يمتد إلى دول أخرى مثل «الأرجنتين»، التى تمنح استثناء إلى من هم تحت سن السبعين رفض التصويت لمرة واحدة فقط، عن طريق إبلاغ اللجنة العليا للانتخابات قبل إجراء الانتخابات ب48 ساعة.
وهناك دول أخرى مثل «بلجيكا، والبرازيل، والإكوادور، وبيرو، وسنغافورة، وأوروجواى».
أوروبا المتقلبة لعل أبرز الإشارات التى يمكن إبرازها فى ذلك الأمر هو ضعف الإقبال لدى المواطنين الألمان على المشاركة فى الانتخابات والاستفتاءات العديدة.
وهو ما أشارت مجلة «دير شبيجل» الألمانية، فى تحليل خاص بهذا الموضوع، إلى أنه «ألحق ضررا شديدا بشرعية الحكام الحاليين والديمقراطية الألمانية بشكل عام».
وأطلقت المجلة الألمانية على تلك الحقبة السياسية التى تمر بها البلاد بأنها حقبة «العملاق النائم الذى ينتظر الاستيقاظ»، وأشارت إلى أن هذا العملاق النائم هم كتلة غير المصوتين البالغة، التى تنتظر برامج سياسية مختلفة يقدمها المرشحون كى تهب من صحوتها وتعود مرة أخرى للمشاركة فى العملية السياسية والانتخابات.
وكشفت «دير شبيجل» أن نسبة المشاركة فى التصويت بالانتخابات الألمانية خلال عام 1998 وصلت إلى أكثر من 82% وتراجعت خلال عام 2009 إلى 70.8%.
وقال مانفريد جولنر، رئيس معهد فورسا للدراسات السياسية المتخصصة: «يبدو أن الناخبين لدينا فقدوا شغفهم بالحياة السياسية بشكل عام، وتراجع هذا المؤشر سيضعف بصورة كبيرة الشرعية الديمقراطية لجميع البرلمانات المنتخبة، خصوصا أن المسألة تعدت مجرد الفقر وضعف التعليم، بل بسبب النظام الانتخابى نفسه الذى لا يشعر المواطن بأنه صانع قراره».
وفى إسبانيا ستجد أن الأمر ذاته يحدث، فنسب المشاركة فى الانتخابات لا تتخطى ال60% بأى حال من الأحوال، وتتراجع فى الاستفتاءات إلى 40% فقط، كان آخرها فى 2005 خلال الاستفتاء على الدستور الأوروبى، والذى حظى بنسبة تأييد 80.8%، ما يعادل 11 مليونا، مع نسبة مشاركة ضئيلة، والتى وصفت بأنها الأقل منذ عهد الديكتاتور فرانكو.