ج: الناس البيئة بيقولوا: "رايحين شرم الشيخ".. الناس الكلاس بيقولوا: "رايحين شرم" بس.. من غير الشيخ! صديقتي دكتورة بدرجة فنانة.. في نهاية كلامها معايا أخبرتني بمزيج من التباهي والتفاخر.. مع قليل من التنطيط لمحته في ثنايا الخبر... أنا مش حابقي موجودة اليومين الجايين.. واستطردت... عندي مؤتمر في شرم... وخللي بالك من الصيغة.. كل اللي زينا كده بيقولوها شرم الشيخ.. ولكن اللي الموضوع ده عادي عندهم بيرفعوا التكليف ويقولوا شرم بس من غير الشيخ.. مش وقت مشيخة خالص.. ولأنني عارف هذه الإنسانة ومتأكد أنها زينا.. فقد أعجبني استعدادها السريع لارتداء مسوح الشرميين.. واتخاذها الفيس المناسب مقدما.. وعلي الفور حاولت أن أكون علي نفس المستوي.. وكأنها أخبرتني مثلا أنها رايحة المنصورة... آه طيب لما ترجعي بالسلامة ابقي كلميني وقوليلي عملتي إيه.. وضحكت صديقتي وهي تحاول ترضيتي.. ما تحاول تيجي تريحلك يومين.. وبكل إباء وشمم ليسا مستغربين علي مواطن مصري أصيل زيي.. رديت.. لأ أنا مش حاجي شرم الشيخ إلا وأنا ريس.. وأردفت متواضعا.. أو حتي وزير.. ولم تجد صديقتي ردا أستحقه سوي ضحكة امتزجت فيها كميات معقولة من الشفقة والرثاء والإعجاب بخفة دم البعيد.. إللي هو أنا.. وقفزت فجأة هذه القطعة العزيزة من الوطن إلي حيز الدراسة النظرية علي بال ما ربنا يسهل بالجزء العملي.. شرم الشيخ إحدي خمس مدن سلام مميز!! علي مستوي400 مدينة عالمية.. طبقا لليونسكو.. في محافظة جنوبسيناء عند رأس البحر الأحمر.. يسمونها ريفيرا الشرق.. وجوهرة سيناء.. يا صلاة النبي.. السياحة بقي اللي علي حق.. وغوص ومحمية راس محمد وشعب مرجانية.. مناظر لما تشوفها في الصور والكروت تتنح وتفغر الفاه.. مش عارف طبعا لو شفتها في الحقيقة حتعمل إيه.. و150 فندق سياحي علي أعلي المستويات.. البلاجات هناك زي ما شفتها في الصور.. تبقي قاعد كده.. (لأ مش كده.. باقولك كده).. ووراك الجبل وفوقه النخيل وقدامك البحر.. خيال يا مواطن منك له.. وضهرك متأمن كويس بالطبع.. مش مدينة سلام مميز.. وإمعانا في الخيال المريض تصورت نفسي في يوم ما.. وأنا ذاهب لقضاء الويك إند في شرم.. وبالمرة حنحضر المؤتمر.. بأي توصيف وعلي أية كيفية.. ماتشغلش بالك.. حانزل في الحياة ريجنسي.. (أنا حافظ الاسم ده من أيام ما كنت في دبي وفوجئت أنه هنا كمان).. وحانزل السوق السياحي عشان شوية الكادوهات لأصحابي.. وطبعا الطاقم الخاص بحراستي وتأميني معايا.. قلتلهم مالوش لازمة دي مدينة السلام.. قالولي لأ الأمر مايسلمش برضه.. كنت آنذاك وزيرا للخارجية (وهو فيه وزير مصري يخرج كده لوحده ويتصرف عادي!!!).. وعندي مؤتمر لوزراء الخارجية العرب.. وكلهم حضروا وأمجاد يا عرب أمجاد.. وإتنين حريم بتوع أمريكا وإسرائيل.. والموضوع ليس بجديد.. وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية في الضفة والقطاع.. والتنسيق العربي لموقف موحد من أجل تعزيز فرص السلام في المنطقة.. مع اجتماع خاص مع الراجل بتاع السودان.. عشان نشوف موضوع المية المنيل بنيلة ده.. وحكاية دول حوض النيل إللي بيستعبطوا دول.. العادي بتاع كل سنة يعني.. والناس كلهم مبسوطين ومرتاحين وجايين يفرفشوا يومين.. إفتكرت كيسنجر