من دون أن تُفهم السطور المقبلة علي أنها محاولة (ستكون خائبة أكيد) للدس والوقيعة بين الرئيس حسني مبارك ورئيس وزراء سيادته الدكتور أحمد نظيف، أظن أن هذا الأخير خالف وناقض بوضوح رؤية وكلام رئيسه عن مستقبل حكم مصر، فبينما أحال مبارك الموضوع برمته إلي خالق السماوات والأرض، وأبلغ الصحفيين الخواجات في إيطاليا أن ترشيح سيادته لفترة رئاسية سادسة أمر «يعلم به ربنا وحده»، معلناً بتواضع وأريحية تثيران الإعجاب قبوله مشكوراً بمن يختاره الله تعالي لخلافة سيادته، فإن السيد نظيف وضع مهمة الاختيار علي عاتق الأستاذ «السيستم» القائم حالياً، وقال للصحفيين المصريين في «القرية الذكية» بعد يوم واحد من تصريحات الرئيس الإيطالية، إنه «مش شايف غير صفين لولي»، ولا يري أي سياسي في البلد يصلح لتولي رئاسة مصر خلفاً لمبارك، بسبب أن «السيستم لم يفرز حتي الآن الشخص القادر علي تولي القيادة» سوي رئيسه الذي هو رئيس «السيستم» أيضا!! وقد تجادل حضرتك وتشكك في وجود تناقض حقيقي بين رؤية الرئيس مبارك للكيفية التي يأتي بها الحكام والرؤساء والتي تفضل سيادته وأعلنها في العاصمة الإيطالية، وما قاله الدكتور نظيف عن الحكاية نفسها في قريته الذكية الكائنة بأول طريق مصر إسكندرية الصحراوي، وأرجح أن جنابك سوف تؤسس حكمك بانعدام التناقض علي ملاحظة أن الرئيس ومرؤوسه اتفقا واشتركا معا في أمر جوهري ألا وهو استبعاد الشعب المصري وإعفاؤه تماما من مشقة اختيار حكامه أو إبداء أي رأي في الموضوع من أصله. هذه الملاحظة صحيحة فعلا وتتجلي واضحة وضوح الشمس في كبد النهار أمام كل أعمي في عين أهله، لكن رغم ذلك يظل كلام مبارك وكلام نظيف كليهما يقف علي الطرف النقيض من الآخر، إذ شتان بين رؤية ربانية بحتة (ربما تلامس حدود التصوف) تُنزل أمور السياسة وشئون السلطة والحكم منزلة الشأن الإلهي الخالص وترهنه بمشيئة الرحمن سبحانه وتعالي، ورأي ورؤية مختلفة تجعل من «السيستم» مصدراً لكل السلطات والرئاسات والنفوذات والثروات التي بالمليارات و.. خلافه، هذا مع أن «الساساتم» عموماً هي دائماً وأبداً من الصناعات الدنيوية المعروفة والمشهورة سواء صممها وصنعها بشر أو شياطين زرق. طبعاً غني عن البيان أن التباعد الجسيم بين الرؤيتين يتجاوز في أهميته وخطورته حدود المشاكل النظرية والخلافات الأكاديمية ويكتسب أهمية وخطورة مضاعفتين من اختلاف النتائج العملية المترتبة علي اعتماد أي من الرؤيتين كأساس منهجي للبحث في المستقبل السياسي لهذا البلد، فالرؤية والمنهج الرباني اللذان ينحاز إليهما الرئيس يفرضان علي الباحث الجاد توجيه جل جهده واهتمامه نحو أولياء الله الصالحين والمواظبة علي كنس أضرحتهم بانتظام علي الظالم وابن الحرام، أما تبني نظرية «السيستم» فيستلزم الاستعانة بكهربائية وسباكين يجتهدون لإتلافه وتفكيكه وبيع مكوناته خردة في سوق الخميس..! صباح الفل