بجلالة قدره.. ماشافش الجمال ده.. ماكانش علي أيامه ولا ألكسندر هيج وأجهدت ذهني لأتذكر بعض نظرائي السابقين.. ووارن كريستوفر وجيمس بيكر.. لغاية ما بدأ عصر الحريم مع أولبرايت وبعدها كولن باول.. ده راجل.. وكونداليزا وحاليا هيلاري.. والآخرانيين دول الشرم خدت منهم رقات.. ورب سائل غير سليم النية يسأل.. هو يعني لازم تبقي وزير خارجية عشان تروح شرم؟!.. سأتأمل قليلا وأراجع كلماتي ثم أرد.. لأ ممكن طبعا بس حابقي رايح وأنا حاسس إنها مش بلدي.. المصريين إللي شغالين هناك عندهم حالة فصام.. شايفين هناك مستويات تانية خالص من البشر من كل الجنسيات.. أضف إلي ذلك أنهم يلقون معاملة غير آدمية من الأمن.. حفاظا علي السياح وراحتهم بكل تأكيد.. خد مثلا.. شاب مصري زي الورد ومؤهل عالي.. شغال هناك في صالة جيم.. بيشتغل ماسير.. بيعمل جلسات تدليك ومساج.. وطوال فترة عمله شهد له الجميع بحسن الخلق وجودة الأداء.. إحدي السائحات الأوربيات قدمت شكوي ضد هذا الشاب للإدارة.. وعلي الفور تم إيقافه عن العمل وتولت نيابة أمن الدولة التحقيق معه.. سألت الراوية ليه عمل لها إيه؟؟ وأجبت أنا بسؤال.. إتحرش بيها؟ ثم استطردت بس إزاي يعني.. إذا كان هو شغلته أساسها تحرش.. وجاءتني الإجابة.. لأ هي قلعت التيشرت بتاعها وأعطته للشاب الواقف بجوارها ينتظر.. فوضعه علي الأرض بجوار الإستاند بدون قصد وبشكل عفوي.. واعتبرت السيدة الأوروبية هذا التصرف إهانة وجرح لشعورها الرقيق.. ولم تستطع حتي أن تراجعه فاتجهت للإدارة فورا وقدمت الشكوي... تذكرت هذه الحكاية وأنا مغرق في خيالاتي.. ثم عدت لرحلتي كوزير خارجية لشرم.. لا يمكنك الاستمتاع بهذا الجمال عزيزي إلا إذا كنت أجنبي.. ممكن إسرائيلي حتي.. أو تبقي من الحكومة.. لكن مواطن كده عادي بدون أي حيثيات... لأ معلش بقي شوية كده ووسع خالص من هنا.. لذلك كان لابد من أن أحمل حقيبة وزير قبل أن أفكر في هذه الزيارة.. وقد تحولت شرم لمنتجع سياسي عالمي وسياحي من عام 96 تقريبا.. ومنذ هذا التاريخ ليومنا هذا والمؤتمرات والاجتماعات العالمية علي ودنه.. والرئيس وكل معاونيه لا يجدون راحتهم إلا هناك.. وأتي أحد التابعين يبلغني بأن الجلسة الأولي علي وشك البدء.. لملمت أوراقي وراجعت كلمتي سريعا.. وظبطت الكرافتة وحطيت البرفان الحكومي.. وتوجهت إلي القاعة الكبري.. وأخدت مكاني وجلست شامخا قويا وأحسنت تمثيل بلادي.. ثم بدأت الجلسة وشجبت وأيدت وباركت وأدنت.. كما يجب أن يكون الشجب والتأييد.. وكانت المباركة والإدانة علي أحسن وجه.. وعلي الفور قفلنا الجلسة وعدت لاستمتاعي بريفيرا الشرق.. وأحسست فجأة ببواخة الحلم.. لست أملك في ذاكرتي ولا في مخيلتي.. ركائز أساسية ومعلومات حقيقية أرتكن إليها في حلمي.. وهكذا اكتفيت بمقعد وزير الخارجية.. وتأكدت من القيام بواجبي كأحسن وزير حقل.. وحطيت دماغي تحت حنفية مياه الحقيقة.. لأغسلها من غبار الأحلام.. واكتفيت بما أسمعه من الأصدقاء الذين ذهبوا هناك لسبب أو لآخر.. وما أقرأه في الصحف والمجلات أو علي النت.. عن هذه البقعة الساحرة من الوطن.. شرم الشيخ.. حتي يسعدني زماني وأقولها ذات يوم.. عندما يسألني سائل رايح فين؟ فأرد بأريحية مطلقة وثقة حكومية مفرطة.. رايح شرم...